الصفحات

السبت، يونيو 30، 2012

لماذا لا تستضيف مصر الاسد وتنهي معاناة الشعب السوري؟


عنان وخطته الفاشلة



بغض النظر عن رأينا في خطابات مرسي الثلاثة التي القاها خلال يومين متتاليين وما اذا كانت تفي بتوقعاتنا منه من عدمه، فان اهم ما ذكره مرسي اليوم في احتفال تسلمه السلطة في جامعة القاهرة هو تعليقه للمرة الاولى عن المجازر التي تحدث في سوريا.

في الواقع فهو يستحق التحية لانه اول مسؤول مصري يتحدث عن ذلك صراحة ويطالب بوقف نزيف الدم السوري. حتى وان تكن مصر في ظروفها الحالية ليست قادرة على تقديم او عمل اي شيء الا انه ليس من المعقول اذا اخذنا علاقتنا التاريخية بالشعب السوري في الاعتبار، ان تستمر مصر في تجاهل الامر عملا بمبدأ عدم التدخل في شؤون الغير. فالشعب السوري ليس ملكا للاسد ورثه مع الضيعة من ابيه ويحق له ان يتصرف فيه كما يحلو له.

ان عمليات القتل اليومية في سوريا لهي امر غريب في عصرنا هذا فهي حرب بكافة الاسلحة من حاكم غير شرع ي ضد شعبه. ولا يبدو ان مؤتمر جنيف لن يسفرعن أي تقدم ملموس باتجاه وقف نزيف الدماء بسبب تعنت روسيا والصين واصرارهما على عدم التدخل مما يوفر مزيدا من الوقت لابادة الشعب السوري على بكرة ابيه على يد الطاغية وجيشه ومجرميه وشبيحته.

ان النقاش حول تحقيق مصالحة في سوريا تتيح للاسد البقاء في السلطة او حتى في البلاد هو امر لا يبدو معقولا ولا مقبولا ولا منطقيا. كيف يمكن للاسد ان يعيش بين مواطنيه وكيف يمكنه ان ينظر في عيونهم وفي كل منزل لاجرامه ضحية. لا يجب ان تقبل المعارضة أي عروض للمصالحة الا بعد رحيله. عندئذ يمكن تحقيق المصالحة بين ابناء الشعب لبناء سوريا جديدة.

يمكننا ان نتخيل مشاعر الصغار والكبار في سوريا في القرى وفي احياء المدن عندما يواجهون القتلة وسفاكي الدماء ويجدون انفسهم تحت رحمتهم يتصرفون في حياتهم كما يحلو لهم او السكان الفزعين عندما يصم اذانهم دوي المدفعية التي يمكن ان تسقط احدى قذائفها على حجرتهم لينتهي خوفهم الى الابد وتتناثر اشلائهم مع بقايا الاثاث. ولكن ابن الاسد وريث رجل ادمن سفك الدماء ويبدو ان جينات الاجرام التي ورثها من ابيه لا تترك امامه خيارا اخر سوى السير على درب والده.

ان مصر يجب ان تعمل قدر الامكان لتخفيف معاناة الشعب السوري ويجب ان تطالب برحيل الاسد ولو كانت حتى ستضطر الى استضافته هو ونسله الشيطاني في مصر لنوقف نزيف الدم السوري. وكلما كان ذلك مبكرا كان افضل. ان انقاذ حياة شخص واحد لهو جدير بان نبذل من اجله الكثير فما بالنا وهذا المجرم يودي بحياة العشرات واحيانا المئات كل يوم. ليس ابشع على الانسان من ان يشعر بانه مضطهد ومعرض للقتل في وطنه الذي ولد به والذي يعد احب بقاع الارض الى نفسه، ولكن يبدو ان مثل هذه المشاعر ليست موجودة في عالم الاسود. 


الجمعة، يونيو 29، 2012

الاخوان المسلمون تلك النبتة الشيطانية




محمد مرسي



بعض المواطنين ربما لا يعرفون لماذا تأخر لقاء محمد مرسي الرئيس المصري المنتخب بوزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون وما جرى خلف الستار على مدى الايام الماضية هو شيء يندى له الجبين ويشير الى التردي الذي سقطت فيه دولة متحضرة من الطراز الاول عندما اسلمت مقودها لرئيس من الاخوان. وتفاصيل المعركة التي احتدمت بين الخارجية الامريكية والخارجية المصرية تمهيدا لهذا اللقاء الخطير والهام هو امر لابد ان يعرفه هؤلاء الذين ساقوا مصر الى هذا المصير الاسود. والواقع ان اللقاء يكتسب اهميته بكل ما اعتراه من تأخير ومساومة ليس من اهمية العلاقة بين البلدين بل من الشكليات السخيفة الخاصة بالاخوان الذين ستكشف الايام للمصريين أي خطأ ارتكبوه عندما اتوا بهم الى الحكم.

وفي البداية اعترض مرسي على ان يلتقي بكلينتون وهي سافرة الرأس فهذا امر لا يجوز وقبلت كلينتون ان تضع على رأسها غطاء رأس خفيف اشبه بالحجاب اثناء اجتماعها بمرسي. ولكن الاخوان اثاروا اعتراضا اخر. كيف سيصافحها مرسي وهي امرأة اجنبية لا تجوز له. وسعيا لتذليل العقبات وافقت كلينتون على ان تمسك بطرف غطاء الرأس وهي تصافح مرسي. لا احد يستطيع ان يلوم الامريكيين لما ابدوه من مرونة وتفهم لايديولوجية الاخوان الضيقة. ولكن الاخوان مالبثوا ان خرجوا بشيء غريب ونادر فكيف سيخاطب مرسي الوزيرة الامريكية باسم السيدة كلينتون في الوقت الذي يعرف ان ابيها ليس اسمه كلينتون بل هو اسم زوجها. وغضب الامريكيون وقالوا ان الاخوان لا يريدون اتمام اللقاء. وهنا تدخل المرشد واقترح ان يناديها مرسي باسم الحاجة ام شيلسي. وقبل الامريكيون الحل وستشرف سعادتها في منتصف الاسبوع المقبل.
كلينتون محجبة

هذا هو الموضوع الوحيد بصراحة الذي ظللت انقب عليه لكي اشارك به في مهرجان الهجوم على الاخوان حتى يقال انني رجل عصري ومتحضر حيث لم يترك لي الصحفيون والاعلاميون الأشاوس شيئا حتى غدوت اقول ما قاله الشاعر الجاهلي عنترة العبسي في معلقته الشهيرة:

هل غادر "الجرذان" من متردم     ام هل عرفت الدار بعد توهم

لم اشهد في حياتي هجوما على الاخوان كذلك الذي شهدته بعد فوز محمد مرسي على احمد شفيق مرشح نظام مبارك البائد بصورة تعطيك انطباعا ان المصريين ادمنوا العبودية كما لو كانت قد دخلت في صميم التركيبة الجينية لديهم. وهو امر يمثل اساءة كبيرة للشعب حيث يصور الاعلام المصريين دون وعي كما لو كانوا عبيدا لابد وان يساقوا كالانعام وعندما تأتيهم الحرية فانهم لا يقبلونها بل ويسارعون الى رفضها والتنصل منها.

غير ان الغريب ان أي عاقل يمكنه ان يدرك ببساطة ان هذا الاعلام لا يعكس ارادة الشعب بل هو قائم على نوع من الايجار والاستئجار والاستعمال (مثله الشقق المفروشة تماما) والاثارة التي لا تكشف فحسب عن انعدام المهنية بل ايضا انعدام الاخلاق والضمير واحتقار الذات.

الاخوان يصورون في الاعلام المصري كما لو كانوا شياطين هبطوا علينا من كوكب اخر وليسوا بشرا من دم ولحم يروحون ويغدون بيننا. انهم اناس اغتصبوا الرئاسة ولم يأتوا اليها عن طريق صناديق الاقتراع وسيحولون البلد الى مقر للخلافة العثمانية الجديدة وهم مصدر تهديد خطير للفنون والثقافة والعلوم بل والامن ولن يتركوا مصر تقريبا الا وهي خرابة ينعق فيها البوم والغربان. ومرسي في خطابه الاول لمن يتحدث عن الفنون ولا السينما ولا المسرح ولا حقوق الاطفال ولا حقوق الحيوانات مما يعني اننا نتجه الى عصور الظلام والجهل.

ويبدو الامر كما لو كان الاعلام العفن يمن على الرئيس بالمنصب لانه لم يأت عن طريق صناديق الافتراع بل جاء بمنحة من بعض الصحفيين والمذيعين المعوقين عقليا.

والصحف تحاول خلق حالة من الايهام الحقير بعكس ما هو موجود بالفعل فصحيفة الدستور اليوم تعلن ان القلق والخوف يسودان مصر بعد وصول الاخوان للسلطة. وهو عكس الواقع تماما فالمصريون يشعرون بارتياح كبير لانتخاب مرسي لانه اول رئيس اتي الى البلاد بارادتهم ولم يفرض عليهم فرضا كما كان الحال في السابق ويشعرون انه منهم وهم منه ويرون زوجته التي تشبه امهاتهم واحدة من نساء هذا الشعب وليست الهانم المتفرنجة ذات الاصول الاجنبية التي لم يكرهوا امرأة كما كرهوها.  

مذيعة ممصوصة مثل ورقة الجوافة المغلية التي يستخدم المصريون في الريف شرابها لدرء السعال والكحة خرجت لتستنكر على مرسي قوله في مخاطبة الشعب "اهلي وعشيرتي" وانكرت ان تكون سعادتها من اهله وعشيرته. والسؤال هل كانت تجرؤ ان تقول هذه الكلمة في عهد مبارك؟. هل كان يمكن ان تتجرأ وتقول لمبارك انا لست من المواطنين الذين تتوجه اليهم بخطابك؟.

صحيفة الفجر التي يطلق عليها الشباب على الانترنت "الفجر والعهر" بضم الفاء والعين خرجت لتصف موسى بانه الفاشي في عنوانها، وافادتنا – من فيض معلوماتها - ان الرجل من صناعة امن الدولة. ونحن بالطبع نصدق ان امن الدولة اتي بمرسي لان اجهزة الدولة كلها والحزب الوطني المنحل (الذي يقال انه انفق نحو ستة مليارات جنيه لدعم شفيق) كانا يسعيان لدعمه اثناء الحملة حتى اتوا به الى السلطة.

دعونا نتحدث بصراحة فالحملة على الاخوان ليست حرية تعبير عادية او حتى سفالة صحفية وعهر اعلامي، بل هي حملة موجهة للقضاء على رئاسة مرسي والارتداد بنظام الحكم الى العهود السابقة خاصة في ظل العسكر الذين يمثلون الركيزة الثابتة والمهيمنة لنظام مبارك العفن.

المصريون بكل فئاتهم سعداء للغاية بانتخاب مرسي وهي المرة الاولى التي يشعرون فيها ان تصويتهم كان حاسما في تحديد من سيحكمهم وهو اول رئيس يشعرون انه اتى الى الحكم بارادتهم ويتطلعون اليه لتحقيق امالهم والاستجابه لتطلعاتهم. ولكن قوى الشياطين تأبى الا ان تفسد فرحة الشعب وتحيلها الى مناحة.

اموال مصر المنهوبة

المصريون سئموا حكم شخصيات عفنة لا ضمير ولا اخلاق لها ولا احساس لديها بالشعب ولا احتياجاته ولا تطلعاته. الاخوان ربما يكونوا اصحاب ايديولوجية ولكنها على أي حال لا تكرس سرقة الشعب واستعباده وامتهانه. هل يعرف كثير من المصريين ان ثروة علاء وجمال نجلي الزعيم الملهم صاحب الضربة الجوية الاولى تبلغ خمسة وعشرين مليار دولار أي ضعف الاحتياطي الذي يمتلكه الشعب المصري المكون من حوالى 90 مليون نسمة؟. من الذي اتاح لهما جمع هذه الثروة الهائلة وعلى حساب من تم جمعها؟. نفايات الصحفيين لا يتحدثون عن ذلك بل يتحدثون عن تجاهل مرسي للفن في خطابه.

بالأمس خرج لاعب كرة لم اسمع به من قبل ليقول لنا ان الاخوان سيجعلونا نلعب الكرة بالجلاليب؟. هل هناك معنى لهذا الكلام سوى الهيافة والرغبة في السير في ركاب المأفونين؟. والهجوم على الاخوان هو الموضة هذه الايام ولو تخلفت عن الركب فانت رجعي ومتخلف وظلامي ومن انصار الدولة الدينية وارباب الخلافة الاسلامية.

الشعب المصري متدين بطبعه ويهتم اهتماما خاصا بالأمور الدينية وان يكن الامر في جانب كبير منه ظاهريا. فاعظم ما تركه الفراعنة هي المعابد والمقابر(الاهرامات) استعدادا للرحلة للعالم الاخر. وعندما دخلت المسيحية الى مصر بنيت اعظم الكنائس واكبر الاديرة. وعندما جاء الاسلام اشتهرت القاهرة بمدينة الثلاثين الف مئذنة. ولنا ان نقارن هذه التراث المعماري بالتراث الذي تركته الحضارة الاسلامية في اسبانيا لنعرف ان المصريين لهم تدينهم الخاص بهم وان الاسلام لم يؤسس ابدا لدولة دينية.

انا لم اكن اتوقع اطلاقا نجاح مرسي في ظل الظروف الغريبة والمريبة التي احاطت بالانتخابات في جولة الاعادة ولم اتوقع ان يأتينا للمرة الاولى رئيس لا تشير المؤشرات الى ان كل ما يهمه توزيع المصالح والغنائم على المحاسيب والاقارب وفتح خزائن البلاد لاولاده لكي يغرفوا منها. ولكن مرسي فاز بالرئاسة في ظروف صعبة للغاية ولنا ان ندعمه فالطريق شاق وصعب وما هذه الا البداية. كل القوى الرجعية والعفنة التي ترتدي لباس التقدمية والرقي – وهي في الاساس اما عفنة او مأجورة او تسعى للبقاء في عالم متغير يهدد بانقراضها واحالتها الى حديقة الديناصورات– جعلت من مهاجمة مرسي رسالتها الاولى.

وانا لا اتوقع ان يستمر مرسي في الحكم طويلا لان قوى العفن في المجتمع اكثر بكثير واقوى من قوى الاصلاح. وهناك قوى لا يهمها اصلاح الاوضاع في مصر ولا تقدمها بل ربما كانت البيئة المثالية لانتعاشها ونموها وبقائها هي البيئة العفنة التي تركها نظام مبارك والتي يسعون الى ديمومتها ولو ضحوا في سبيل ذلك بالغالي والنفيس.   

في مجتمع تبلغ نسبة الامية فيه اكثر من 40 في المئة والامية السياسية اكثر من 95 في المئة تجد الشائعات تربة خصبة يسهل التلاعب فيها بالانجازات وتحويلها الى انتكاسات. والاستراتيجية الجديدة هي ان ينهض مرسي بالسلطة ظاهريا ويتحمل كل مسؤوليات التقصير الذي تحدثه قوى اخرى لتنتهي مسيرته السياسية بسرعة ويعود حكم  الانجاس الى قواعده سالما.

الثلاثاء، يونيو 26، 2012

نهاية طيبة لمسلسل ممل




الاحتفالات بفوز مرسي



 اخيرا وبعد طول معاناة وانتظار وتوتر انتهى مسلسل مرسي وشفيق بفوز الاول واندحار الاخير وسفره من مصر. وفوز مرسي هو ليس انتصارا للثورة ولكن على الاقل محاولة لابقائها على قيد الحياة. بدلا من وأدها تماما والقضاء عليها على ايدي النظام القديم العائد بقوة والذي قويت شوكته وطفا الى السطح بكل قوته الكامنة في حملة شفيق.

غير ان التجربة الديمقراطية المصرية الاولى التي بلغت ذرتها بانتخابات إعادة الرئاسة وما شابها من قلق وخوف وتوجس وتربصن تشير الى ان الطريق لن يكون معبدا فما زالت هناك قوى في المجتمع تسعى الى جره للخلف والعودة بالتاريخ الى عهد مبارك الاسود.


ولكى بقى ان يعرف الاخوان انهم لم ينجحوا لشعبيتهم بل لان الشعب اختار التصويت ضد النظام القديم والعمل على الحيلولة دون عودته الى الساحة. مصر عليها الان ان تشق طريقا جديدا بعيدا عن الماضي ونجاح مرسي بنسبة تزيد قليلا عن النصف هو امر غير مسبوق في الدول العربية التي كانت شعبية الزعيم الملهم فيها لا تقل عن 99.9 في المئة في مثل تلك الاقتراعات.

ومرسي باعتباره اول رئيس منتخب لمصر امامه مهام شاقة. المجتمع المصري في حاجة الى مصالحة موسعة بين كل فئاته واطيافه فقد خلفت الثورة الكثير من الالام والاحزان كما شهدت عمليات الاقتراع التي اعقبتها سواء الاستفتاء او الانتخابات البرلمانية والرئاسية استقطابا شديدا قسم مجتمعا متماسكا تقليديا الى فئات متصارعة ومتنافسة.

الاخوان بحاجة الى التخلي عن ايدلوجيتهم الضيقة والسعي الى اقامة دولة حديثة يكون ابرز اهدافها تحقيق تنمية متكاملة وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة الكاملة بين افراد الشعب المصري بغض النظر عن انتمائهم العرقي او الديني او السياسي.

والمصريون بحاجة الى الوقوف الى جانب الرئيس الذي لن تكون مهمته سهلة اطلاقا والذي سيتعين عليه ان يخوض معارك ومواجهات مع المجلس العسكري الذي يصر على الامساك بزمام الامور وترك هامش محدود للرئيس المنتخب للمناورة فيه. مصر ليست في حاجة الى صراعات على السلطة والمزيد من الاستقطاب بل في حاجة الى التوجه الى البناء والعمل خاصة اننا نبني دولة من لاشيء.


لقد ترك مبارك البلد انقاضا ينعق فيها البوم والغربان ولم تكن بالنسبة له ولنسله الكريم اكثر من بقرة حلوب يتعين استنزافها الى اخر قطرة.  ويكفي ان نعرف ان ثروة نجليه التي تبلغ 25 مليار دولار (17 مليار لجمال وثمانية مليارات لعلاء) تفوق كثيرا اجمالي الاحتياطي الذي يحتفظ به شعب مكون من نحو 90 مليون نسمة، لندرك ابعاد الكارثة.


بوسع المصريين الان ان يتنفسوا الصعداء ويطمئنوا الى ان نظام مبارك البغيض ذهب الى غير رجعة ولن يكون امامه فرصة الى العودة الى تسيد الساحة مرة اخرى الا اذا اساء الاخوان ادارة دفة الامور. لقد برهنت انتخابات الرئاسة وحملة الاعادة بين شفيق ومرسي على وجه خاص الى ان الحزب الوطني بكل قواه وكوادره مازال متجذرا وراسخا في الريف المصري بل وفي القاهرة نفسها، وانه مازال يمثل تحديا كبيرا امام الثورة.

الاخوان امامهم فرصة طيبة وهي الاولى التي تتاح لهم منذ ما يقارب القرن للبرهنة على ان ايدلوجيتهم لا تمثل تعارضا مع التيار السائد في المجتمع الذي يميل بصفة عامة الى الاعتدال والوسطية. المصريون ربما يكونوا متدينين في الظاهر ولكنهم ايضا براجماتيون.    




الجمعة، يونيو 22، 2012

الى ان تشرق الشمس على مصر






المجلة متوقفة عن الصدور الى ان تشرق الشمس على مصر.

حتى الاحلام في مصر تنتحر






لم يعد يعنينا الان ان يأتي مرسي او شفيق ولكن الاحداث التي مرت بها مصر خلال الايام الماضية تبرهن بما لا يدع مجالا للشك على فشل التجربة الديمقراطية في مصر وانه لا امل بالمرة ولا سبيل الى الحكم الديمقراطي في ارض المحروسة طالما كان للعسكر أي سلطة في الحياة المدينة.

منذ اشهر خرج علينا الثوريون الاشتراكيون بمقولاتهم بانه لا بد من تفتيت المؤسسة العسكرية اذا كان ثمة امل في التحرك نحو الديمقراطية وبناء دولة حديثة. ساعتها سخرنا منهم واتهمناهم بانهم يعيشون في اجواء "كوميون باريس" ويسعون الى جر عجلة التاريخ للخلف. ولكن مجريات الاحداث اثبتت ان كلامهم كان صحيحا وانهم كانوا اكثر وعيا وابعد نظرا من كثير من القوى السياسية.

ومنذ ايام قال احد اساتذة العلوم السياسية في احدى الجامعات الامريكية العريقة في مجلة فورين بوليسي انه لا يمكن احداث تحول ديمقراطي في ثورات الربيع العربي بدون قصم ظهر المؤسسة العسكرية.

للاسف الثورة لم يكن لها قائد وسارع العسكر الى تبنيها وادعاء حمايتها بهدف تطويعها وتمييعها والقضاء عليها. ونجحوا نجاحا منقطع النظير في ترويض الاخوان وسحق القوى الثورية الاخرى والتآمر عليهم واثارة الشعب ضدهم باتباع اساليب شيطانية ما كان يمكن ان تخطر على بال نظام مبارك الذي يعتبر احد اعفن الانظمة في القرن العشرين والحادي والعشرين. لقد كان نظام مبارك فجا ويتصرف برعونة اما هؤلاء فانهم يدرسون تصرفاتهم بذكاء ويتجهون الى النتيجة مباشرة وللاسف يحققونها بصورة تفوق أي توقعات.

مصر للاسف الشديد لا يبدو انها ستمضي الى الامام فهي مكبلة بميراث من الديكتاتورية والحكم العسكري الذي لا يريد لها التقدم يساعده في ذلك بعض حثالات المنتفعين وبقايا نظام مبارك واعلام بالغ التخلف وشعب انهكه الفقر والامية والمرض.

ورغم اجراء انتخابات قيل انها ديمقراطية او شبه ديمقراطية الا ان نتيجتها مازالت معلقة في انتظار ابرام صفقات مريبة وغريبة تؤمن للعسكر وضعا في عالم ما بعد الثورة وتوفر لهم الحماية من أي ملاحقة عن جرائمهم بدءا من موقعة الجمل الى ما يفعلونه الان.

ولن يعنينا كثيرا ان ينجح شفيق او مرسي فكلاهما سيظل يعمل تحت مظلة العسكر بصورة تفوق النظام التركي في الستينيات من القرن الماضي. والى ان يأتي لدينا شخص مثل اردوغان يستطيع عن طريق تحقيق طفرة اقتصادية وتشريعية تحجيمهم والزامهم ثكناتهم، علينا ان ننتظر. وربما ننتظر طويلا طويلا. 


الأحد، يونيو 17، 2012

هل انت مع بقاء الثورة ام قتلها؟




قلت من قبل انني كنت اتمنى ان ينسحب مرشح الاخوان من الانتخابات الرئاسية ويتركها لشفيق ولكن مرسي فضل ان يخوض الانتخابات. ورغم اننا يمكننا ان نتخيل ما الذي يمكن ان يحدث لو نجح شفيق بعد خوض انتخابات الاعادة، الا اننا لا نملك في نفس الوقت الا ان ندعم مرسي ليس نكاية في شفيق او غيره ولكن في محاولة لحماية الثورة وابقائها على قيد الحياة. نحن لا ندعم مرسي باعتباره مرشح الثورة الامثل ولكن باعتباره منافس اعداء الثورة.

 ودعونا نخلص من موضوع التصويت والجدل حوله. التصويت على اساس ديني هو غباء لا سبيل الى انكاره لانه لا مرسي ولا شفيق سيصلي بنا اماما ولكن اي منهما لو افلح سيرعى جزءا من امورنا الدنيوية وهذا امر لا علاقة له بالجنة ولا النار. اقول جزءا لانه كما يرى الجميع فالدولة المصرية بصراحة لا تقدم شيء للمواطن تقريبا علاج غير موجود وتعليم سيء وطرق ومواصلات بشعة وكل شيء تقريبا يبدو متداعيا ونحن لدينا امل كبير ان يتغير كل ذلك في المستقبل.

واذا كان البعض له تحفظات على مرسي باعتبار انه يمثل تيار الاخوان المسلمين فلا يجب ان ننسى ان شفيق يمثل نظاما اذاقنا الهوان على مدى 30 عاما. اصحاب الاموال والمصالح الذين حصلوا عليها بالمجان وبالسرقة من دم الشعب هم من سيصوت لشفيق من اجل توفير الحماية لها بعيدا عن القانون وهم ينفقون منها بسخاء على حملته لانها في الاصل اموال جاءت بلا جهد ولا عناء. اما من سيصوتون لمرسي الذي لا يمتلك سوى شقة 120 متر - وليس 20 قصرا منها واحد في باريس مثل شفيق - فهم من عانوا الامرين من شفيق واسياده في السابق على مدى 30 بل لنقل 60 عاما ومن المتوقع ان يعانوا اكثر في عهد النظام القديم الجديد. والشيء الواضح ان شفيق سيحاول الحفاظ على اوضاع التفاوت المزري في الدخول ومستوى المعيشة كما كانت على عهد المخلوع. اهم من كل ذلك انه حتى لو لم يكن مرسي يمثل لب الثورة وجوهرها من وجهة نظر البعض فان شفيق يمثل عدوها اللدود. واذا كانت مقاطعتك للتصويت ستساعد على الاتيان بشفيق فانت تقف من الثورة نفس موقفه وتساهم معه في قتلها.


الجمعة، يونيو 15، 2012

قبل ان يخرج الاخوان سفر اليدين


المخلوع يدلي بصوته في انتخابات برلمان التوريث 2010


تورد الينا الانباء فيما تورد ان عددا من القوى السياسية الثورية تسعى الى اقناع الاخوان بسحب مرشحهم محمد مرسى من جولة الاعادة والانضمام الى القوى الثورية الاخرى في البحث عن مخرج من المأزق الذي تقف فيه مصر الان.

حتى الان لم يستجب الاخوان لمطلب القوى السياسية الاخرى ولكن لو كان الاخوان لديهم ما يكفي من بعد النظر والفطنة لانسحبوا من الاعادة وتركوا شفيق يحصل على المنصب بالتزكية.

شفيق باعتباره من الفلول ومرفوض شعبيا سيكون ضعيفا للغاية في موقعه كما ان وصوله الى السلطة بهذه الطريفة سيمثل فضيحة للمجلس العسكري وله امام الشعب وامام العالم كله. وسيجعله ذلك هشا في مواجهة أي احتجاجات قوية عليه في المستقبل او أي تحرك ضده.

اما خوض الانتخابات حتى النهاية فمن شأنه ان يضفي عليه شرعية لا يستحقها لا هو ولا من هندسوا وصوله الى المرحلة الحالية بهذه الطريقة. ولنعترف اولا ان شفيق سيفوز على مرسي لا محالة بالتزوير والقوة والبلطجة وكل الاساليب. وسيخرج الاخوان من هذه المغامرة بخفي حنين ولا شيء اكثر.

ولنتحدث بصراحة: الاخوان ليسوا مضطرين لتوفير شرعية لشفيق لمهادنته او اتقاء شره لان شفيق او أي رئيس في مكانه لن يكون بوسعه اطلاقا بعد الثورة ان يقوم بممارسات النظام القديم القمعية ضدهم او ضد غيرهم حتى لو كان مدعوما بكل الاجهزة الامنية في العالم وليس في مصر وحدها.

انسحاب الاخوان الان سيجعلهم يكسبون الشارع بعد ان ارتكبوا اخطاء قاتلة في الفترة الانتقالية سمحت للمجلس العسكري باستدراجهم الى الموقف الحالي، وعليهم ان يتخذوا قرارهم بسرعة.

الموقف الحالي يذكرنا بالانتخابات البرلمانية في عام 2010 التي اصر الاخوان على خوضها ثم انسحبوا بعد الجولة الاولى التي لم يحصلوا فيها على مقعد واحد. ولكن جولة انتخابات الرئاسة القادمة هي الثانية والتي سيفوز بها شفيق حتما.

وهذه مقالة كتبتها في ايامها في مدونة اخرى. وسنجد ان نفس الموقف يتكرر بحذافيره ولكن النتيجة يمكن الا تتكرر لو انسحب الاخوان الان. الوقت ضيق ومالم نسمع غدا صباحا عن الانسحاب من جولة الاعادة فلن يخسر الاخوان انتخابات الرئاسة فحسب بل الانتخابات البرلمانية القادمة ايضا.

رابط المقالة  




الخميس، يونيو 14، 2012

ارفعوا قبعاتكم لتحية المجلس العسكري




الحكم الذي اصدرته منذ نحو ساعة المحكمة الدستورية العليا في مصر بعدم دستورية قانون العزل الذي كان يهدف الى اخراج المرشح احمد شفيق من سباق الرئاسة قبل يومين من اجراء الانتخابات وعدم دستورية عضوية ثلث اعضاء مجلسي الشعب والشورى – اقول ان الحكم يعيد مصر الى ثوابتها التي كانت تقف عليها يوم 11 فبراير 2011 قبل تنحي او تنحية المخلوع.

وتأكيدا لما ستكون عليه الاوضاع في العهد الجديد القديم اصدر وزير العدل قرارا بمنح حق الضبطية القضائية للشرطة العسكرية والمخابرات العسكرية وهو ما يسمح لهذه القوات باعتقال المدنيين.

اليوم هو يوم عادي جدا و يمكن ان نعتبره مثلا يوم 24 يناير 2011 على اعتبار انه لم تكن هناك ثورة ولا يحزنون. غير اننا يتعين علينا في هذه الحالة ان ننسى نحو عام ونصف حملت لنا الكثير من المآسي والاحزان التي كانت كافية لتبديد أي امل في مصر جديدة بلا قمع وبلا فساد وبلا عفن وبلا اعتقالات وبلا تعذيب.

بقى ان نحيي المجلس العسكري ونرفع له قبعاتنا على سبيل الاحترام والاجلال فقد قام بعمل معجز حقيقة حيث لف بنا كل اراضي المعمورة على مدى عام ونصف ونحن نلهث وراء صورة سراب رفعها امامنا ليعود بنا من حيث بدأنا تماما. والمثل الشعبي الذي يقول "يوديك البحر وير جع بك عطشانا" ينطبق على المجلس. وربما يقول التاريخ ان المجلس فشل فشلا ذريعا في ادارة المرحلة الانتقالية ولكن التاريخ سيتوقف طويلا امام تلاعب المجلس بشعب بأكمله على مدى عام ونصف والعودة به الى نفس النقطة التي انطلق منها.

سيرة المجلس معنا تذكرني بحادث ماساوي من الحوادث المتكررة في عهد مبارك وقع منذ  ثلاثة اعوام او نحوها، فقد توقف قارب من قوارب الهجرة غير الشرعية كان محملا بالمصريين المساكين الساعين الى الهجرة الى الغرب على جزيرة صغيرة بعد ان انطلق من الاسكندرية باربع وعشرين ساعة. وأمر الركاب بان يهبطوا على الجزيرة "الايطالية" ولما لمس منهم المسؤولون عن القارب تباطؤا عالجوهم بالكرابيك حتى هبط الجميع وانطلق القارب. وخاض المساكين في الماء حتى وصلوا الى الشاطيء ودهشوا ان اول من التقوا به يتحدث العربية وسألوه عن هذا المكان الذي هبطوا فيه فكان احد مناطق الاسكندرية.

دعونا، مثل اولئك المساكين الذين غرر بهم، نعبر تلك المخاضة الصغيرة قانعين من الغنيمة بالاياب.

أين (تلبد) هذا المساء؟





المشير طنطاوي رجل مؤمن بالثورة ومجلسه العسكري لا يقل عنه ايمانا بها. وكل يوم يفاجئنا الرجل بقرار تنتابنا من اثره صدمة قوية ولكننا لا نلبث ان نتبين صواب القرار وعقلانيته وانه في النهاية يصب في مصلحة نهر الثورة المتدفق الرقراق، فتزداد قناعتنا يوما بعد يوم بمدى تفاني الرجل في خدمة الثورة حتى اننا بتنا لا نشك في ان الرئيس مبارك اوصاه بالثورة خيرا.

واخر الابداعات التي خرج علينا بها المجلس العسكري في مجال خدمته للثورة هو مصادقة وزير العدل (الذي اسمع اسمه للمرة الأولى) على قانون يمنح حق الضبطية القضائية للشرطة العسكرية والمخابرات العسكرية. انا لن اتحدث عن القانون الذي صدر في ظروف غريبة ومريبة وربما يشي بان وراء الاكمة ما ورائها، ولكن على أي حال فنحن لسنا طرفا في خطط المجلس العسكري فقد بلغ من بعد النظر وحسن النية ونفاذ البصيرة في ادارة شؤون الامة منذ القينا بالثورة على كاهله، ما يجعلنا نطمئن الى ان القرار في النهاية لن يخدم سوى الثورة واذا كان أي منا لديه شكوك فليصبر قليلا.
البوكس التقليدي راحت عليه

انا لست معنيا بالقرار وان كنت ارى انه يتماشى تماما مع خطة المجلس السديدة في حماية الثورة وكبح جماح خصومها، ولكني معني بتداعياته على المواطنين. القرار ببساطة يعني ان نحو ربع سكان المحروسة (وهم من اعداء الثورة الالداء) يمكن ان يكونوا معرضين للاعتقال بسبب او بدون سبب وفي اي وقت. وبدلا من ان يسأل المرء نفسه السؤال المعتاد : اين تذهب هذا المساء؟ سيكون سؤاله : اين تلبد هذه الليلة؟. هل يعيد الينا القانون ذكريات زوار الفجر وصور المطاردات الامنية من زمن سحيق يبدو اننا نسيناه او نحاول ان نتناساه؟. لا احد يدري.

ولكن من المؤكد انه ككل شيء في مصر سيكون هناك بعض المحظوظين وبعض التعساء من جراء تنفيذ هذا القانون. اما المحظوظون فهم اولئك الذين تتعدد لديهم الاماكن التي يمكن ان يلبدوا فيها مثل الرجل المتزوج مثلا من اربع نساء يعشن في احياء مختلفة، حيث يقضي لياليه متنقلا بينهن بحكم الضرورة الامنية وليست الشرعية. وربما يكون الشخص محظوظا اكثر لو كانت زيجة من هاته او زيجتين تمت في الجانب العرفي بحيث لا يعرفها احد سوى القلة.

واذا كان اسم الشخص مدرجا في قوائم المطلوبين امنيا قبل الثورة فقد احترقت ملفات مباحث امن الدولة وتاهت العناوين وربما لا تستطيع الاجهزة الامنية (التي ستبدي كلها تعاونا بناء في هذه الحالة) بعد عناء الا الوصول الى عنوان واحد له. ولكن في العادة الامر لا يخلو من المفاجئات فقد تكون نفس الملفات موجودة في اماكن اخرى او الاسماء تم وضعها على اسطوانة صغيرة يسهل الرجوع اليها.

في الريف في العادة تكون الاعتقالات اصعب لان المطارد يمكن ان ينطلق في الحقول ولكن للاسف فموسم الاذرة (وهو المحصول الذي يوفر فرصة الاختفاء المثالي قد انتهي). غير ان الريف يظل اكثر رحابة من المدينة بما فيها من اكتظاظ واليات متابعة واجهزة مراقبة وما اليه.
لحماية الشعب وايضا اعتقاله عند اللزوم

المفارقة الكوميدية الموجعة في الموضوع هو ان ذلك يحدث بعد ثورة كان احد اهدافها القضاء على هذا الجانب المظلم من الحياة المصرية..جانب الاعتقالات والسجون وما اليها من مظاهر الدولة البوليسية الفجة.

غير ان هناك تغييرا لا يمكن ان ينكره الا جاحد. فبدلا من ان تعتقل على يد ضابط شرطة وامين شرطة وجندي امن مركزي ربما لفتوا انتباه الشارع كله، سيعتقلك ضابط من الجيش وصف ضابط او صول وعسكري مجند يرتدون البيريه الاحمر وتبدو زيارتهم لك كما لو كانت مرور من اقارب على قريب لهم. وبدلا من ان توضع في البوكس ستوضع في سيارة جيب صغيرة، وبدلا من ان تدخل القسم ستدخل السجن الحربي وقد تكون محظوظا وتقيم في الجناح الذي اقامت فيه شخصية تاريخية ممن كانوا من نزلاء هذا السجن العتيد. وبدلا من ان تمثل امام قاض مدني فقد تمثل امام قاض عسكري يؤمن بضرورة استئصال اعداء الثورة كما اوصاه المشير. وربما تكون من الكبار الذين لا يكتفى بارسال سيارة جيب صغيرة اليهم بل رتل من المصفحات وهو ما سيرفع اسهمك في المنطقة بصورة تمكنك من خوض الانتخابات البرلمانية في المرة القادمة. اما اذا كنت شخصية هامة جدا فقد تحلق طائرة هليكوبتر فوق منزلك الى ان تحتل موقعك في المصفحة. ولكنك في كل الاحوال ستشعر ان هناك فرقا بين اعتقال الشرطة واعتقال الشرطة العسكرية بدءا من وضع الاساور في يديك الى ان يملوا استضافتك فيلقوا بك على احدى بواباتهم.

انها تجربة ولا شك جديدة ومثيرة نتمنى ان تتعاون جميع الاطراف لكي تتم بنجاح ونترك نتائجها للاجيال القادمة، التي تشير الاوضاع، الى انها قد لا تعيش ظروفا افضل منا بكثير. 

الأربعاء، يونيو 13، 2012

هل يعود نظام مبارك غدا؟




غدا صباحا تصدر المحكمة الدستورية العليا حكمين هامين للغاية. اما الحكم الاول والاهم فيتعلق بتطبيق قانون العزل على المرشح احمد شفيق وهو طبعا الحكم الاخطر والاهم بين الحكمين اللذين يتعلق الثاني منهما بحل مجلس الشعب. وهذا الحكم الاخير ربما كان مصدر قلق للاخوان ولكن حكم شفيق يمثل مصدر قلق وانشغال لكل المصريين. ولو تم عزل شفيق فالسيناريو الارحج ان تتم اعادة الانتخابات بين الجميع ما عداه. اما لو  ابقى قرار المحكمة عليه داخل السابق فمن المرجح ان يفوز على مرسى ويتولى السلطة في اطار ترتيبات معينة جرى الاعداد لها سلفا. وبذلك يكون نظام مبارك قد عاد الى قواعده سالما بعد جولة قصيرة خارج السلطة لم تتجاوز عاما ونصف العام وهو ما يفوق بكثير توقعات اكثر المحللين تشاؤما لان نظام مبارك لو كان قد خرج من السلطة بانتخابات، لما تمكن من العودة اليها قبل اربع سنوات على الاقل اما ان يعود اليها بعد عام ونصف فقط من ثورة استهدفت الاطاحة به فهو الامر الغريب حقا. ولكن ربما كان هذا هو المقصود من الهبوط الآمن. 






ونيس ونسرين ومحنة المرأة في مجتمع متخلف




منذ ايام حملت الينا وسائل الاعلام خبرا عن حكم قبلي صدر باعدام اربع باكستانيات كن يغنين في فيديو ظهر فيه شابان من قبيلة اخرى. وصدر الحكم بالاعدام على الجميع ولكن الشابين تمكنا من الهرب من القرية وابلغا السلطات ان النساء نحرن نحرا. وبنفس الصورة البغيضة والغبية تم نحر الفتاة المسكينة التي قيل انها كانت مع نائب حزب النور السلفي في سيارته ولكن ليس بحكم قبلي بل بحكم صحفي.

على أي حال فالاوضاع في باكستان كانت اكثر تحضرا فقد ثارت جماعات حقوق الانسان كلها وطالبت بالغاء هذه الاحكام القبلية الجائرة والغبية.

في مصر كانت الصورة مختلفة وسط صراع سياسي بين اطراف في معركة مازال اوارها محتدما واعلام دنيء لا يتورع عن أي شيء في سبيل ما يعتقد انه سبق صحفي. لقد اعتبرت الصحف المتداعية الامر سبقا صحفيا وتبارت في نشر الاحرف الاولى ثم الاسماء الكاملة ثم اسم العائلة والقرية بل وخصصت لها مساحات على الصفحات الاولى وكأنها حادث هام سيؤثر على مصير البلد في ظروف تاريخية اقل ما يقال فيها انها صعبة للغاية. لاكت كل الصحف تقريبا سيرة الفتاة بل وفتيات اخر وتعرض الجميع لنوع من المعاملة التشهيرية لا يمكن ابدا ان تحدث في مجتمع شبه متحضر. واصبح الامر اشبه الى حد كبير بفضائح صحف التابلويد البريطانية التي تسعى الى الاثارة بأي ثمن وان لم يتوفر في الحالة المصرية حتى الضمانات التي يوفرها القانون البريطاني لامثال هؤلاء الضحايا. لم يحفل احد بتذكر محنة الفتاة التي كانت ضحية هذه الكارثة وحتى فتيات اخر لمجرد انهن يحملن اسمها الاول.

بعيدا عن انعدام الموضوعية في التناول الاعلامي للقضية والذي يمكن ان يدفع اهلها في بيئة ريفية محافظة الى قتلها،  ففي مجتمع مازال قبليا وان يكن بصورة مختلفة عن المجتمع الباكستاني لنا ان نتساءل: هل لو كانت هذه الفتاة هي ابنة احد الكبار الصغار في البلد هل كان سيحدث لها ذلك وتعامل بهذه الطريقة؟. 

اين منظمات حقوق الانسان والدفاع عن المرأة مما تعرضت له هذه الفتاة وسمياتها في القرية؟. اليس من حق هذه الفتاة حماية سمعتها وخصوصيتها الى ان يفصل القضاء في الموضوع. وحتى لو ثبتت ادانتها هل المنطقي في مجتمع ريفي يهتم اهتماما كبيرا بقضايا الشرف ان يشهر باسمها على هذا النحو؟.

انها ليست حكاية من حكايات التاريخ ولا التراث التي حملتها الينا الكتب بل هي حكاية الضعف البشري المعتادة مقترنا بالغباء وسوء السلوك. وفي جو من العفن المسموم الذي يكتنفه الصراع السياسي بعد الثورة كان هناك سقوط ابشع للقيم والتضحية بالاخرين بصورة لاتراعي على الاطلاق ان الضحايا بشر من لحم ودم يعيشون بيننا.

ما حدث في قضية ونيس ونسرين يشير بصراحة الى ان مبارك ونظامه كان يمثلان بالنسبة لهذا المجتمع شيئا اشبه بالغطاء الحديدي المحكم لمجرور الصرف الصحي الذي مرت عليه شاحنة ضخمة فحولته الى حطام وهنا انطلق من اسفله كل النتن والعفن والافاعي والحشرات التي ما كان احد يتخيل انها موجودة وكامنة تحت هذه الغطاء. وهل يبيح الصراع السياسي غير الشريف بالمرة التضحة بكل شيء على هذا النحو؟.

ونيس ليس هو العضو الاول في حزب النور السلفي الذي يثر هذه الضجة في حزب ناشيء لم يمارس السياسة من قبل. والغريب ان الحزب يعد حذرا ومتيقظا في سياساته تحت القبة البرلمانية وبالغ المحافظة في الصورة التي يعكسها اعلاميا ولكنه لا يمكن ان يسيطر على سلوكيات اعضائه الذين لا يجمع بينهم ربما أي نوع من التقارب الاجتماعي او الفكري اكثر منها قشرة ايديولوجية قائمة في ابرز جوانبها على المظهر المتمثل في طول اللحية.

وجريمة البلكيمي ربما كانت اخطر من مأزق ونيس لو نظرنا الى الأمور بقدر من التدقيق ولكن البلكيمي فصل من حزب النور. ومازالت تداعيات قضية ونيس تمر بمراحلها المعتادة من النيابة الى البرلمان وسط ضجيج كبير. وليس من المنطقي طبعا ان نعتبر ان كل ما تقوم به الشرطة هو من قبيل التلفيق المتعمد ولا ان نتهم الشرطة بانها ضالعة في حملة مقصودة لتشويه التيار السلفي لسبب بسيط جدا هو ان التكنولوجيا الحديثة اتاحت لنا اشياء ربما لا تقول للناس الحقيقة بصورة مباشرة ولكننا يمكن ان نستخدمها مع عقولنا في الوصول الى الحقيقة.

اما فيما يتعلق بالتداعيات السياسية المحتملة التي يروج لها البعض فهي وهم فالقضية لا تمس التيار السلفي ولا تمس العمل الحزبي ولا البرلماني ولن تغير الاوضاع السياسية في مصر كما لم تغير انف البلكيمي مسار التاريخ لان القضيتين في النهاية تتعلقان بالسلوكيات الشخصية وفي جانب شخصي جدا لا يتعلق بالمصالح العامة وانما بفساد السلوك والخيبة الثقيلة والتناقض الصارخ.

في مجتمع محافظ يحرص في الظاهر على السلوك القويم والعفة الكاذبة تكتسب الجرائم المرتبطة بالجنس حجما هائلا لما تثيره في اخيلة الناس وما يمثله ذلك من تعد جسيم على القيم السائدة. وفي مجتمع لم يعرف الحرية في أي صورة من صورها من قبل يتعين ان تكون هناك ضوابط للنشر في هذه الامور. نحن بصراحة في بداية معرفة حرية الصحافة كما ان الممارسات القانونية لدينا لا يمكن ان نركن اليها في معالجة الكثير من القضايا. ولذا يجب ان توضع ضوابط صارمة تعاقب بالسجن والغرامة على جرائم التشهير بالضعفاء على هذا النحو. حرية الصحافة ليست مطلقة حتى في اكثر الدول ديمقراطية. 


الثلاثاء، يونيو 12، 2012

محادثة قبل منتصف الليل





ص : مساء الخير يا ف.

ف  : مساء الخير يا افندم..اهلا وسهلا..خير ان شاء الله؟

ص : مالك مفزوع كدا..انت كنت نايم و لا مكالمتي خضتك ولا ايه؟.

ف : بصراحة آه...مكالمة سعادتك خضتني شوية...بس انا سعيد رغم ذلك ان اسمع صوت سعادتك..لكن طلب سعادتك ليا في الساعة دي هو الى مخليني متاخد.

ص : ليه؟.

ف  : انت عارف يا افندم الايام دي حساسة وصعبة جدا.

ص : حاول تاخد الامور ببساطة...take it easy

ف  : انا يا افندم طالما سعادتك واقف جنبي انا مطمن ومرتاح.

ص : طبعا..لازم تعرف ان انا واقف جنبك..مش انا لوحدي..كلنا في الحقيقة واقفين جنبك..ومش الاعضاء بس...لا دي البلد كلها.

ف : انا متشكر جدا يا افندم..دا الى مخليني مطمن.

ص : بس يعني انا كنت...

ف : خير يا افندم...

ص : مالك قلقان كدا...اديني فرصة اتكلم ما تلاحقشي عليا

ف : لا يا افندم انا لا قلقان ولا حاجة..طالما انت طمنتني.

ص : بس يعني انا عندي لك خبر يمكن يكون مش ولا بد..

ف  : خير يا افندم...خير ان شاء الله.

ص : شوف يا ف..انا ما عنديش وقت اخش في تفاصيل كتيرة…لكن انت احتمال ما تدخلشي امتحان الدور التاني..

ف  : ليه يا افندم..انا غلطت في حاجة ولا عملت حاجة غلط ولا الناس بتوعي قالوا حاجة مزعلة سيادتك.

ص : لا..لا..الموضوع غير كدا خالص..شوف يا ف...احنا عندنا تقارير مش كويسة ان البلد مش ها تستقر لو ما منعناكشي من دخول الدور الثاني..وبالذات لو انت نجحت ممكن يبقى الامور صعبة...

ف : بس يا افندم دا الامتحانات خلاص على وشك...وبعد كل الاستعدادات دي.

ص : يا سيدي لكل مجتهد نصيب…والامتحانات الجاية كتير.

ف  : يا افندم احنا ما عادشي في العمر كتير علشان نذاكر تاني.

ص : انت لسا شباب يا راجل…طيب دا لو الكبير قالوا لو تعال امتحن ها يسيب السرير وييجي جري.

ف :  يعني لو سعادتك كنت اديتني رينج قبل كدا..على الاقل كنت مسكت ايدي شوية في المصاريف.

ص : يا ف بطل تهريج..ما احنا عارفين مين الى بيصرف على الحملة...وبعدين يا سيدي لو كنت انت صرفت وانضلعت ما فيش مشكلة احنا ممكن نعوضك..ماتحملش هم الفلوس خالص.

ف : يا افندم انا مش هاممني الفلوس..انا هاممني البلد ووضعها ومستقبلنا كلنا.

ص : يعني انت عاوز تقول ان احنا ما يهمناش مستقبل البلد دي وانت لوحدك الى مهتم بيها؟.

ف : لا..العفو يا افندم..انا ما اقصدشي كدا خالص.

ص : على أي حال انا عاوز اطمنك ان الموضوع لسا ما اتحسمشي..احنا لسا ها نجتمع ونقرر..لكن انا بس حبيت اقولك علشان ما تبقاش مفاجئة بالنسبة لك لو طلع القرار انك ما تخشش امتحان الدور التاني.

ف : بس انا يا فندم انا ذاكرت كل المناهج وهضمتها كويس ومستعد للامتحان النهاردة قبل بكرة.

ص : ياسيدي لو ما دخلتش الدور دا ادامك اربع سنين كمان تكون هضمتها اكتر وتجيب مجموع اعلى يدخلك طب ولا حاجة (يضحك).

ف : بس يا افندم انا كان عندي امل كبير..وكنت باعتمد على دعم سعادتك في الامر دا.

ص : انا دعمي زي ما هو ودعمنا كلنا لكن احنا لسا ما قررناش..الموضوع عاوز دراسة متأنية..الوضع صعب ولازم نكون حذرين ونخلي المصلحة العامة قبل مصالحنا الشخصية..صح؟

ف : طبعا...طبعا يا افندم..ما فيش حد يقدر يقول غير كدا خالص...لكن يا افندم انا كان عندي امل كبير ان سعادتك تذلل لي كل الصعاب دي بحيث ان انا اكمل....

ص : خلي بالك مش انا لوحدي الى باقرر الامور دي..احنا بنقعد كلنا ونتكلم ونناقش ونوصل لرأي في النهاية.

ف : يا افندم بس انت ما حدش يقدر يكسر لك كلام...

ص : لا..لا..خلي بالك الاسلوب دا ما بقاش يمشي الايام دي...لازم كله يناقش ولازم انا حتى ورقم 2 نحترم رأي الأغلبية...صحيح احنا ما بنعملشي تصويت على القرارات لكن بنراعي رأي الاغلبية (ضاحكا) دي بقى واحدة من النتايج السيئة بتاعة الثورة.

ف : ثورة ايه يا افندم..انا اخر واحد ممكن اصدق ان سعادتك تقتنع ان دي ثورة..معقول سعادتك مصدق ان دي ثورة برضه..وبعدين الكبير يا افندم ممكن حالته تسوء لو سمع الكلام دا.

ص : الكبير راح وراحت ايامه..احنا دلوقتي بندور على نفسنا.

ف : ما تنساش ان احنا كلنا في قارب واحد..والكبير معانا.

ص : الكبير ربنا يكون في عونه...خاد قارب لوحده ومشي في طريقه..يعني بصراحة التيار جرفه بعيد..ما تنساش ان هو الى اختار دا بنفسه.

ف : بس انا كان عشمي ان انا اساعده لو نجحت في امتحانات الدور التاني...وكنت كمان...

ص : احنا كلنا عاوزين نساعده...مش اقل منك..لكن لو محاولة مساعدته ها تضيعنا وتودينا هناك معاه..ومش ها تفيده ولا تفيدنا في النهاية..يبقى بلاها المساعدة دي...صح ولا لأ.

ف : طبعا صح يا افندم...بس احنا كدا يعني يا افندم ها نسيبه يواجه مصيره؟.

ص : للاسف دي حتمية تاريخية ما نقدرش نغيرها.

ف : يا افندم ان كان عندي خطة بعد ما انجح..ان انا اعمل مصالحة على نطاق واسع..بحيث نحل كل المشاكل...حتى المشاكل مع المستثمرين...انا مجهز من دلوقتي خطة مصالحة كبيرة للبلد كلها.

ص : خليك ماشي في خططك زي ما انت...واحنا بندرس كل حاجة وما نعرفش ايه القرار...لكن عاوز اطمنك ان وضعك آمن..سواء دخلت الامتحان او الظروف خلتنا نأجل امتحانك..

ف : الى سعادتك تشوفه يا افندم..انا من ايدك دي لايدك دي.

ص : انا ها ابلغك بالقرار خلال اقل من 24 ساعة..بس عاوزك تخف شوية نبرتك ان احنا لازم نحترم الناجح ونقبل بيه وان الجيش ها ندعم الشرعية...والكلام الى من النوع دا…

ف : انا اسف يا افندم..مش فاهم ايه الغلط في الكلام دا.

ص : لا مفيش غلط ولا حاجة بس الناس بتاخد الكلام دا على محمل سيء...بيقولوا ان نتيجة امتحانك موجودة عندنا في الكنترول بالفعل وانك بتتصرف على الاساس دا.

ف : لا يا افندم..انا ما اقصدش اطلاقا ان المح لتطمينات سعادتك لي..انا باتكلم بتلقائية وبطريقة عفوية جدا...(ضاحكا) دا حتى العيال بيقولوا على الانترنت ان انا محشش او سكران.

ص :  اتصرف بطريقة طبيعية وتلقائية جدا لحد ما يجيلك القرار وانا الى ها ابلغك بنفسي.

ف : انا متشكر جدا ايا افندم..ومش عارف اقول لسعادتك ايه.

ص : قول لي تصبح على خير.

ف   : تصبح على خير يا افندم.

ص  : وانت من اهله.

      

ان فاتك رضا الاخشيد لن يفوتك رضا كافور


حرب


بعد ان تضع الحرب اوزارها ويجمع المقاتلون اشلاء الجنود من موقع القتال ليواروها الثرى ويترحموا على شهدائهم يعود العقل الى مكانه المهيمن ويطرح سؤاله الكبير والملح؟ هل كان ثمة ضرورة لهذه المعركة؟ ألم يكن من الممكن حل الامر بصورة اخرى؟.

والسؤال الذي يطرحه المصريون على انفسهم هذه الايام هو : هل كان هناك وسيلة لتجنب هذا الدم الذي اريق وهذه الخسائر المادية والخسائر في الارواح؟. هذا بعد ان خرجنا من الثورة ونحن لا نحمل في يدينا سوى قبض الريح او في افضل الاحوال عدنا منها وبيدنا خفي حنين: هل كان يمكن حل المعضلة بصورة اخرى؟.

ليس معنى ذلك ان الثورة لم تكن ضرورة او انها كانت رفاهية زائدة عن الحاجة، بل كانت الثورة امرا حتميا وقاطعا ونهائيا ولا رجعة عنه، بل الرأي الصائب انها جاءت متأخرة للغاية. ولكن الم يكن من الممكن ان تسير الثورة في غير تلك الدروب الزلقة الطافحة بالمجاري والنتن لتصل الى نهاية طيبة كما توقع عموم الشعب المصري بزوال النظام البشع؟.

الثورة بدأت سلمية – رغم عدد القتلى والجرحى - واطاحت بالنظام. ولكن بعد ذلك تكاثر عليها كل شياطين الجن والانس ليدمروها وينسفوها ويحولوها من حلم جميل الى كابوس مريع لا نكاد نفيق من احدى نوباته الا وندخل الى الاخرى حتى اصبحت عودة الاوضاع الى ماكانت عليه في عهد النظام البشع هي اقصىى احلام الكثيرين منا. وفي هذه المرحلة التاريخية النادرة قدمت لنا الاليات الشيطانية التي هيمنت على الثورة بعد انطلاقتها الاولى الناجحة طاقة من النور الباهت متمثلة في عودة النظام السابق بكل ما يحمله لنا من امن زائف واستقرار اشبه باستقرار المواشي في الحظائر. وخيار اخر مخيف لجماعة الاخوان المغلقة وايديولوجيتها غير المجربة في الحكم والمجهولة لنا على السواء.

اذا اخترنا الاخوان فاننا نختار مستقبلا لا نعرفه ولم نجربه قد ينطوي على الخير وقد ينطوي على خلاف ذلك ولكنه في الواقع مستقبل مجهول بالنسبة لنا لم يسبق لنا ان اختبرنا حناياه ولا عرفنا اركانه ولا جسنا في دهاليزه المظلمة.

هناك على الجانب الاخر نظام مبارك بكل ما يمثله من قذارة وفساد وعفن، خبرناه وعرفناه جيدا على مدى 30 عاما وهو بدون مبالغة من اقذر واحط وألعن ما عرف من النظم السياسة في القرن العشرين والحادي والعشرين.
ألم يكن من الممكن ان نكون الان في وضع افضل؟ الا يستحق الشعب المصري مصيرا افضل بعد كل ما عاشه وما عاناه من شظف العيش وما تحمله من الالام والاوجاع منذ ثورة 1952 بل وطوال تاريخه؟.

ما يدهشني حقا هو ذلك العدد الكبير من المؤيدين لعودة نظام مبارك نكاية في الاخوان. هل كان نظام مبارك نظاما مدنيا مثلا؟. ان نظام مبارك هو من اغرب النظم وربما يلخصه توصيف الدولة العسكرية البوليسية في ابشع صورها. انه لم يكن ابدا نظاما مدنيا. انه النظام الذي عمل بصورة منهجية على افقار الشعب المصري واذلاله على مدى ثلاثة عقود كاملة.

البعض يبدو انهم ادركوا ان شفيق قادم لا محالة وادركوا المحاذير على قيام ما يسمى بالدولة المدنية على شواطيء المتوسط وان كل قوى العفن ستعمل على الحيلولة دون قدوم مرشح الاخوان الى السلطة، فبدأوا يقلبون عيشهم في ارجاء نظام مبارك القديم الجديد باعلانهم بوقاحة متناهية انهم يدعمون احمد شفيق مرشح نظام مبارك.
المصالح الشخصية الضيقة والفوائد الانية هي غالبا العامل الرئيسي والاساسي الذي يحرك الامور في مصر سواء بين الافراد او الجماعات ولكن اين احزان اسر الشهداء واين الامهم في هذا الموقف عندما يرون النظام الذي خسروا من اجله فلذات اكبادهم يعود بعد عام ونصف الى السلطة مرتكزا على قواعد امنية قوية؟.

انها ولا شك فرصة لاولئك الذين كانوا يدورون حول النظام القديم في محاولة للحصول على أي مغنم منه دون ان يعيرهم النظام أي اهتمام اما لان لديه من هم افضل منهم ليقوموا بنفس الدور - وكانوا على الدوام كثر ويعرضون انفسهم بشتى السبل - او لانه يشك في ولائهم الكامل. البعض منهم بدأ الان يعيد تقديم اوراقه طالبا خدمة النظام الجديد القديم في عهده الاتي بعد ان فاته نيل الرضا في عهده الماضي.

نظام مبارك على مدى ثلاثة عقود كرس لدينا مبدأ الخلاص الذاتي الذي بدأه السادات بسياسة الانفتاح المنفلتة من كل عقال. واصبح كل مصري يقول "انا ومن بعدي الطوفان". وقد شهد عهد مبارك استفادة عدد هائل من التافهين والخمل والهمل من علاقتهم بالنظام فشغلوا مناصب وراكموا ثروات ضخمة بسبل غير مشروعة ما كان يمكن ان يحصلوا على النزر اليسير منها بمواهبهم وقدراتهم الذاتية المحدودة. ولا شك ان النظام عندما يعود سيرجع الى سالف عهده في ضخ المنافع والفوائد لمشايعيه. ومن هنا كان التكالب على دعم نظام مبارك القادم من قبل بعض افراد النخبة. والا فما معنى ان يعلن اسامة  الغزالي حرب دعمه للفريق شفيق؟. الرجل ارتبط يوما ما بنظام مبارك ولكن النظام لم يقدره او لم يضعه في المكان الذي كان يحلم به فخرج عليه متذمرا ولكن الان اتيحت له الفرصة ثانية وغاب بعض افراد النظام الذين ربما اوصدوا الباب دونه في العهد السابق مما يحيي اماله في نيل الرضا هذه المرة.

الأحد، يونيو 10، 2012

توفيق عكاشة ايقونة الاعلام المصري




عكاشة يقبل يد الشريف


توفيق عكاشة الذي نسخر منه كان في عهد مبارك يشيد به ليلا ونهارا ويقبل يد حثالات نظامه وعندما ترك الرجل السلطة مرغما نعته بنعوت اقل ما توصف به انها غاية في البذاءة ولا يمكن ان تخرج من فم شخص محترم. وهو الان يدافع عن المجلس العسكري وله فصيل "اولاد عكاشة" ينزل الى العباسية باسمه وبلغت قوة عكاشة وتأثيره في الرأي العام المصري انه اصبح يدعو لمليونيات مثل مليونية قصر كوبري القبة التي دعا اليها منذ نحو شهر. وهو يدعم الان احمد شفيق مرشح الرئاسة عن نظام مبارك وقيل لي ان القناة الخاصة به التي يطلق عليها الشباب على سبيل التندر والفكاهة قناة "المواعين" تبث اغان لشفيق واغان ضد محمد مرسي اقل ما يقال فيها انها منحطة مثل القناة التي تبثها. ولكن ماذا لو حدث ونجح مرسي؟. من المؤكد ان عكاشة سيطيل لحيته ويسير في الشارع وهو يحمل صندوق تبرعات لاي جامع قريب منه ويسمي قناته "قناة النهضة".

عكاشة ربما يكون ايقونة الاعلام المصري وهو اعلام لا تجد فيه أي شيء محترم بالمرة، وكل شيء فيه قابل للبيع والشراء بمنطق السوق، وهناك خلط بين مفهوم السبق الصحفي وعدم احترام قيم المجتمع والتشيع الفج لمرشح معين...الخ. ولكن الشيء المخيف حقا ان تتداعى المباديء الاخلاقية بالنسبة حتى للافراد ولا يصبح النظر اليها ممكنا الا من فجوة المصالح القبلية والشللية والذاتية. ولكن هذا للاسف هو ما يحدث الان ونحن لا نرى عكاشة النائم بداخل كل منا لاننا ننكره ونرفض الاعتراف به ولكنه موجود هناك ينتظر دعوة بسيطة لكي يخرج ويعلن عن نفسه بسفور ودونما خجل.

لي زميل سابق منذ ايام وهو يملأ الدنيا ضجيجا وصياحا بسبب قيام مسؤول في مؤسسة اعلامية بفصل صديق له من المؤسسة التي يعمل بها. عندما قرأت البيانات المتشنجة لزميلي ودعوته الى وقفة وموقف وانتفاضة وربما حتى ثورة لم اصدق ورحت ادقق مرة بعد اخرى لكي اتأكد مما اراه. من لم يعرف زميلي الثائر ولا شك سينحني له احتراما واجلالا. ولكن لاني اعرف الرجل فقد اندهشت وتساءلت: اين كانت هذه الثورية منذ زمن؟. ولماذا تغاضيت عما يحدث على بعد امتار منك – بل في عقر مؤسستك - وتدافع عن شيء حدث على بعد كيلومترات ولم تأتك منه سوى الاصداء؟. لا شك اننا نرفض فصل أي صحفي خاصة انك اذا نظرت الى مصر من اعلى سلطة فيها الى ادناها ستجد المثل الذي يقول "لا يجلس على المزود الا شر البقر" صحيحا تماما، وربما كان الامر اكثر انطباقا في المؤسسات الاعلامية اكثر من أي مكان اخر.

زميلي العزيز انا عملت معه لفترة طويلة في مكان واحد. ومن نافلة القول ان اعترف بانه مكان من افسد الاماكن التي يمكن ان تتخيلها. واذكر انني دخلت معه في نقاش حول فساد المؤسسة التي نعمل بها انا وهو فقال لي وهو يهز رأسه في عدم رضا :الفساد هنا ليس بشعا كما تصفه بل هناك اماكن في الخارج افسد من هنا بكثير. رئيس التحرير في المكان اياه بمجرد ان تولي منصبه طلب من المسؤولين ان يصعدوا زوجته لمنصبه الذي كان يشغله قبل تولي رئاسة التحرير مقابل قيامه بدور السائق الشخصي لضيوف المؤسسة القادمين من الخارج وحمل حقائبهم والسهر على راحتهم في الفنادق وما اليه رغم وجود سائق وموظفين اخرين مكلفين بهذه المهام رسميا. طبعا كان الكل متذمرا وغاضبا وثائرا ولكنها ثورة داخلية كما هي عادة المصريين في هذه الحالات.

سيدة اخرى مثل زوجة أخينا تعمل في المكان منذ سنوات بكت لكي تحصل على عقد يضمن لها الحصول على معاش ولكنهم كانوا يحتجون بان مستواها لا يسمح بعد. وحصلت السيدة على العقد بعد ان بكت رغم ان البكاء لم يساعد في تحسين مستواها ولكن بكائها اقنع المرضى النفسيين المسيطرين على المكان بانها ضعيفة وهشة ازاء جبروتهم وسطوتهم. ومن الشروط الاساسية لكي تنال عقدا في هذا المكان ان تبدي اشد درجات الانكسار و/او التملق ازاء السادة المسيطرين وهي مجموعة عجيبة من المومياوات لا يعرف احد خارج المكان ان التاريخ نسيها في هذا السرداب ولم يفلح كل علماء المصريات في الوصول اليها حتى تاريخنا هذا.

اما زميلي السابق الثائر فقد شهد في هذا المكان حالات كثيرة من الفصل التعسفي والظلم الذي لم يكن يخطر على بال ولكني لم اسمع منه أي احتجاج صغير او حتى امتعاضة او تكشيرة يمكن ان تجعلني اطمئن اليه في ثورته الحالية. وثورة زميلي لفصل صاحبه تعود الى انه اساسا ليس متضررا من ثورته على من فصلوا صديقه لانه في المقام الاول وقبل كل شيء لا يعمل في نفس المكان ومن ثم فان الثورة هنا لن تعود عليه بأي اضرار. وانا يمكنني ان اخمن جيدا ما الذي كان سيحدث لهذا الصديق المفصول نفسه لو كان زميلي يعمل معه في نفس المؤسسة؟. من المفهوم طبعا في هذا الحالة ان ثورة زميلي كان سيتم قمعها بداخله والسيطرة عليها ولن يتبدى حتى على ملامحه أي خيال للامتعاض او السخط بل ربما بارك هذا التحرك امام رئيس التحرير باعتباره التحرك الصائب الوحيد في تاريخ المؤسسة وإيذانا بتطهيرها من الرجس، واكتفى بتشييع صديقه الى باب المؤسسة بامتعاضة شديدة ودعاه الى ان يحتسب ما وقع له عند الله.