الصفحات

الجمعة، يونيو 08، 2012

المستشار الزند وريب فان وينكل



الزند
الخصيري







ريب فان وينكل هو شخصية شهيرة في قصة تحمل نفس الاسم للكاتب الأمريكي واشنطن إيرفنج. ووينكل هو مواطن امريكي من اصل بريطاني هولندي يعش في قرية  جميلة اسفل جبال "كاتسكيل" في ولاية نيويورك. وهو رجل كسول ولكنه محبوب من القرية كلها ويعشق التجوال في البراري. وذات يوم وهو يتجول في البراري ومعه كلبه وسلاحه يلتقي باشخاص ينادونه باسمه فيجلس ليشرب معهم وفي الحال تأخذه سنة من النوم. وعندما يستيقظ يجد نفسه في ظروف غريبة فقد اصبح سلاحه قطعة من الصدأ كما طالت لحيته ولا يجد كلبه الذي اتي معه الى البراري. ويعود الى القرية حيث يكتشف وفاة زوجته كما يكتشف مصرع  اصدقائه في الحرب. ويدخل في متاعب عندما يعلن ولائه للملك هنري الثالث غير مدرك ان الثورة الامريكية قد قامت وان صورة جورج واشنطن في نزل القرية حلت محل صورة الملك هنري. ويدرك انه غاب عن القرية نحو عشرين عاما وبعد ان يحكي حكايته لجيرانه من المستوطنين الهولنديين يتمنى الجميع لو كانوا قد عاشوا تجربته وناموا نوما هنيئا مثله خلال الايام الصعبة للثورة.         

تذكرت القصة عندما قرأت تفاصيل المؤتمر الصحفي للمستشار احمد لزند الذي اعلن ان القضاء استيقظ وسيطالب بحقه بعد اكثر من 30 عاما من النوم الهنيء في احضان نظام مبارك. والفارق الوحيد طبعا بين تجربة ريب فان وينكل والقضاء هو ان وينكل نام 20 عاما فقط ولكنهما يتشابها في ان الاثنين استيقظا بعد الثورة. وينكل بعد الثورة الامريكية والقضاء المصري بعد ثورة 25 يناير 2011 في مصر.

ومسألة ابعاد القضاة عن الحياة السياسية على النحو الذي كان سائدا في عهد مبارك هو امر ولا شك ضار بالبلاد فالقضاة هم ضمير الامة وسدنة التشريع وميزان العدالة في المجتمع واذا اختل هذا الميزان اختل المجتمع كله.

غير ان المستشار الزند هو وزملائه القضاة هم الذين تنازلوا عن حقهم طواعية لنظام مبارك وتركوا له امر العبث بالقضاء وتوجيهه وتركوا للسلطة التنفيذية ان تتغول على السلطة التشريعية. وكلنا يذكر الهجوم الذي قامت الشرطة على نادي القضاء في الفجر في ابريل 2006 وسحل القاضي محمود عبداللطيف حمزة وشقيقه وكيل النيابة وما حدث من تعرض القضاة لمعاملة مهينة جدا وهي معاملة لا تليق اطلاقا بسمعة ولا صورة القضاء. ثم ان مبارك استاثر بفريق من القضاة ودأب على استخدامهم كأدوات ضد زملائهم وضد سلطة القضاء حتى جرد القضاء من كل شيء.

والمستشار الزند يذكر ولا شك عندما ذكر قاض شريف هو المستشار محمود الخضيري ان مجلس الشعب منبطح في اغسطس 2007 وهي حقيقة يعلم الجميع صحتها ولا يمكن ان يجادل فيها احد. ما الذي حدث؟ لقد اتهمه الدكتور فتحي سرور حمورابي مصر في عهد المخلوع بانه "يشتغل بالسياسة". ووسط عاصفة الهجوم على الرجل وعدم وجود أي مساندة اضطر الى الاعتذار عن شيء ما كان ينبغي ابدا ان يعتذر عنه.  وكان يتعين على القضاة ان ينهضوا كلهم في صوت واحد بدلا من ان يتركوا الرجل وحيدا امام هجوم سرور واذناب السلطة ويعلنوا باعلى اصواتهم ان الاشتغال بالسياسية هو من صميم عملهم. ان فكرة ان القضاة لا يجب ان يعملوا بالسياسة هي فكرة لم نسمع بها الا في مصر وفي عهد المخلوع.

لماذا صمت القضاء طوال عصر مبارك وتنازل عن الثلث الخاص به وقبل حتى بما هو اقل من العشر او عشر العشر؟ ولماذا استيقظ الان فقط واكتشف ان له الثلث في تحديد هوية مصر وتدبير امورها؟. وهل معنى ذلك انه كانت هناك حوافز تدفع القضاء لكي يستغنى عن الثلث الخاص به لمبارك وان هذه الحوافز مهددة بالفقدان مما يجعل هذا الثلث يذهب هباء دون مقابل ويجعل المطالبة به الان ضرورة؟.

اننا ياسيدي على استعداد ان نعطي للقضاء النصف وليس الثلث فحسب على ان يضطلع بدوره الصحيح والسليم وهو ما يستوجب ان يتنازل القضاة عن المغريات الصغيرة التي تعد غير مستحقة بالمرة ولا تحدث في أي بلد متحضر مثل تعيين ابناء القضاة في السلك القضائي وعدم مسايرة السلطة التنفيذية على حساب الشعب كله كما كان عليه الحال في عهد مبارك.

ليست هناك تعليقات: