الصفحات

السبت، يونيو 09، 2012

المجلس العسكري والمنطق الكتاكيتي


نابليون بونابرت


في الريف المصري عادة ما تترك الكتاكيت لتلهو في باحة المنزل طوال النهار وتلتقط الحبوب واي طعام على الارض. فإذا ارادت السيدة الريفية البسيطة ان تخرج من المنزل اثناء النهار تعمد الى وضعهم في العشة حتى لا يتعرضوا لاذى على يد العرس (جمع عرسة) والغربان. وترفع السيدة طرف ثوبها وتبدأ في تحريكه بطريقة معينة بحيث تدفعهم الى طريق العشة او القفص وكلما اقترب باب القفص زادت درجة الحصار على الكتاكيت بحيث لا يجدون مفرا من الدخول. وزيادة في الاحتياط وحتى لا يلفتوا بصياحهم الاعداء المتربصين تضع السيدة قطعة من القماش حول القفص فتعتقد الكتاكيت ان الليل قد حل وتخلد الى النوم.
شاه ايران

للاسف الشديد عاملنا المجلس العسكري منذ عام ونصف بنفس منطق هذه السيدة التي تريد ان تؤوي الكتاكيت وان كانت دوافع السيدة اكثر نبلا وشرفا من مقاصد المجلس الموقر. على مدى عام ونصف ارانا المجلس العسكري الاهوال بصورة تجعل المرء العاقل يتساءل: هل هولاء النفر المكون من 19 شخصا هم اكثر ابناء المحروسة ذكاء وعبقرية بحيث يضحكون على شعب مكون من نحو 90 مليون بينهم بعض الاشخاص الذين وهبهم الله قدرا من الفهم والمعرفة؟ ام انه منطق المماليك الذي لا يعمل حسابا للشعب باعتبارهم عبيد لا قيمة لهم؟.
مجلس العباقرة

منذ عام ونصف والمجلس العسكري يدفعنا كما تدفع السيدة الكتاكيت الى باب القفص. ولكن المجلس العسكري – وهو شيء يجب ان يذكر له – ادرك من خبراته في تربية الدواجن في مزارعه الكثيرة ومن تعامله معنا اننا ربما نتفوق – باعتبارنا من اشباه البشر – على الكتاكيت في الذكاء ولو قليلا، فعمد الى وضع قفصين امامنا. اما الرحلة من باحة الدار الى القفصين التي تخللتها كوارث لا حصر لها اودت بحياة الكثير من الكتاكيت فهي مصيبة ولا تشير ابدا الى ان هذا المجلس ينتمي الى مصر ولا يحب مصر ولا يحب ابنائها بل ربما كان المماليك اكثر رحمة منه بالشعب المصري. والغريب ان القفصين اللذين وضعهما المجلس امامنا ليسا من ذلك النوع الذي تضعه السيادة لحماية الكتاكيت بل هو مجرد اطار قفص وما ان يدلف منه كتكوت بشري حتى يختفي تماما.

المجلس العسكري يخيرنا اما قفص النظام القديم او قفص الاخوان ولا اقفاص هناك اخرى بالمرة وعلى الكتاكيت ان تختار. نفس اسلوب مبارك الذي كان يقول اما قفصي او قفص الاخوان. هنا ايضا قفص النظام وقفص الاخوان. ولكن مبارك كان يحدث العالم الخارجي لتخويفه من الاخوان. اما المجلس فيحدث الجميع نحن والعالم الخارجي اوروبا وامريكا والعالم اجمع بشفافية مطلقة باننا يمكننا ان نختار أي قفص نريده. هل رأيتم حرية اكثر من هذه؟. ولكن الم يكن هناك فرصة ان نضع قفصا ثالثا فربما كانت هناك بعض الكتاكيت التي لا يروقها لا هذا القفص ولا ذاك. المجلس العسكري قال لنا ان الاقفاص كلها شحنت الى جهة غير معلومة ولا مفر من الاختيار بين هذين القفصين.

المجلس العسكري هو نتاج الثقافة العامة المصرية التي تنظر الى المكسب القريب والسريع والمصالح الآنية وبنى كل تخطيطه منذ تفجر الثورة على هذا الاساس. المجلس العسكري لا يشغله كثيرا موقعه في التاريخ ولا الجغرافيا ولا يعبأ بصورته امام الاجيال.

واذا كان المجلس العسكري وضعنا امام القفصين وقال لنا انه لا مندوحة من الاختيار بين احدهما فليس علينا سوى ان نبحث عن القفص الذي لا يحبذه المجلس العسكري وندلف اليه بصمت لكي نرد له الصاع على الاقل بصاع.

انا لست من محبذي الاخوان ولكن المثل الشعبي المصري البسيط "ايه الى رماك على المر" ربما كان هو المثل الصحيح في هذه الحالة. ما معني ان تأتي ثورة بنفس النظام؟. الثورة الفرنسية لم تأت بنسل لويس السادس عشر ليحكموا فرنسا والثورة الايرانية لم تعيد اولاد الشاه فكيف بنا نحن نعيد النظام الذي اطحنا به الى السلطة بعد عام ونصف فقط؟. انه الجنون بعينه. هل هناك اعتراف اكثر من هذا بان الثورة كانت خطأ وخطيئة، وهو أمر غير صحيح بالمرة. للاسف الثورة التي تأخرت كثيرا كثيرا تعيد انتاج نفس النظام بنفس الآليات وهي مصيبة المصائب.



ليست هناك تعليقات: