الصفحات

الثلاثاء، ديسمبر 04، 2012

ما اشبه الليلة بالبارحة!



سرور



الغرياني



في مارس 2007 طرحت التعديلات الدستورية التي اجراها الرفيق مبارك للاستفتاء وكانت النسبة اكثر من 75 في المئة اما الاشادة بالتعديلات واعتبارها فتح كبير للديمقراطية في مصر والمنطقة فيمكن معرفتها بالرجوع إلى الصحف الحكومية الصادرة في تلك الايام. غير ان اصوات الاحتجاج لم تكن بنفس الارتفاع كما هي الان على دستور 2012 رغم ان الاخير افضل بكثير، ولكنه هو الاخر يطرح للاستفتاء في ظروف يشوبها رفض بعض القوى السياسية له وانسحاب قوي اخرى من التأسيسية التي وضعته. اطرف شيء ان التعديلات الدستورية في مصر ترفض من كثير من القوى السياسية ومع ذلك يتم التصويت على بنسبة عالية. فهل تنفخ هذه القوى في قربة مقطوعة؟. السبب ان الشعب يعيش في وادي والمنظرون للسياسة والحكومة ايضا في واد آخر. ومن الصعب ان تقنع مواطنا بسيطا للغاية حتى لو كان يعرف القراءة والكتابة بان الدستور يمكن ان يؤثر على حياته، فما بالك بالشخص الأمي تماما؟.    

http://tornado75.blogspot.com/2007/03/blog-post_24.html


الأحد، ديسمبر 02، 2012

الرئيس مرسي الذي يحكم شعب زامبيا



مرسي والغرياني
 

في الوقت الذي لم يحسم فيه الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية موضوع الاعلان الدستوري الذي اثار كثيرا من الجدل، فوجئنا بالتأسيسية تواصل العمل ليلا ونهارا لتنجز الدستور بسرعة وتقدمه للدكتور مرسي الذي وافق اليوم على المسودة وطلب التصويت عليها في 15 من الشهر الجاري.

كان من المتوقع والمنطقي ان يقوم الدكتور مرسي باجراء بعض التعديلات على الاعلان الدستوري - ولا اقول سحبه - بعد اجراء حوار وطني موسع مع القوى المدنية وان يكون التخلص من معضلة الاعلان الدستوري له الاولوية على ما عداه.

ولكن للاسف المؤسسات الرسمية في مصر تتصرف كما لو كانت تتعامل مع شعب زامبيا ولا ترى الشعب المصري الذي يفترض انه معني بهذه الامور قبل غيره. انسحاب الكثير من الاعضاء من التأسيسية يمكن ان يضعف الدستور اما الاستعجال في تمريره على هذ النحو فسوف يجعله عرضة للهجوم باستمرار بل وعرضة للتغيير والتعديل في اول فرصة.

ان اعتراض البعض مهما كان عددهم على الاعلان الدستوري يستوجب اجراء نقاش بشأنه والدستور نفس الوضع بل ان الدستور اكثر لان الاعلان الدستوري في افضل الاحوال مؤقت اما الدستور فيفترض فيه الديمومة والاستمرارية.

تمرير الدستور كان يجب ان يأخذ وقتا اكثر من ذلك مع دعوة كل من انسحبوا من التأسيسية على سبيل الاحتجاج ومناقشة حججهم وعدم الاستهانة بها.

الامور لا تقاس بمدى قدرة كل فريق على حشد ما يتخيل انه اغلبية كبيرة تفوق ما حشده الاخر. الشؤون السياسية لا تدار على هذا النحو وليس هذا هو هدف الثورة ولا كان من اهدافها ابدا. واذا كان مرسي يتعلل بانه لا يريد ان يطيل الفترة الانتقالية فان حججه غير مقبولة بل ان ما يقوم به بالتعجيل في طرح الدستور للاستفتاء يمكن ان يكون سببا لاطالة الفترة الانتقالية وربما استمرارها الى الابد.

ما يحدث من الرئاسة والمؤسسات المنضوية تحت لوائها يعطي مصداقية قوية لاتهامات البعض بانها دولة الاخوان بالفعل. واذا قلنا ان الاعلان الدستوري له ما يبرره من وجهة نظر الاخوان لاحباط مؤامرة الدستورية ضد حكمهم كما يقولون فما هي  مبررات التعجيل بطرح الدستور للاستفتاء؟.

وحتى اذا صنفنا الاعلان الدستوري في خانة الاجراءات الاستثنائية المؤقتة، فهل يجوز التعامل مع الدستور بنفس الصورة؟.

ليس اسهل من حشد الناس لتأييد هذا او ذاك خاصة اذا علمنا ان اكثر من 40 في المئة من المصريين أميين تماما ولكن اين المصلحة العليا في كل ذلك؟. 





السبت، ديسمبر 01، 2012

البدون يحكمون مصر؟!!

 
  
كيف تكون عميلا سريا للاخوان

منذ بضعة ايام بعد صدور الاعلان الدستوري العجيب للدكتور محمد مرسي قلت ان الاعلان غير مقبول وصدوره خطوة غير موفقة. وقلت ايضا انني على الرغم من ذلك لا اؤيد تراجع مرسي عن الاعلان. واتهمني بعض الاصدقاء على الفيسبوك بانني اعمل مع الاخوان او اسعى للعمل معهم او انني اتوقع شيئا منهم. وباعتبار انني تنكبت الطريق السوي نصحوني لوجه الله بان ابتعد عنهم فهم شر لا يأتي منهم إلا شر. والواقع ان مصر يسودها في كثير من الاحيان اتهامات غريبة تلقى جزافا من اناس جهلاء بدون دليل ولا منطق. وفي بعض الاحيان كان اتهام الشخص بانه شيوعي يمكن ان يقضي على مستقبله الوظيفي وايضا يقوض وضعه الاجتماعي لان الشيوعي ملحد والملحد والعياذ بالله كافر. وهذه الايام تعد تهمة علماني تهمة خطيرة رغم ان من يرددونها لا يفهمون معناها على الوجه الصحيح. وفي اوقات اخرى كان الاتهام بالميل لامريكا اتهاما خطيرا يرقي الى مرتبة العمالة للامبريالية العالمية. وهناك شيء جديد هذه الايام وهي العمالة للاخوان ولذلك اذا اراد شخص ان يقول رأيا يشتم منه انه يميل للاخوان، حتى لو كان هدفه من ذلك المصلحة العامة، عليه ان يبادر الى اعلان انه ليس من الاخوان ولا ينتمي اليهم، ولو تطلب الامر ان يقسم بأغلظ الايمان. والحقيقة انني لم انتخب الاخوان في مجلس الشعب ولم اذهب الى انتخابات مجلس الشورى ولم انتخب مرسي الا مضطرا حتى لا يكون هناك فرصة لعودة النظام القديم.


مانديلا من السجن للرئاسة 


والامور لا تقاس من منظور شخصي عندما تكون المصلحة العامة على المحك. والمسألة هنا بالاساس ان هناك رفض واسع لحكم محمد مرسي باعتباره عضو من الاخوان وهي جماعة كانت حتى وقت قريب مهمشة ومضطهدة واكثرهم قضوا ردحا من حياتهم في السجون منذ ثورة 1952. غير اننا لا يمكن ان ننكر ايضا ان مرسي لم يصل الى منصبه من خلال تزكية او توصية او انه كان نائبا لرئيس حل محله مثلما كان يحدث من قبل بل هو اول رئيس مصري منتخب من الشعب بالاقتراع المباشر. وفي الغرب ينظر الى تكريم الشعب لشخص باختياره لمنصب انتخابي على انه اكبر تشريف يمكن ان يحصل عليه وهي ابسط مباديء الديمقراطية.


ديمقراطية عنصرية

وحيوية المجتمعات تقاس بقدرتها على التطور والتكيف مع كل ما هو جديد والتأقلم معه والخروج منه بأفضل نتيجة ممكنة. في عام 1942 عندما انتقل الكاتب الامريكي الاسود ريتشارد رايت الى منطقة فاخرة في بروكلين احد احياء نيويورك لا يسكنه الا البيض ضج الجيران بالشكوى ورشق احدهم نافذته بالاحجار كما رفض الرجل المسؤول عن المبنى ان يحمل الفحم الى المنزل. كان ذلك الجميع اكتشفوا ان رجلا اسود يعيش فيه مع زوجة بيضاء. وظل التمييز ضد السود سائدا حتى الاواخر الستينيات. صحيح انه لم ينتهي تماما ولكن امريكا بذلت مجهودا كبيرا في دمج السود بصورة جعلت من الممكن ترشيح مواطن اسود ابن دارس تنزاني لرئاستها خلال 60 عاما. ولكن يبدو ان الديمقراطية المصرية الوليدة لم تأتي متأخرة للغاية فحسب بل انها ولدت مشوهة وعرجاء واسوأ من ذلك انها ولدت عنصرية. واذا كنا نرفض حكم الاخوان لمجرد انهم فصيل تعرض للسجن والاضطهاد، فمتي يمكن لمصر مثلا ان تنتخب قبطيا او امرأة لرئاستها. لاشك ان الامر قد يستغرق اربعة او خمسة قرون على الاقل.
ريتشارد رايت

  
كل ما نراه من مظاهر حولنا يؤكد اننا لا نفهم روح الديمقراطية الحقيقية. الديمقراطية هي فهم ووعي واحساس قبل ان تكون صندوق اقتراع واصوات وفرز ونتائج. وعندما يسعى فريق الى الاشتباك مع الفريق الاخر المعارض بصورة تصل احيانا الى الاصابة الجسدية وحتى القتل فالامر لا ينم فقط عن عدم احترام الديمقراطية بل عن همجية توحي بان اصحابها لا يستحقون العيش في مجتمع متحضر بالمرة.


تناقضات ليبرالية

الاخوان يسعون الى التكويش على كل شيء لانهم لا يثقون في الاخرين والقوى المدنية تحاول هدم حكم الاخوان بغض النظر عن المصلحة العامة. وربما نجح الاخوان في السيطرة على الشارع والتفوق في الانتخابات والحصول على الاغلبية في مجلسي الشعب والشورى وتتويج كل ذلك بالوصول الى الرئاسة وهو حلم تحقق فجأة، ولكن ليس من المنطقي ان يتجاهلوا الاخرين فليس هم وحدهم من منحوا صك الوطنية. اما ما يسمى بالقوة المدنية فهم لم يفلحوا في شيء على الاطلاق. لا نجحوا في بناء قواعد قوية في الشارع ولا افلحوا حتى في بناء وتحديث احزابهم التي تعاني من ضعف البني والخلل المزمن والخلافات على الزعامة وكل الامراض التي يمكن ان تجدها في احزاب كانت تعيش دوما على هامش السياسة. وهم برفضهم حكم الاخوان لمجرد انهم اخوان انما يقوضون اهم مباديء الليبرالية السياسية دون وعي منهم. وما شهدناه منذ صدور الاعلان الدستوري يؤكد انهم لا يعملون لاصلاح حال الوطن بقدر ما يسعون الى تقويض حكم الاخوان. والبرادعي مثلا يقسم اعضاء الجمعية التأسيسية الى ثلاث فئات : من يرفضون الموسيقى لانها ضد الشريعة ومن لا يؤمنون بالمحرقة النازية او الهولوكست ومن لا يؤمنون بالديمقراطية.  وربما كانت الاولى والثالثة بصفة خاصة، لا تؤهلهم حقيقة للجلوس في جمعية تضع دستور البلاد ولكن متى كان الايمان بوقوع الهولوكست من متطلبات العمل السياسي في مصر. البرادعي يعرف ان هناك من بين المفكرين الغربيين انفسهم من يشكك في حدوث المحرقة بالشكل الذي يدعيه اليهود ويدرك ان اليهود يبتزون العالم باسم المحرقة ويضغطون على الضمير الغربي لسلب حق شعب اخر هو صاحب الارض الحقيقي. هل كان يتعين مثلا ان يضع اعضاء التأسيسة بندا يعلنون فيه عدم جواز تولي أي منصب انتخابي لشخص لا يقر صراحة بحدوث المحرقة؟. احد الاصدقاء قال ان تصريحات البرادعي شوهت وان علينا ان نقرأ النص الالماني في "دير شبيجل". والواقع ان البرادعي تحدث بالانجليزية وترجمت تصريحاته الى الالمانية لغة المجلة، والالمان ليسوا حمقى لكي يضعوا ترجمة مخالفة لما ذكره الرجل.

عمرو موسى
البرادعي


لقد تحدث كثيرون عن مؤامرة كانت تحيكها المحكمة الدستورية وبعض الاطراف. واذا صح الكلام عن هذه المؤامرة - وربما كان هذا هو التفسير الوحيد لصدور الاعلان الدستوري في هذا التوقيت – فهذا يعني بصراحة ان صدوره هو رد فعل طبيعي. استعداء الجيش ودعوته للانقلاب هو ايضا غباء سياسي مطبق ولا يكشف اطلاقا على حرص على الصالح العام.

العقلية المصرية – ولندع دعاوى الليبرالية والديمقراطية وحرية التعبير جانبا – استقر فيها ان العسكر هم اصحاب الحق الشرعيين في حكم البلاد وهم اصحاب التفويض الارفع والاسمى رغم ان احدا من العسكر لم يحصل ابدا على تفويض من الشعب بالحكم، ولكن التفويض موجود لمجرد انهم عسكر. والرجل الذي ربض على صدورهم 30 عاما خرب فيها البلد والمنطقة كلها لم يفكر الا في اخر فترات حكمه الاسود في اجراء تمثيلية انتخابات سخيفة، بينما كان يمهد في انتخابات 2010 البرلمانية لثوريث الحكم لنجله.

المستشار الخضيري


القضاء والصوت العالي

الصوت العالي للقضاء لم يكن موجودا ابدا في عهد مبارك واذكر هنا حادثتين واضحتين. عندما ذكر المستشار محمود الخضري ان مجلس الشعب منبطح  وهي حقيقة لم يكن احدا ليماري في صحتها هاجمه الدكتور سرور كاهن مبارك السياسي واتهمه ان ما قام به من الحديث عن مجلس الشعب هو "اشتغال" بالسياسة. وتعرض الرجل لحملة شديدة حتى ان سرور قال انه يمكن ان يتقدم لمجلس القضاء الأعلى بطلب الاذ ن برفع الحصانة القضائية عن الخضيري بتهمة إهانة البرلمان وهي جريمة يعاقب عليها القانون. وتركه زملاؤه ولم يتقدم احد من القضاة للدفاع عنه او التضامن معه ولم نشهد ايامها هذه الضجة الكبيرة، كما لو الاشتغال بالسياسة جريمة في عهد مبارك اما في عهد مرسي فكل شيء متاح. الحادثة الثانية هي الاعتداء على نادي القضاة في ابريل 2006 والمعاملة المهينة التي عاملت بها شرطة مبارك القضاة والتي لا تليق اطلاقا بهيبة القضاء.  

لقد حدثت في الثورة المصرية مفارقات غريبة اشبه بلعبة الكراسي الموسيقية وكلها تكشف عن انتهازية اصيلة وتلون حربائي. الاخوان تركوا الثوار في موقعة محمد محمود الاولى سعيا لمكاسب من المجلس العسكري وموقفهم من ضحايا الثورة لا يتسم بالمساواة في كثير من الامور المعنوية ومحمود عبد المجيد الناب العام السابق صار لبضعة ايام رمزا للثورة رغم انه من اكبر مفسدي عصر مبارك وعمرو موسى الذي كانت توزع الاوراق التي تحذر من انتخابه رئيسا لمصر صار احد الاصوات العالية في ميدان التحرير بعد الاعلان الدستوري. وتنتقل المسرحية من فصل الى فصل اكثر سوداوية دون ن يعرف احد متى يسدل الستار.  

فلول

ربما كان عمرو موسى من افضل العناصر التي نطلق عليها لفظ الفلول فهو رجل دبلوماسي وعلى درجة كبيرة من الوعي والادراك ولكن هناك نوعيات من البشر في مصر ممن نشأت في ظل نظام مبارك يصعب إن تصنفها بين فئات البشر. وهؤلاء بفضل ما سيطروا عليه من ثروة غير مستحقة كان النظام البائد يتيحها لكل من دار في فلكه لا يتورعون للحظة واحدة عن تدمير البلاد وتخريبها او في ادنى الحدود شل قدرتها على الحركة والمضي قدما. فهم بالاضافة الى الثروات الطائلة التي لم يتعبوا في جنيها بالمرة، لا يتوافر لديهم أي قدر من الفهم او الاخلاق لانهم بامتياز تربية نظام من ابشع النظم التي عرفها التاريخ السياسي في العالم. وهؤلاء عندما تتاح لهم الفرصة ينطلقون كالسوائم التي تسحق كل ما تجده في طريقها وقد شهدنا بدءا من موقعة الجمل والمواقع العديدة التي تلتها اياديهم البيضاء على الشعب والثورة.  

بقى أن نقول إن المصريين البسطاء الذين عانوا الامرين من الانفلات الامني وتوقف الاعمال وتداعي الامور الحياتية اليومية ليسوا معنيين كثيرا بالصراع السياسي بين الاخوان والمعارضة بل إن ما يهمهم ويمس حياتهم بصورة اكثر الحاحا هو أن يجدوا لقمة العيش وان تمضي حياتهم بصورة اكثر سلاسة. والكثير من هؤلاء تحولوا الى كراهية الثورة وكل ما يمت اليها بسبب ويمكن اين يتحولوا الى العمل ضدها اكثر واكثر من خلال صناديق الانتخابات مالم يشعروا إن هناك تحسن ملموس في حياتهم.









السبت، نوفمبر 24، 2012

الموت بلا سقف والجنون بلا حدود








خلال الأيام القليلة الماضية صدمتنا الاحداث الكثيرة ليس على مستوى مصر فحسب بل على مستوى المنطقة بصورة تجعل المرء يردد المثل المصري الشعبي "المتعوس متعوس ولو علقوا على رأسه فانوس"، بمعنى أن المنطقة ولاسيما مصر لم تدخل الى الربيع العربي الا لتدخل منه الى شتاء مرير وقاسي لا احد يعرف متى ينتهي.

بدأت الكوارث بالغارات الاسرائيلية المجنونة على غزة التي جاءت بعد انتخابات امريكية وثورات الربيع العربي التي اطاحت بعدد من الزعماء العرب بعضهم من اقرب المقربين لاسرائيل، وتسبق انتخابات اسرائيلية اعتاد الساسة الاسرائيليون إن يشتروا الاصوات فيها بدماء الاطفال الفلسطينيين.

وبينما تدور رحي الحرب في غزة التي جعلت موقف مصر حرجا للغاية تذهلنا كارثة اخرى بمصرع اكثر من 50 طفلا في اسيوط في مزلقان قطار. والكارثة هي نتاج ثقافة عامة من الاهمال واللامبالاة والبلادة والاستهانة بحياة البشر. والذين القوا باللوم على مرسي في الكارثة جانبهم الصواب وكذلك الذين سعوا الى تبرئته منها. مرسي مسؤول مسؤولية اخلاقية عن اختيار مرؤوسيه من وزير النقل الى عامل المزلقان ومسؤول ايضا عن محاولته البناء على نظام فاسد وبيروقراطية تستحق الابادة وعدم العمل على تطهير المواقع الحكومية من الكسالي والخاملين وفلول النظام السابق.

ولم تجف دموعنا على كارثة القطار حتى فوجئنا بحرب بين الجيش والشرطة في القاهرة والاسكندرية وهي ايضا كارثة اخرى تشير الى إن الامور غائمة في البلد ولا احد يعرف مهام عمله ولا حدوده. هل تعني الثورة انفلات الجميع من كل القيود والكوابح والعمل كما يحلو لهم؟. وهل يصعب على المصريين إن يتأقلموا مع مفهوم الحرية دون ان يكون هناك قمع شديد؟ وهل يمكن ان تجد الديمقراطية والتعددية فعلا مكانا لها في مصر؟. هذا امر اصبح موضع شك كبير الان.

وبينما تسعى مصر الى انهاء هجمات الاسرائيليين البرابرة على غزة اندلعت اشتباكات شارع محمد محمود في الذكرى السنوية لمعارك دامية في العام الماضي. ورغم عبثية هذه الاشتباكات التي تهدف الى اقتحام وزارة الداخلية، الا إن المرء لا يستطيع إن يلوم من قاموا بها وحدهم. العدالة المنشودة عن قتل الثورار واصاباتهم لم تتحقق حتى يومنا هذا. ومن المستبعد إن تتحقق على الرغم من الاعلان الدستوري الذي تبناه مرسي مؤخرا.

الاعلان الدستوري نفسه يبدو غريبا وكذلك كان استقباله مما نسميهم بالقوى السياسية. والواقع إن اسلوب العمل السياسي في مصر بعد الثورة لم يختلف كثيرا عما كان عليه في عهد مبارك فهو يتسم بالانتهازية الشديدة وعدم السعي الى المصلحة القومية بل المصالح الشخصية. الاعلان الدستوري لمرسي قطع شوطا طويلا في ترسيخ حكم الفرد وان يكن لفترة قصيرة ورد القوى السياسية هو الاخر يكشف عن سعيها الى مصالحها الذاتية وبهذه الطريقة لا اعتقد إن هناك الكثير من الامال أن تمضي مصر قدما في طريق البناء بل ليس من المستبعد، طالما كانت هذه هي طريقة التفكير، إن يكون هناك المزيد من التفسخ والتداعي.

الجمعة، نوفمبر 16، 2012

سحب السفير المصري واحتجاج المعاتيه



درجت الدول في العرف الدبلوماسي ان تسحب سفيرها من دولة اخرى عندما تتخيل انها ارتكبت خطأ او تجاوزت الاعراف الدبلوماسية التي تنظمها المواثيق الدولية. ويكون سحب السفير اضعافا لموقف الدولة الدبلوماسي وهو ما تسعى الدول الطبيعية الى تحاشيه.

وبالمثل يمكن ان يطرد دبلوماسيون من دولة باعتبارهم غير مرغوب فيهم. وتقول الديباحة المرافقة للاجراء في هذه الحالة انهم يقومون بأعمال تتنافي مع اوضاعهم ومهامهم الدبلوماسية، في اشارة صريحة الى قيامهم بالتجسس.

هذه الامور طبعا تحدث بين الدول وغالبا لا يكون للافراد دخل فيها. وكلنا يدرك بالطبع ان سحب السفير المصري من اسرائيل احتجاجا على الغارات الهمجية على غزة هو ما يمكن ان نصفه بانه اضعف الايمان. والاجراء يكاد يكون واحد من عدد محدود جدا من الخيارات المتاحة امام مصر للضغط على اسرائيل لوقف عملياتها المجنونة. غير ان اسرائيل لم تفعل ذلك بل زادت غاراتها حدة وكثافة. 

الامور على ما يبدو اكبر بكثير من مجرد رد على صواريخ حماس وربما يكون المقصود من هذه الغارات اختبار رد فعل الدول العربية التي مرت رياح الربيع على بعضها. امريكا كان رد فعلها سريعا لانها لم تشأ ان تجد بين الدول العربية إيرانا اخرى تقض مضجعها وتقلقها. وللاسف استجاب العرب لايمانهم الغبي بان امريكا شر لا بد منه. واستطاعت امريكا التي كانت تدعم النظم المعادية للشعوب على مدى عقود ان تستوعب الانظمة الجديدة على ان تتخلى عن ثوريتها وتتأقلم مع الوضع الذي كانت عليه النظم التي سبقتها. ويبدو انه حان الان موعد تدجين هذه الانظمة وادخالها تماما في قالب الانظمة القديمة عن طريق ارهابها وتخويفها بالقاعدة الامريكية المتقدمة المعروفة باسم اسرائيل. ومالم تسعى الشعوب العربية الى التخلص من الوجود الامريكي العسكري في المنطقة خلال العقد الحالي ومن ثم التخلص من النفوذ الامريكي تماما والهيمنة الامريكية فانها لن تعيش حياة طبيعية ابدا مهما اشتعلت فيها الثورات سواء كانت ثورات الربيع او ثورات الفسيخ كما اسماها مسئوال امني احمق باحدى الدول العربية.

من المتوقع ومن الطبيعي جدا ان تتعاطف الشعوب العربية مع الفلسطينيين سواء كانوا يؤيدون اطلاق الصواريخ غير المجدية من غزة على اسرائيل من عدمه. ولكن لكي تحل القضية بصورة جذرية فهي بحاجة الى بعض التضحيات من القادة العرب عن جزء صغير جدا من نفوذهم الواسع غير الشرعي في بلدانهم، وليس الصواريخ التي يطلقها ابناء غزة. 

ولكن اليوم صعقت عندما قرأت انه كانت هناك وقفة في شارع محمد محمود تحتج على سحب السفير المصري من اسرائيل. ونحن نحترم حرية الاراء ونحترم تعددها ولكن هناك اشياء تبدو غبية وخارجة عن الواقع وهذه عادة ما يقوم بها اشخاص مصابون بالضعف العقلي. والسؤوال الخطير هم من هؤلاء الذين وقفوا في شارع محمد محمود ليلوثوا تاريخه بفعلتهم هذه وما هي مراميهم؟. والسؤال الخطير هنا : هل يمكن ان تؤدي كراهية الاخوان ورفضهم الى التغاضي عما تفعله اسرائيل وتضفي عليه شرعية في اي اطار؟. ما يحدث في غزة هو نتاج تراكم جبال من الاخطاء على مدى عقود ولكن ما يحدث فيي شارع محمد محمود هو نوع من التطرف الجديد والغريب.



الخميس، نوفمبر 15، 2012

مرسي واسرائيل يخطفان الاضواء من هيفاء وهبي

 
هيفاء
كان خبر طلاق المطربة اللبنانية المثيرة للجدل والخيال هيفاء وهبي من رجل الحديد المصري احمد ابو هشيمة هو الخبر الي سيطر على الاوساط الاعلامية العربية كلها وطغي على اخبار دول الربيع العربي وحتى دول الخريف والشتاء واصبح هو الخبر المهيمن على الساحة. وتباينت الاقاويل والاراء والانباء حول اسباب الطلاق ومبرراته وما يمكن ان يسفر عنه وتداعياته على المدى الطويل والقصير وحتى المتوسط.

وقيل من بين ما قيل ان هيفاء حضرت حفلا على سفينة مملوكة لملك البحرين وان الملك ضايقها. وعندما يقال لفظ ضايقها عن هيفاء لمواطن عربي طبيعي فهذا معناه الفوري انه تحرش بها. ولكن هل الملك الذي يعد عرشه على كف عفريت منذ فبراير 2011 والذي لا تنسى ايران ان تقول كل اسبوع مرة واحدة على الاقل ان بلاده جزء من اراضيها وانها ستضمها اليها، لديه الوقت وفراغ البال والشهية "للصرمحة" وراء الجميلات، وهيفاء تحديدا. 

قيل ايضا ان ابو هشيمة مرشح للعب دور كبير في عالم البيزنس في عهد الاخوان وانهم اسروا له بان وضعه الاجتماعي وبالتالي وضعه في عالم البيزنس سيتأثر كثيرا بكونه زوج لسيدة مثل هيفاء. ولكن اذا كان ابو هشيمة يحبها فعلا فهل يضحي بها من اجل صفقة او حفنة من المال حتى وان كانت حفنة هرقل؟. زواج المال والفن الذي يحركه في الغالب الجشع وحب المظاهر سرعان ما ينتهي نهاية سيئة ولعل من اسوأ النماذج وابشعها علاقة أيمن السويدي بالفنانة التونسية ذكرى والتي انتهت نهاية فاجعة.

نتنياهو رئيس وزراء اسرائييل
ومهما كانت الاسباب خلف طلاق هيفاء فلاشك ان الاجيال التالية ستحسدنا كثيرا على اننا عشنا ايام زواج هيفاء وعشنا ايام طلاقها ايضا. غير ان الخبر الهام جدا مالبث ان توارى قبل اقل من اسبوع من انهماك المحللين والمنظرين فيه عندما قامت اسرائيل بغارات مجنونة على غزة انتقاما لصواريخ يطلقها الفلسطينيون من غير المتصور ان تقتل عنزة لو اصابتها اصابة مباشرة ويسمون ذلك من قبيل الفضفضة عن النفس "جهادا"، موقنين ان هذه الصواريخ التي تشبه صواريخ الافراح لدينا سوف تقض مضاجع الاسرائيليين وتقلق نومهم فيحملوا عصاهم ويرحلوا الى حيث ألقت ويتم تطهير البلاد منهم. غير ان الاسرائيليين ردوا على "الالعاب النارية" المنطلقة من غزة بوحشية مطلقة. وتدخلت مصر وحاولت تهدئة الامور وهددت بانها ستسحب سفيرها. وبدلا من ان تحاول اسرائيل - على غرار امريكا - ان تتماشى مع الاخوان اذ بها بلغة هيفاء وهبي تضغط على "الواوا" لدى الاخوان في غزة. وبعد ان هدأت اسرائيل قليلا ريثما تقيم الامور وترجع في شأن التهديد المصريالى العم سام - الذي يبدو انه قال لهم ان مرسي في جيبه ولا ضير منه – عادت الى شن غارات اكثر بربرية وهمجية على غزة.

سحب السفير المصري من اسرائيل الذي هلل له البعض باعتبار انه فتح عظيم و"امجاد ياعرب امجاد" شيء طبيعي جدا وعادي جدا ويمكن ان يعود السفير الى اسرائيل مرة اخرى في أي وقت بعد مكالمة من الحاج اوباما يطيب فيها خاطر مرسي ويعده بانه سيبذل قصارى جهده لحل القضية الفلسطينية قبل ان يعدل الدستور الامريكي ويرشح نفسه للفترة الثالثة.

العرب الذين يتمرغ الغرب في اموالهم بلغ بهم التداعي والهوان ان يهللوا لسحب السفير المصري من اسرائيل باعتباره انتصار. مصر في النهاية تتصرف داخل اطر وكوابح ضيقة للغاية وهي مرغمة على التمسك باتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية رغم انفها لان التخلي عن المعاهدة يعني الدخول في حرب مع جيران برابرة وهمج. كذلك فمصر ليست لديها ادوات ضغط اقتصادية ولا دبلوماسية كبيرة واقصى ما في وسعها ان تسحب السفير او تطلب من واشنطن الضغط على اسرائيل. وهكذا فالسفير الذي ذهب الى اسرائيل بخطاب من مرسي اثار الكثير من الجدل لعاطفيته وحرارته المفرطة تجاه اسرائيل يعود مرة اخرى الى مصر بسبب طيش بعض ابناء غزة الذين ضاق مفهوم الجهاد لديهم حتى اصبح فرقعة بمب وبربرية الاسرائيليين الذين دانت لهم الارض وبلغوا حدا من الرفاهية حتى اصبحوا يضيقون بصوت انفجارات صواريخ الافراح امام منازلهم.

الاثنين، نوفمبر 12، 2012

شجرة البرقوق







ياسوناري كاواباتا


كان الام والاب يتجادلان وهما جالسان قبالة بعضهما يتطلعان الى الزهرتين او الزهرات الثلاث الحمراء على شجرة البرقوق العجوزة.

على مدار بضعة عقود الآن، كانت تظهر الزهرات الاولى على نفس الفرع السفلى. قال الاب انها لم تتغير البتة منذ قدمت الام الى البيت كعروس ولكن الام قالت انها لا تتذكر. وضايقته هذه المراوغة. وقالت انها ليس لديها وقت لأشجار البرقوق وقال الاب انها قد اضاعت وقتها. وبدت المشكلة انها كانت راغبة عن مشاركته شعوره بقصر الحياة الانسانية مقارنة بحياة شجرة البرقوق العجوزة.

وتطرق الحديث الى حلوى يوم رأس السنة وقال انه فى الثانى من يناير احضر الحلوى من محل "فوجيتسودو" ولكنها قالت انها لا تتذكر شيئا عنها.
"ولكنى اتذكر جيدا اننى امرت بأيقاف السيارة فى كل من "ميجى" و "فوجيتسودو" واشتريت الحلوى من كليهما".
"اذكر حلوى ميجى ولكنك لم تشتر فى اى مرة شىء من "فوجيتسودو" منذ قدمت انا الى هذا البيت".
"انك تطلقين تصريحات جارفة"
"لم تأت الى ابدا بأى منها".
"ولكنك اكلتيها، اعرف اننى قد أتيت بها".
"انك تجعلنى اشعر بالقلق، لقد حلمت بها، انك تتحدث عن شىء حلمت به".
"اوه؟".

خارج الغرفة فى المطبخ، كانت الابنة مشغولة باعداد الغداء وسمعت الجدل. كانت تعرف الحقيقة ولكنها لم تشعر بدافع لكشفها ووقفت تبتسم بجانب الغلاية.
"أأنت متأكد انك أتيت بها الى البيت؟".
بدت الام بسبيلها الى الاعتراف ان الاب، على الاقل، ربما يكون قد قام بالشراء.
كان الاب مذبذبا "لقد اشتريتها ولكن هل يمكن ان اكون قد تركتها فى السيارة؟".
"ولكن اذا كنت قد تركتها فى السيارة لكان السائق قد اتى بها وماكان ليمضى بها فالسيارة سيارة الشركة".
"هذا صحيح"
وشعرت الابنة ببعض القلق.
شعرت بالقلق لان امها نست ولان ابيها ترك ثقته تهتز هكذا بسهولة. 
لقد خرج يتمشى فى الثانى من يناير وامر ان تتبعه السيارة واشترى صندوقا كبيرا من كعك الارز الحلو من "فوجيتسودو" وساعدت امها فى التهام هذا الكعك.
ساد الصمت ثم تذكرت الام بهدوء كبير.
"آه، تلك الحلوى. لقد اشتريتها حقا، أليس كذلك"؟
"بلى"
"لقد كان لدينا الكثير منها".
"وانا اشتريتها".
"ولكن هل اشتريت مثل تلك الأشياء الرخيصة من "فوجيتسودو"؟".
"نعم"
"أذكر ذلك ، لقد اعطيناها لشخص ما بلفتها، ياترى من كان هذا الشخص؟".
"نعم لقد أعطيتيها لأحد ما".
وتكلم كما لو كان تصلبا فى رقبته قد زايله فجأة. "ربما أعطيتيها لفيوزى".
"فيوزى، ربما. نعم لقد قلت لايجب ان ندع الاطفال ترى ذلك".
"لقد كانت فيوزى".
ومع نهاية هذا الجدل بدا ان الاحساس بالوفاق قد ارضى كليهما.
ولكن الحقائق كانت على خلاف ذلك فقد اعطوا الحلويات ليس لفيوزى خادمتهم السابقة ولكن للولد الذى يعيش فى المنزل المجاور لمنزلهم.
وانتظرت الابنة ان تتذكر الام هذا ايضا ولكن لم يأت من غرفة الافطار سوى صوت الغلاية.
واحضرت الغداء.
"هل سمعت جدالنا يايوشيكو؟".
"نعم".
"يبدو ان امك مجهدة قليلا. وكلما زاد الامر سوءا تمعن فى التظاهر بانه ليس ثمة خطأ. يجب ان تساعديها فى تذكر الأشياء".
"انى اتعجب اينا الاكثر إجهادا، لقد خسرت انا هذه المرة ولكنى اتعجب".

وخطر للابنة ان تقول شيئا عن فيوزى والولد فى المنزل المجاور ولكنها لم تفعل.
بعد عامين مات ابوها، فقد اصيب بجلطة خفيفة ولم يذهب الى المكتب الا نادرا منذ ذلك الحين.

ومازالت ازهار البرقوق الاولى تخرج من ذلك الفرع السفلى. فكرت يوشيكو مرارا فى موضوع "فوجيتسودو" ولكنها لم تحادث امها ابدا فيه، ومن المرجح الى حد كبير ان امها قد نست.


السبت، نوفمبر 03، 2012

الدكتور يحييكم ويضحي من أجلكم







   

المجتمع المصري يعج بنماذج من البشر عندما يتوقف عندها الانسان لا شك تستغرقه حالة من الدهشة والاستغراب. هل هؤلاء بشر احياء بالفعل ام مجرد كائنات هلامية خرجت لتوها من بين دفتي رواية لكاتب مبتديء أو غير حاذق. انها نماذج من لحم ودم تعيش بيننا وتتنفس نفس الهواء الذي نتنفسه وتتحدث نفس اللغة، ولكنها تأبى الا ان تقيم عالما خاصا بها تصنع فيه قيمها ومواقفها من الحياة والبشر وكل شيء في العالم وفقا لما يتماشى مع منطقها الاعوج. 

الدكتو قدرة او عبدالقادر الذي يعمل بإحدى كليات القانون في الجماهيرية الليبية الشقيقة هو شخصية روائية ومع ذلك لو فكرت في وضع رواية عنه لاتهمت بالمبالغة الزائدة او المغالاة غير المبررة ولن تجدي بالطبع في هذه الحالة ان تقدم أي توصيفات من قبيل الواقعة الاشتراكية او الواقعية الشكلية او حتى الواقعية السحرية لان الواقعية في حالة الدكتور من نوع الواقعية الطينية أو الغرينية.

والدكتور لا يعي شيئا تقريبا خارج نطاق دراسته وليس لديه وعي ولا احساس بالتاريخ ولا حتى بالمنطق او الفهم او العلاقات البشرية وكيف يجب ان تكون ولم يقرأ تقريبا حتى حصوله على الدكتوراه وربما حتى تاريخنا هذا سوى الكتب المتعلقة بمجال دراسته الا انه ورث فيما ورث فكرا تقليديا راسخا في هذا المجتمع منذ ايام العثمانيين وهي ان الناس تقيم وفقا لدرجاتها الدراسية وشهاداتها العلمية. ويمكن ان يتجاهل الدكتور كلمات احد اعمامه او اخواله أو اخوانه الكبار لمجرد ان الرجل لم يحصل الا على الابتدائية او الاعدادية رغم انه يحظى باحترام كبير بين افراد العائلة ويفهم تقريبا اضعاف اضعافه في امور الحياة وشؤون البشر.

الدكتور يعتقد ان اولئك الذين حصلوا على الدكتوراه هم فئة من البشر تتفوق على البشر العاديين. والواقع ان هناك كثيرين في مصر من حملة "الدرجات العلى" يفكرون بنفس المنطق. وربما ادى الى ذلك التصوير لدى الدكتور ان احدا من اشقائه لم يحصل على أي شهادات كبيرة او تملأ العين بل ان الذي تعلم من بينهم يكاد يفك الخط بصعوبة.

ولكن عندما يدرس المرء حياة الدكتور سيكتشف في أي مجتمع من العاهات والمرضى يعيش كثير من المصريين، وسترى ان مصر ما هي الا مستشفى امراض عقلية كبير. والمصريون، في الغالب، لا يسألون انفسهم كيف يتصرفون او الى أي منطق تستند تصرفاتهم التي تبدو لهم هم انفسهم حتى غريبة.

الدكتور حصل على الثانوية العامة من احدى قرى مصر الواسعة حيث كان يقيم في مكان لا يفصله عن المواشي سوى جدار منخفض هش من الطوب اللبن. وكان صوت الجاموسة وهي تحك ظهرها في الجدار يبدو له جليا واضحا كما لو كانت تنام الى جانبه. وكان لسعادة الدكتور شقيق يتولى شراء الكتب الخارجية له طوال تلك السنوات الى ان اتى للاقامة معه في القاهرة في حجرة فوق السطوح وبدأ يدرس الادب الانجليزي ولكنه فشل في دراسة الادب عامين متتاليين فتحول الى الحقوق وافلح فيها. انهى الرجل دراسته وبدأ يتدرب في مكتب محام. وضاقت غرفة السطوح بسكانها فانتقل الجميع الى شقة اوسع في شبرا الخيمة في الطابق السادس كانت امطار الشتاء تزحف على سقفها وجدرانها مثل الافاعي بينما تتحول في الصيف الى فرن.

الدكتور ظل يعمل في مكتب المحاماة ويتقاضى الملاليم الى ان فتحها الله على احد اخوانه الاخرين واشترى شقة في الزيتون وسمح للمحامي ان يستخدمها كمكتب. وقال المحامي الذي كان قد حصل على الماجستير في القانون من نقود اخيه صاحب الشقة انه يريد ان يحولها الى مركز تدريس واخذ منه مبلغا اشترى به مقاعد ذات مساند ومكتب فخم وطقم انتريه فخم من الجلد. وفوجيء اخيه بعد فترة قصيرة بالمقاعد الخشبية تختفي ولم يسأله اين ذهبت ولا اين فلوسها. بعد فترة قصيرة توجه اخيه الى الشقة وكان معه مفتاحها ففوحيء بان الكالون تغير. وسأله فقال ان المفتاح ضاع منه وخشى ان يكون البعض قد عثر عليه لذلك غير الكالون ولكنه لم يعط لاخيه نسخة.

اكتشف اخيه بعد فترة ان سعادة المحامي يستخدم الشقة "جارسونيرة" حيث يستدرج موكلاته اليها. وربما يعتبر ذلك نوع من الخيبة الثقيلة والتنكر للنعمة وانعدام التفكير، فالمحامي مثلا لم يفكر انه لولا فتح الله على اخيه وتمكن من شراء هذه الشقة ليجعلها مكتبا لكان هناك نائما في البلد يـأتيه نعير الجاموسة عبر الجدران، واقصى امانيه في العمل تتمثل في كتابة عقد لقيراط ارض يأخذ منه اتعاب 100 جنيه، وهو ما يعطينا درسا خطيرا في مضاعفات الحرمان وكوارثه وكيف ان انعدام القدرة على التصور والتخيل قد يكون مصيبة كبرى في احيان كثيرة. اطرف ما في الامر ان الرجل راح يسجل لضحاياه فيتعمد ان يتكلم معهن بالساعات على سبيل الاستدراج وهو يقول كلاما في منتهى الانحطاط والسفالة ويضعهن تحت رحمته ويحتفظ بشرائط الكاسيت. كان طوال ذلك الوقت يقيم في شقة اخرى مع اخيه صاحب شقة المكتب بينما يستخدم المكتب كمعمل للصوتيات. وفوجيء اخيه في يوم بفاتورة التليفون تأتي ضخمة للغاية على غير المتوقع. وذهب الى السنترال وطلب فاتورة تفصيلية واكتشف ان اخينا كان يتحدث الى موكلاته العاشقات في المحمول من تليفون اخيه اما تليفون المكتب الذي يدفع هو فاتورته فكان يستخدمه في التسجيل وقد اعد بالشقة عددا من اجهزة التسجيل الكبيرة والصغيرة وكافة الاحجام لزوم العمل. ولا احد يعرف لماذا كان يسجل الاستاذ لموكلاته. ولكن الدلائل تشير الى ان الهدف كان بغية ابتزازهن الجنسي والمالي. ومن الطريف حقا ان احداهن تحدثه عن مخاوفها ان يكون هو يسجل لها ولكنه يقسم انه لا يسجل لها وكلما اراد ان يقلب الشريط تنتابه نوبة من السعال الشديد حتى ينتهي من المهمة التي قد تكشفه للضحية.

وهنا غضب اخوه وثار ودعا كبار العائلة ومنهم اشقائه الى اجتماع عاجل. وتقرر في الاجتماع ان يتم منحه الشقة عام ونصف مجانا حتى يدبر اموره ثم يخليها. ومر العام والنصف ومرت بعدها حوالي خمسة اعوام اخرى دون ان يفكر اخيه في اخراجه من الشقة حيث لم يكن في حاجة اليها، كما ان اخينا لبس ثوب التقى واعلن تنكره لما بدر منه من فسوق.


ولكن عندما احتاج صاحب الشقة اليها ارسل الى بعض الوسطاء الذين كانوا شهودا على الاتفاق القديم ليتحدثوا اليه. ولكن الغريب ان المحامي رفض مبدأ التخلي عن الشقة وبدأ يستشهد بطول اقامته فيها على انها شقته. واضطر اخيه ان يرفع عليه دعوى فظل يماطل ويخسر الدعوى في محاكم الدرجة الاولى لينقلها الى الاستئناف. وبعد ان يخسرها يبدأ دعوى اخرى جديدة. وظل الرجل مقيما في الشقة منذ عام 1997 الى يومنا هذا ومازال يماطل. كانت الشقة يوم شرائها تساوي 50 الف جنيه وهو الان يطالب بان يعطيه اخيه مئة ألف جنيه حتى يخرج منها او يأخذ مئة ألف جنيه ليتركها له.    

الغريب في الامر وهذا شيء ربما يحتاج الى محللين لدراسته ان الرجل متدين جدا فهو طوال رمضان لا يترك ركعة من التراويح او القيام وعندما يسمع ابن اخيه وهم يستمع الى بعض الاغاني في المحمول يقول له بصوت عال "جهنم وبئس المصير" ويحرص في عيد الاضحى على التضحية ولكن اللحوم التي يرسلها لاخوانه واقاربه ترد اليه مرة اخرى دون ان يقربها احد وهم يتعثرون في خجلهم ويقولون له ان ثلاجاتهم ممتلئة ولا شك ان هناك من هم اولى منهم بها. ولكن الحقيقة انهم يشعرون بالشك فيه وفي أي شيء يمكن ان يأتي من ناحيته. واذا تحدثت الى احدهم وناقشت معه الامر بجدية يقول لك ببساطة شديدة "ياعم هو احنا عارفين فلوسها جاية منين..دي الفلوس بتاعة شقة فلان اخوه الى هو مغتصبها وقاعد فيها بالعافية تجيب له تلات اربع عجول في السنة".

الخميس، نوفمبر 01، 2012

 




السيروس*

ياسوناري كاواباتا 


للصيف الثالث على التوالى اعتاد كوميا ان يدعو العديد من صديقات زوجته فى المدرسة لرؤية السيروس الذى يزهر بالليل.
قالت السيدة موراياما التى كانت اول من وصل من المدعوين وهى تخطو الى الردهة: "انها جميلة ..انظر كم هى كثيرة..اكثر من العام الماضى".
وراحت تحدق فى السيروس.
"الم يكن هناك سبعة فى العام الماضى؟ كم عددها الليلة؟.
كان منزل غربى عتيق الطراز من الخشب به ردهة كبيرة،  ونحيت المائدة جانبا ووضع السيروس فى المنتصف على حامل دائرى،  وكان الحامل أقل انخفاضا بقليل من مستوى الركبة ولكن السيدة موراياما كانت تتطلع الى الزهور.
"انها مثل فانتازيا بيضاء"  قالت نفس الشىء العام الماضى. وقبل عامين، عندما رأت السيروس للمرة الاولى، قالت نفس الشىء بحرارة اكثر.  
وأقتربت اكثر وتمعنت فيه للحظات ثم استدارت لتشكر كوميا.
وقالت للفتاة الصغيرة التى وقفت الى جانب كوميا: "مساء الخير ياتوشيكو..شكرا لك للسماح لى بأن احضر..انك اكبر واجمل.. ان السيروس قد ازهر بضعفى عدد العام الماضى وكذلك انت".
ونظرت اليها الفتاة ولكنها لم تجب. لم يبد انها خجلة ولكنها لم تبتسم.
 "لاشك انك اوليته الكثير من العناية"  قالت السيدة موراياما لكوميا "لكى يزهر على هذا النحو اللطيف".
"اعتقد انها ستكون اجمل ليلة هذا العام". ومن ثم كانت الدعوات المفاجئة، لاشك انه قصد ان يقول ذلك، رغم ان صوته لسبب ما لم يتلفظ بها. 
كانت السيدة موراياما تقطن فى منطقة قريبة، فى كوجينوما. طلبها وقال لها ان هذه هى الليلة - وطلبت هى اصدقائها فى طوكيو. وبلغته بالنتائج: اثنتان من النساء المدعوات لديهن ارتباطات اخرى وثالثة ستنتظر زوجها حتى يعود الى المنزل اما السيدة ايماساتو والسيدة اومورى فسوف تأتيان حتما.
"لقد قالت السيدة اومورى طالما سيكون هناك ثلاثه فقط فانها تتسائل اذا كانت تستطيع دعوة شيماكى سوميكو للحضور. انها لم تأت هنا من قبل  كما انها تقريبا الوحيدة فى الفصل التى لم تتزوج".
ونهضت توشيكو وخرجت من الباب خلف السيروس.
قالت السيدة اومورى: "دعينا ننظر اليها سويا ياتوشيكو".
"لقد رأيتها تزهر".
"هل رأيتيها حقا تتفتق عن الزهر؟ مع ابيك؟ عليك ان تخبرينى كيف كانت تبدو؟".
ولكن الفتاة خرجت دون ان تنظر خلفها.
تذكرت السيدة موراياما ان "كوميا"  روى لها قبل عامين انها تزهر مثل زهرة اللوتس متماوجة  كما لو كان يهب عليها نسيم رقيق.
"هل تكره رؤية صديقات امها؟ أيكون السبب انها لاتريد ان تسمع عن امها؟ كنت اتمنى لو كانت ساشيكو معنا رغم انى اعتقد انها لو كانت هنا لما كلفت نفسك كل ذلك العناء.
رأت السيدة "موراياما" السيروس للمرة الاولى عندما اتت ذات مساء صيفى قبل عامين لتبلغه ان زوجته التى وقعت بينه وبينها جفوة ترغب فى مصالحته. اتت بعد ذلك ثانية مع كثير من الصديقات وطلبوا منه ان يسامح زوجته.
سمعوا صوت سيارة ووصلت السيدة ايماساتو. كانت الساعة تقترب من العاشرة.
 يتفتح زهر السيروس فى المساء وتذبل زهوره فى حوالى الثانية او الثالثة صباحا. لقد كانت زهور لايتجاوز عمرها ليلة واحدة.  بعد حوالى عشرين دقيقة وصلت السيدة أومورى مع شيماكى سوميكو. وقدمت السيدة موراياما سوميكو الى كوميا.
"انها صغيرة للغاية وجميلة وهذا هو السبب فى انها مازالت غير متزوجة".
"ان السبب هو اننى عانيت الكثير من المرض".  كانت عينا سوميكو تتلألأ وهى تنظر الى السيروس. كانت هى الشخص الوحيد الذى لم يره من قبل. راحت تتهادى حوله وتقرب وجهها منه.
كانت الزهور تخرج من جذوع سميكة فى نهاية ورقات طويلة نوعا ما. وكانت الزهرات البيضاء الكبيرة تتأرجح برقة فى النسيم القادم من خلال النافذة. كانت زهرة غريبة، ذات تويجات مختلفة عن تويجات الاقحوان ذى التويجات الطويلة او زهور الداليا البيضاء. كانت مثل زهرة فى حلم، فيض من الاوراق عميقة الخضرة تمتد الى اعلى من الخيزرانة التى تساند الثلاثة اعواد. وهناك ايضا كانت اكثر الزهور. وكما هو الحال فى الانواع  الاخرى من الصبار، كانت المدقات طويلة ونمت اوراق من اوراق اخرى.
ولم تلاحظ سوميكو ان كوميا، الذى راعه استغراقها، قد تحرك الى جانبها.
"هناك عدد كبير منها فى اماكن متفرقة من اليابان، ولكنه من غير المعهود ان يكون هناك ثلاثة عشر زهرة فى ليلة واحدة. انها تزهر ستة او سبعة ليلات فى العام والليلة يبدو انها افضل ليلة".

وقال لها ان مايبدو كبرعم زهرة ليلق كبيرة سوف يزهر غدا، أما النتوءات التى تتخذ شكل حبة الباقلاء على الاوراق فسوف يصير بعضها أوراقا بينما يصير البعض الآخر براعما. وسوف تستغرق البراعم الاصغر حوالى شهر لتزهر.
كانت سوميكو غارقة فى الاريج الحلو، الذى يفوق فى حلاوته الليلق وان لم يكن بنفس الحدة. وجلست دون ان ترفع عينيها عن السيروس: " صوت الكمان، من الذى يعزف عليها؟".
"انها ابنتى"
"يا لها من مقطوعة جميلة. ما أسمها؟".
"يؤسفنى اننى لا أعرف".
وقالت السيدة أومورى "انها عزف جميل يصاحب السيروس"
وبعد ان تطلعت الى السقف لبضع لحظات، خرجت سوميكو الى  مهدة العشب المحيطة بالمنزل وكان البحر تحتها مباشرة.
وقالت عندما عادت: "لقد كانت فى الشرفة، فى الطابق العلوى، فى مواجهة البحر ولكنها واقفة وظهرها اليه. لا أدرى اذا كان ذلك أفضل".

--------------------------------------------
* السيروس cereus : نباتات برية وتزيينية من جنس الصباريات الشوكية.

الخميس، أكتوبر 25، 2012

لنترفق قليلا بصنمي عبدالمنعم رياض وعمر مكرم

 
عمر مكرم


الشيخ يوسف البدري لا فض فوه يدرك ما نعيش فيه من جاهلية واوثان وانحراف ديني ولذلك اقترح الرجل حتى تتطهر مصر من هذه الاوثان والادران الغريبة ان يتم هدم كل التماثيل والأصنام درءا  للفتنة وخشية ان يعود الناس في القرن الحادي والعشرين الى عبادة الاصنام.
 
وانا مع الخطة قلبا وقالبا ولكي نطهر البلد تماما علينا ايضا ان نهدم الاهرامات الثلاثة خاصة وان هدمها الان اصبح امرا ميسورا بفضل التكنولوجيا الحديثة واختراع الديناميت إحدى مآثر نوبل. صحيح ان بن يوسف نجل صلاح الدين الايوبي سعى من قبل الى هدم هرم منقرع واحدث في جانبه فجوة كبيرة ولكنه ادرك ان المشروع يستحيل استكماله بالتكنولوجيا البدائية التي كانت متاحة على ايامه.
غير اني ارجو ان نترفق قليلا بصنمي عبدالمنعم رياض وعمر مكرم فقد كان الصنمان شاهدين على الثورة المصرية منذ انطلاقتها الاولى وكم سهرا مع الناس في ميدان التحرير اثناء الثورة وفي الجمع العديدة التي شهدت اكتظاظ الميدان بالمتظاهرين والمحتجين. ويجب الا ننسى لعمر مكرم انه رفع لافتة يوما مطالبا مبارك بان يرحل. كذلك علينا ان نذكر لصنم عبدالمنعم رياض ان موقعة الجمل بكل دمويتها وعنفها وبشاعتها وقعت تحت عينيه. ولعل الصنم كان يتمزق غيظا من هذا الظلم الفج والسافر ولعله شعر بالخجل من تلاميذه العسكر الذين سمحوا لكل هذه الدماء ان تراق تحت بصرهم على مقربة منه.

ولو مددنا نظرنا قليلا لوجدنا ان صنم سيمون بوليفار ايضا يستحق ان نعفو عنه. ولعل بوليفار لم يكن يدري انه سيأتي عليه يوم ويوضع صنمه في قارة بعيدة عن موطنه وفي بلد غريب تقوم فيها ثورة يكون من مطالبها هدمه. وصنم بوليفار وان كان يبعد قليلا عن الميدان الا انه ايضا شهد من الثورة ما شهد وتناهت اليه انات الجرحي وزفرات الشهداء في الميدان وفي مسجد عمر مكرم القريب. ولو كان بوليفار مد رقبته قليلا وهو واقف مكانه لتسنى له رؤية سيارة السفارة الامريكية الشهيرة التي كانت تدهس المتظاهرين يوم جمعة الغضب وكانت متوقفة بشارع الشيخ ريحان بعد ان اصطدمت بعامود كهرباء.
عبدالمنعم رياض

والتصريح على غرابته عادي جدا في بلد يعتقد البعض انها قامت بثورة للتخلص من نظام حكم بشع فاذا بها تغرق في التفاهة والهيافة والخيبة الثقيلة مشغولة عن عمد او بعفوية متأصلة عن الاهداف الحقيقية للثورة وابرزها تحقيق العدالة الاجتماعية.

مثل هذه الفقاعات الغريبة التي تطفو على السطح من آن لاخر لا احد يعرف حقيقة هل هي لالهاء الناس بتفاهتها ام حب الظهور واحتلال مساحة في وسائل اعلام اصلا تبحث عن كل ما هو تافه لتسوقه الى الناس ام للتشاغل المتعمد عما يجب ان يتم بعد الثورة من ضرورة القضاء على الفساد والتخلص من ذيول الديكتاتورية وتحقيق تنمية اقتصادية يمكن ان تضمن للمواطن المصري الحد الادني مما اصطلح البشر على تسميته بحقوق الانسان.
سيمون بوليفار

المثير للمفارقة ان مثل هذه الدعاوى الخرقاء تسيء الينا وتسيء الى الاسلام الذي يدعي اولئك انهم خدمه وسدنته. كلنا بالطبع قرأ عن الدعوة الى المضاجعة الاخيرة التي قيل ان البرلمان المصري ناقشها قبل حله. وكانت بالطبع كذبة من صحفي مصري لا يستحق الذكر ونشرتها الصحف الاجنبية وان كان البعض منها ادان المقالة باعتبار انها في حقيقتها نوع من التشنيع الرخيص على الاسلاميين. وهناك مقالة اخرى نشرت في مجلة   Frontpage Magazine في يوليو 2012 – هدفها التشنيع ايضا - حول الدعاوي التي نشرتها بعض الصحف العربية نقلا عن شيوخ مصريين وعرب تدعو الى هدم الاهرامات باعتبارها رمزا للوثنية قرأها خلال فترة قصيرة اكثر من 400 الف شخص. وهذا رابط المقالة http://frontpagemag.com/2012/raymond-ibrahim/muslim-brotherhood-destroy-the-pyramids/.

ان القول بان الناس يمكن ان تعود الى عبادة الاوثان في القرن الحادي والعشرين هو استهانة بالعقول وتسفيه لها ومن يتحدث عن شيء مثل ذلك لاشك انه معزول عن الحياة وعن العالم ويعيش في قرون غابرة وسحيقة ولا يدري من امور الحياة التي يحياها شيئا. هل نذكر طالبان ومحاولاتها المجنونة لهدم تمثال بوذا في افغانستان. التفكير الطالباني لا احد مستعد لتقبله في العالم كله وعلى الازهر الذي يفترض انه المؤسسة الدينية الرسمية ان يرفض هذه الدعوات بشدة.


حتى انت يا سكريبد






منذ اكثر من خمسة عشر عاما كتبت مقالة عن انتهاء عصر الكتاب المطبوع فقد كانت هناك تهكنات كثيرة في منتصف العقد الاخير من القرن العشرين بان الكتاب المطبوع فعلا سيتجه الى الاختفاء مع التقدم في استخدام النشر من خلال الانترنت والاتجاه الى استخدام الكتاب الرقمي بديلا عن الكتاب المطبوع. بالطبع تحققت الكثير من التوقعات ولكن الكتاب المطبوع لم يختف ولكن الكثير من الصحف والمجلات ولعل اخرها مجلة تايم الشهيرة، بدأت تقتصر على النسخ الرقمية وتخلصت من الورقية.

غير ان هناك تباين في تعامل المجتمعات مع الكتاب الرقمي. فكلما اقترب المجتمع من التكنولوجيا والحداثة كان الكتاب الرقمي يحتل فيه مكانا اكثر تميزا. وفي العالم العربي مثلا، على الرغم من الكم الهائل من الكتب التي يتم مسحها ووضعها على الانترنت، مازال ينظر الى النشر على الانترنت بشيء من الشك ولا يعتبر الكاتب معترفا به الا اذا صدر له كتاب مطبوع. وانا اشعر بالدهشة ان البعض لا يكتفون بعدم الحصول على مقابل لنشر كتبهم، بل انهم يدفعون اموالا للناشر مقابل قيامه بذلك وهو امر لا يحدث صراحة الا في العالم العربي.     

والواقع ان الكتاب المطبوع – كما يرى البعض - مازال يحتفظ بالنسبة لكثيرين بمزايا كثيرة ويمكنك ان تقارن مثلا جلوسك في فراشك وبين يديك كتاب مع اضطرارك الى الجلوس امام الكمبيوتر لقراءة رواية او ديون شعر. لاشك انه من الافضل ان يكون الكتاب الذي تقرأه في هذه الحالة مطبوعا. ولكن الكتاب الالكتروني ايضا له فضائله حيث تستطيع ان تكبر الخط ليتسنى لك القراءة بسهولة لو كنت تعاني من مشاكل في قراءة الخطوط الاصغر.

والواقع ان الثورة التكنولوجية في عالم النشر الالكتروني ربما افادت الغرب أكثر مما افادتنا وربما كان هذا هو السبب في اننا ما زلنا ننظر الى الكتاب الرقمي او الالكتروني بشيء من الشك. وساضرب مثلا على ذلك. على سبيل المثال اذا كان لديك الموسوعة البريطانية على الانترنت فلاشك ان البحث فيها سيكون سهلا للغاية خلافا للنسخة الورقية التي قد تستغرق بعض الوقت لتصل الى ما تريد. ايضا هناك حالة من تسهيل المعرفة وتوفير الوقت فانا مثلا حصلت على كتاب جورج بوش Decision Points من على احد مواقع التورنت بعد صدوره بايام قليلة جدا وهو وقت يقل كثيرا عن وقت شحنه من امريكا او أي دولة اوروبية الى مصر وتوزيعه على المكتبات. اهم من ذلك انك تستطيع ان تصل الى ما تريده بسهولة بصورة حتى تفوق سهولة استخدام الفهرس الموجود في نهاية الكتاب (ليس كل الكتب بالطبع فيها فهرس بالأسماء) فاذا اردت ان تعرف مثلا كم مرة ذكر مبارك في الكتاب وفي أي صفحات فالامر ميسور.

هذه التسهيلات البحثية للاسف ليست موجودة في اللغة العربية الا في حالة الكتب المكتوبة بصيغة وورد والتي لا يميل احد الى استخدامها كثيرا لسهولة التدخل والتلاعب فيها. وانا لا اعرف حقيقة سبب عدم امكانية البحث في النصوص العربية المكتوبة بصيغة بي دي اف التي يتم مسحها ووضعها على الانترنت، ولكن على ما يبدو فهي مشكلة مستعصية.
 
وموقع سكريبد  scribd من المواقع المشهورة للغاية في نشر الاعمال الادبية من كل انحاء العالم وبكل اللغات. ومنذ سنوات كان يمكنك الدخول الى الموقع وتحميل ما تريد منه دون ان يطلب منك أي شيء. بعد فترة اصبح يتعين عليك لكي تقوم بتنزيل وثيقة او كتاب ان تقوم بتحميل وثيقة او كتاب انت ايضا وكان ذلك لا بأس به. فتحميل كتاب من الهارد ديسك لديك ليس بالأمر الصعب. كان الموقع كله مجانيا سواء في التحميل او التنزيل. ولكن الموقع بدأ منذ عدة سنوات يتيح لمن يضعون اعمالا عليه في دول معينة ان يحصلوا على مقابل مادي وهي طريقة بالطبع تستخدمها أمازون ودور النشر والتوزيع الاخرى مع الكتاب الالكتروني. والجديد في حالة سكريبد انه اتاح ذلك للمقيمين في دول معينة دون غيرها اعتقد انها حتى الان هي استراليا وبريطانيا وامريكا. لكن الغريب ان الموقع مؤخرا بدأ يطالب كل من يحاول ان ينزل كتاب منه بان يشترك فيه بمقابل مادي حتى اولئك الذي يضعون فيه كتب ولا يستفيدون منه ولا يحصلون على أي مقابل مادي على قراءة وتنزيل اعمالهم وهو وجه من وجوه الاستغلال السخيفة ان تستغل اعمالك في الاعلانات وفي نفس الوقت تطالب بدفع مقابل لتنزيل كتب اخرى من الموقع. 

وموقع سكريبد له مزايا لا تتوافر على مواقع اخرى فانت يمكنك ان تتحكم في الوثيقة التي تضعها اذا ما كنت مثلا تريد ان تتيح تنزيلها من قبل الاخرين او طباعتها او تظليلها ونسخها او الغاء كل ذلك والاكتفاء باتاحة قراءتها فقط.

والواقع ان هناك ميل الى الحد من التوسع في استخدام الانترنت في النشر في العالم وهذا التقييد لا يأتي من العالم الثالث بل من امريكا والغرب بصفة عامة، وذلك حرصا على حقوق الطبع لدور النشر الكبرى. وموقع gigapedia على سبيل المثال كان اكبر موقع للتعليم والنشر في العالم ولكن الامريكيين اغلقوه بحجة الحفاظ على حقوق النشر.