الصفحات

الخميس، مايو 31، 2012

كيف يؤدي شفيق اليمين







يبدو في حكم المؤكد الان ان شفيق قادم قادم..سواء بالعافية او بالتزوير..سيكون شفيق هو الرئيس..ولكن كيف سيؤدي اليمين...في حكم المؤكد ايضا انه سيؤديه على طريقة مبارك باعتباره مثله الأعلى.

الأربعاء، مايو 30، 2012

بلاها مرسي وبلاها شفيق وهاتوا لنا رئيس ناجح ومجرب من برة



ليس عيبا ان نعترف باننا لا نجيد التصويت في الانتخابات وليس لنا دراية وخبرة بشؤون الحكم. ولكن العيب ان نكابر ونصر على اننا خبراء في هذا وذاك لمجرد اننا ولدنا على ارض دولة كانت يوما ما، في عهد الفراعنة، تمثل مجتمعا حضريا من اقدم المجتمعات التي عرفتها البشرية. ولكن الفارق الزمني بيننا وبينهم اضاع تلك الخبرات والمعارف ومازلت مصرا على اقتراحي. 

محادثة بعد منتصف الليل









س:     صباح الخير يا ص..ايه اخبارك.

ص:    صباح الخير يا افندم..ايه اخبار سيادتك؟.

س:     الحمد لله..انا اسف ان كنت انا بازعجك بالليل بس انا قلت اكيد انت صاحي..اكيد بتفكر في الاوضاع زي نوبة حالاتي.

ص:    والله يا افندم النوم بقى صعب وعزيز على الواحد.

س:     انت ها تقولي لي انا عارف كويس..المثل بيقولك ايه...اسأل مجرب ولا تسأل طبيب.

ص:    بمناسبة الطبيب يا افندم...انا سامع ان سيادتك صحتك تحسنت في الايام الاخيرة كويس قوى.

س:     يعني الحمد لله..افضل من المرة الاخيرة الى انت كنت عندي فيها قبل الانتخابات باسبوع..بس امسك الخشب لان صحتي زي مصر تمام..مش مستقرة..ساعة كدا وساعة كدا.

ص:    لا ما تخافش يا افندم انا قاعد على المكتب وماسك الخشب بأيديا الاتنين...وبعدين انا بادعيلك دايما في صلاتي.

س:     ربنا يخليك ياص..على أي حال بانا باشكرك كتير علشان تحسن صحتي.

ص:    ازاي يا افندم هو حضرتك كنت بتشتكي من نقص ادوية ولا حاجة وجالك مؤخرا.

س:     لا ياراجل..الاولاد في المركز واخدين بالهم مني تمام مش مخليني ناقص حاجة ابدا..
(يضحكان بصوت عال)

س:     انا اقصد حاجة تانية خالص...انا صحتي مرتبطة بصحة مصر..لو مصر صحتها تعبانة تبقى صحتي تعبانة..لو مصر صحتها كويسة,,تبقى صحتي كويسة..وانا صحتي ما اتحسنتش في الأيام الاخيرة الا لما حسيت ان مصر صحتها تحسنت وانها على وشك تسيب المستشفى.

ص:    مش فاهم يا فندم قصد سيادتك ايه...

س:     انا قصدى ان شفا مصر ها يكتمل لما الرجل بتاعنا يمسك الدفة..وانا كمان صحتي ها تبقى بمب...

ص:    (يضحك عاليا ويقاطعه) انا مش متابع خط الحديث لان سيادتك وديتني في سكة تانية خالص..وانا باسأل نفسي يا ترى هو ما بيتكلمشي في الموضوع اياه ليه...يكون حد فهمه ان احنا قصرنا في حاجة..انا كدا متابع سيادتك تمام..

س:     بصراحة الرجل شكر فيكوا جدا جدا وكان عندي امبارح بالمناسبة..وحكى لي كل الى انتوا عملتوه معاه وقال لي بصراحة لولا دعمكم ليه ما كانش ها يطلع حتى الخامس.

ص:    احنا بصراحة ما سبناش حاجة الا ما عملناها معاه..لدرجة ان انا كنت باتوقع انه يفوز من الجولة الاولى بفارق كبير..لكن رغم دا طلع التاني.

س:     (ضاحكا) معلشي اصله طالب غبي وما بيذاكرشي كويس..وعاوز شوية دروس خصوصية علشان ترفع مستواه..انا كنت عارف انه ها يغلبك ويقرفك طول السنة دروس وبهدلة وفي النهاية مجموعه مش ها يوديه حتى معهد دودة القطن.
(يضحكان سويا)

ص:    احنا ما سبناش مادة الا ما اديناه فيها دروس حتى في الرسم والتربية الرياضية وما سبناش مدرس الا ما قعدناه معاه يشرح له ويوضح له..حتى في لجنة الامتحان كنا بندخل له الكتب ونخلي المدرسين يكتبوا له.

س:     معلهشي ان شاء الله في الدور التاني يجيب مجموع حلو يخش طب ولا هندسة ويتربى في عزك وتفرح بشهادته الكبيرة.

ص:    احنا ها نفرح كلنا مش انا لوحدي..بس الدور التاني امتحانه اصعب من الدور الاول..انت عارف الظروف.

س:     لا اسمع..ماتقوليش لا ظروف ولا جوابات...انت الى ماسك الكونترول من الاخر وانت الى بتطلع النتيجة.

ص:    يا افندم العملية فيها صعوبات كبيرة..احنا ما نقدرش نتدخل بطريقة واضحة..انت عارف حساسية الموقف والدوشة الى عملها نجاحه في الدور الاول.

س:     خلي بالك انت ممكن تبوظ طبخة كبيرة جدا تعبنت فيها سنين علشان شوية ملح..ما تمسكشي ايدك في البهارات البسطية دي....اوعى...

ص:    الموقف يا افندم ما يستحملشي...

س:     الموقف لازم يستحمل..بلاش علشاني انا علشانكم انتم ومصالحكم...انتوا فكرتوا في السيناريو التاني لو هو ما جاش ها تبقى الاوضاع عاملة ازاي.

ص:    يعني ها نعمل ايه؟

س:     اضغط شوية..انتوا من ساعة ما مسكتوا السلطة والامور ماشية كويس..مش معقول ها تقطعوا الشوط دا كله وتيجوا تبوظوا المسائل علشان فركة كعب.

ص:    الفركة دي ممكن ارواح كتير تضيع فيها.

س:     ياما ارواح راحت وها تروح..وانت قالق نفسك ليه..لو فيه واحد بيموت الظهر بيكونوا مخلفين عشرة بداله قبل العصر.

ص:    احنا عاوزين صورتنا ادام العالم ما تبقاش وحشة..هي زي الزفت بالفعل ادام الشعب.

س:     سيبك من الصورة والكلام الفاضي دا..عاوز اقولك على حاجة مهمة جدا..انت لو قعدت مكاني يومين اتنين بس ها تكتشف ان موضوع صورتك ادام العالم دي وهم مالوش معني ومش ها تفكر فيها للحظة...وبعدين انت مش شايف الى بيحصل في سوريا..تفتكر لو بشار حط في دماغ امه الصورة والكلام الفاضي دا كان استمر اسبوع..كان زمانه مرمي دلوقتي في الضاحية الجنوبية عند نصر الله او في أي مستشفى في دمشق.

ص:    انا يا افندم ما باقولشي ان احنا مش ها نساعده...لكن الموضوع ها يبقى محسوب..هو مفروض يستعين بالناس بتوعكم القدام زي الجولة الاولى واحنا ها نطنش الى في ايدينا ان احنا نطنشه..ونعمل الى في يدينا نعمله..ومش ها نقصر معاه خالص.

س:     من غير دعم مباشر مش ها يحصل معهد دولسي..وانت ما ترضاش اخينا التاني وجماعته يخشوا طب القصر العيني والرجل بتاعنا يسقط..ماتنساش ان سقوطه ها يبقى سقوط لينا كلنا...اوعى تفهم ان اخينا وجماعته ها يسيبوكم ولا ها يسيبوني..لا..انتوا بتحملوا...

ص:    احنا اعلنا ان ان احنا مش ها نتولى أي مناصب ومش ها نشتغل بالسياسية بعد انتخاب الرئيس علشان نقطع أي سكة على أي حد.

س:     دا مش كفاية..دا يمكن سبب ادعي انهم يتوحشوا معاكم..يمكن لو في السلطة ها يخافوا منكم شوية..وبعدين فيه جرائم لا تسقط بالتقادم..وانت عارف المحاميين في مصر يقعدوا ينفخوا في الحبة لما تبقى قبة وبعدين يشيلوها يحطوها في الطريق العام وتبقى كارثة.

ص:    انا حاسس يا افندم ان مخاوفك مبالغ فيها شوية.

س:     لا..لا..اوعى تكون فاهم انا مهتم..انا مش ها تفرق معايا لو خدت حكم بخمسين سنة سجن او حتى اعدام...لو سجن اديني قاعد زي ما انا قاعد لو اعدام ها ارتاح خالص..انا بافكر فيكم انتم...

ص:    ما تقلقشي علينا يا افندم احنا فكرنا في كل حاجة وما سبناش خرم ابرة ممكن يعدي منه أي خطر. لكن بالنسبة لسيادتك..لو عاوز تزوغ على برة ممكن نساعدك في الموضوع دا.

س:     انا يهمني مصر يا اولاد..انا كبرت على الهرب والتنطيط والكلام دا..اروح اقعد في السعودية زي زين العابدين؟..لا مش دا الى انا عاوزه...عاوز اعيش في مصر واشوفها بترجع تاني لسكة السلامة الى انا سبتها عليها. عاوز اسيب فيها ناس امينة عليها وبتحبها زي الرجل بتاعي. وعلى فكرة انا مش طمعان منه في عفو ولا حاجة..وهو لما كان هنا قال لي قرار العفو ها يبقى جاهز بعد اداء القسم على طول..انا قلت له لأ... انسى الموضوع دا دلوقتي خالص انا مش مستعجل اسيب المركز.

ص:    احنا عاوزينه اكتر من سعادتك وها نبذل اقصى مافي وسعنا لكن باقول لسعادتك وأكد لك تاني النتيجة مش مضمونة..

س:     انتوا عملتوا مع الرجل حاجات الحزب في عنفوانه ما كانش بيقدر يعملها..انتوا كملوا جميلكم..ما تقوليش ان الموقف محتقن والموقف مورم..الى انا اعرفه ان الامور لما يكون لازم تمشي في اتجاه معين لازم تمشي فيه...الا اذا كان بقى فيه حاجات انا مش واخد بالي منها ولا سيناريوهات انتوا حاطينها بقى ونايمين عليها...

ص:    سيناريوهات ايه يا افندم الى سعادتك بتتكلم عليها..ويا ترى هو الى قالك الكلام دا؟.

س:     هو لا اتكلم ولا نيلة..دا انا عمري ما شفت حد حاسس بالجميل تجاهكم زيه..طيب تعرف انه بيقول لي لولا انه مكسوف ولولا ان دا مش سلوك عسكري كان عاوز يوطي على ايدك يبوسها...هو ما قالش حاجة..الكلام دا جاي من برة...

ص:    كلام ايه يا افندم الى جاي من برة؟.

س:     اهو كلام بقى يا ص..انت عارف الناس اهي بتتكلم في كل حاجة من ساعة الهبابة دي الى بيسموها  
          الثورة.

ص:    مش ممكن اعرف الكلام دا ايه علشان اطمن سيادتك اذا كان صح ولا غير كدا.

س:     بصراحة..بيقولوا ان ما فيش جولة اعادة...وان انتوا مرتبين ان انتوا تستمروا في السلطة سواء تمت جولة الاعادة او ما تمتش.

ص:    دا كلام غير حقيقي بالمرة لان احنا فعلا عاوزين نرتاح..بس عاوزين نطمن ان احنا سلمنا مصر للشخص الصح...

س:     انا مش فاهم...قصدك ايه يا ص.

ص:    بكرة يا افندم سيادتك ها تشوف بعينك..لكن عاوز اطمن سعادتك..دعم الرجل بتاعك دا اولوية من اولوياتنا..لكن لو ما جابش نتيجة..تفتكر ها نقعد نتفرج؟.

س:     مش ممكن اعرف انتوا ها تعملوا ايه؟.

ص:    للاسف يا افندم دي سيناريوهات مش مسموح لي ان اتكلم فيها مع حد..لكن عاوز اطمن سيادتك تمام ان وضعك ووضع الاولاد امن جدا جدا سواء في مصر او برة..ودا كل الى اقدر اقوله لسيادتك في الوقت الحالي...وتصبح على خير علشان انا عاوز اصحى بكرة بدري.

س:     تصبح على خير..بس ياريت تبقى تسمح لي اكلمك كل كام يوم من غير ما اعطلك.

ص:    سيادتك ممكن تطلبني في أي يوم بس يفضل دايما يكون في الميعاد دا....تصبح على خير.

س:     وانت من اهله.                      
           



الثلاثاء، مايو 29، 2012

الله يرحمها كانت ثورة بنت حلال




تضاعف تشاؤمي اليوم اكثر من الأيام القليلة الماضية عندما سمعت عن حرق مقر المرشح احمد شفيق في الدقي وكما يقول المثل معظم النار من مستصغر الشرر وقد تكون هذه هي البداية. وعلى ما يبدو فان الثورة المصرية تدخل مرحلة الاحتضار..اي مرحلة النهاية والأفول. والسيناريوهات كثيرة ومتنوعة ولكنها تقريبا كلها تسير في اتجاه واحد...وهذا الاتجاه يقود الى نهاية الثورة.

وبالطبع جعلت نتيجة الجولة الاولى من الانتخابات المصريين يشعرون بان الثورة في خطر فقد اجتازها احد اقطاب النظام السابق ويستعد للاعادة مع ممثل الحرية والعدالة الذي لحق بالسباق في اخر ايامه بعد اداء سيء لجماعته في البرلمان كان مقصودا ان يكون كذلك من قبل قوى اخرى تمكنت من استدراجهم الى هذا الموقف، وقاموا هم لشبقهم الشديد للسلطة بابتلاع الطعم.

ولاشك ان جميع القوى المضارة من القضاء على الثورة يراجعون انفسهم ولكن في بعض اللحظات تكون المراجعة قد فات اوانها ولا تفيد الا كمصدر لاستخلاص العبر والدروس تهيئة لتطبيقها في مواقف مماثلة في المستقبل قد لا تأتي ابدا. ويبدو ان الجماعات السياسية في مصر، مثلها في ذلك مثل نظام مبارك ادمنت "الشغل بالقطعة" واستخدام المسكنات في الازمات والوقوف موقف المتفرج الذي ينتظر ان يقوم غيره بعمل ليقوم هو برد الفعل عليه. نظام مبارك على مدى 30 عاما اورث الناس طرق تفكيره وانماط سلوكه وحتى نفس اسلوب عمله.


لقد تقاعست القوى السياسية كلها عن اصدار قانون العزل ولاسيما الاخوان ولم تثر ثائرتهم الا بعد ان رشح عمر سليمان نفسه فهددوا وارغوا وازبدوا وصدعوا الدنيا ضجيجا وصياحا. ولكن بمجرد انسحاب سليمان هدأت الامور وكان يجب ان يصروا على تطبيق القانون على احمد شفيق ولكنهم لم يفعلوا لانهم اعتبروا ان شفيق ضعيف ومن غير المرجح ان يتجاوز الجولة الاولى باعتبار انه من الفلول ورئيس وزراء موقعة الجمل...الخ.

لم يفكر احد انه يمكن ان تكون هناك سيناريوهات كثيرة تمضي في منحنيات زلقة لا يستطيع احد منهم ان يسيطر عليها ولكن هذا هو ما حدث بالفعل فقد نجح الحزب الوطني الذي ادار الاوضاع في البلاد لفترة طويلة ويتمتع بنفوذ كبير جدا في المناطق الريفية في حشد اتباعه لانتخاب شفيق. والمواطن المصري العادي الذي يعتقد اعتقادا جازما من تجارب طويلة ان مجيء رئيس معين أو آخر لن يؤثر بأي حال من الاحوال على حياته يمكن ان يتوجه الى اللجنة ويدلي بصوته كنوع من المجاملة لصديق او قريب اوصاه بذلك، فما بالك عندما تكون هناك مغريات اخرى كمنحه مبلغ من المال او الوعد بوظيفة لابنه او تسهيل ادخال الكهرباء لمنزله المخالف.

وحتى الان لا يعرف الدور الذي لعبته ماكينة الدولة ايضا في دفع شفيق الى هذا الموقع المتقدم. هناك احاديث كثيرة عن توجيه الموظفين وتخويفهم بانه اذا ما جاء رئيس آخر غير شفيق فقد يسرحون من وظائفهم ويجلسون في بيوتهم، اضافة الى مقولات كثيرة عن قيام افراد من الجيش والشرطة بالتصويت له.

الموقف الان يبدو مشحونا بنذر مخيفة ولا احد يعرف الى اين ستقود السيناريوهات المتخيلة المختلفة. ومن المرجح اذا حدثت اعمال عنف قبل جولة الاعادة ان يتم الغاء الانتخابات وفرض الاحكام العرفية واستمرار المجلس العسكري في حكم البلاد الى ما شاء الله. واذا ما نجح شفيق وتم فرضه بالقوة ستكون هناك اعمال عنف اكثر ربما تفوق ما حدث في الثورة. ومن المرجح عندئذ ان تشعر كل القوى السياسية بالخزي انها لم تكتف باضاعة الثورة فحسب بل وضعت البلاد على طريق بلا معالم.


الاثنين، مايو 28، 2012

الثورة من مبارك الى مبارك




عبدالناصر

محمد نجيب












يقول المثل المصري الشعبي "جات الحزينة تفرح مالقتلهاش مطرح" وهو يوجز حياة المصريين الى حد كبير فالمصريون طوال تاريخهم عاشوا في عسف وجور وحتى عندما يحاولون تغيير الاوضاع بالانتفاض او الثورة عليها فان الثورة لا تلبث ان تسرق او تصادر او تنحرف عن مسارها وتعود نفس صورة الحياة المضحكة الى سابق عهدها وان يكن بتنويعات مختلفة.

والثورة التي قام بها بعض الحالمين بالتغيير في يناير 2011 تظهر دلائل كل يوم على انها لم تكن ثورة الشعب كله بل ان هناك قوى في المجتمع تعمل بوعي منها او بدون وعي ضد تقدمه. الثورة قام بها عدد قليل جدا من المصريين يمكنك ان تقول انها طليعة هذا الشعب ولكن الشيء الطبيعي ان يشمل التغيير المجتمع كله حتى لو قام بها افراد قلائل. غير ان الشعب المصري يصعب ان تطبق عليه القواعد التي تنطبق على بقية الشعوب.

المصريون لهم خصوصيتهم فقد اعتادوا تاريخيا ان يقفوا من شؤون الحكم على انها شيء ليس مما يختص به الرعية بل هي من الامور العليا الذي يعد الخوض فيها حكرا على فئة الحكام. وكانت الطبقة الحاكمة دوما في مصر من غير الشعب. ونظرا لموقعها الجغرافي المتميز ظلت مصر تحت الحكم الاجنبي على مدى الفي عام. وطوال هذا الفترة كان الحاكم يفد الى مصر اما غازيا او مبعوثا لغاز آخر ومعه طاقم الحكم وقواته العسكرية فيحكمون البلاد ما شاء لهم الله الى ان يأتي حاكم اخر فيتغلب عليهم وهكذا دواليك.

الملك فارق ومصطفى النحاس


والمصريون مثلا لم يلتحقوا بالجيش الا في عهد محمد علي ويقال ان الباشا قال لبعض المسؤولين لديه انه لمح "نجابة في ابناء المصريين" وطلب منه الاستعانة بهم في الجيش. وهذه هي الفترة التي شهدت ارسال البعثات التعليمية الى فرنسا وبروز فكرة مصر كدولة ليس مجرد جزء من الخلافة العباسية او الفاطمية او العثمانية.

ولم يشارك المصريون في الحكم قبل ثورة 1952 وان كانوا قد شاركوا قبلها في تشكيل حكومات في ظل الملكية والاحتلال الانجليزي. ومن هنا فان انتخابات الرئاسة المصرية في عام 2012 تعد هي الاولى في تاريخ مصر كله التي يتاح فيها للمصريين اختيار حاكمهم. ولانها التجربة الاولى فقد شابها الكثير من الكوارث. ومنصب الرئيس في مصر يحتل اهمية كبرى نظرا للسلطات الكبيرة الممنوحة التي يتمتع بها. وكان مبارك يتمتع بسلطات امبراطورية كما يقول البرادعي. ولا تكاد سلطات الرئيس الامريكي وهو صاحب اوسع سلطات في أي ديمقراطية غربية حديثة تعادل جزءا صغيرا من سلطات مبارك. ومنصب الرئيس في مصر يحمل ظلالا تاريخية هائلة فهو الحاكم والسلطان والخديوي والامير والوالي والخليفة..الخ.
احمد شفيق

وكثير من المصريين يشعرون بالحنين لنظام مبارك وهو حنين الى العبودية والاستعباد توارثه الشعب من اجيال وهو ارث يصعب التخلص سواء بالتعليم او التلقين لانه على ما يبدو داخل في تركيب الشفرة الجينية. ومن هنا كان هذا التصويت الكبير لشفيق الذي دفع به – وفقا للنتائج المعلنة حتى الان – الى المركز الثاني واحتمال دخول جولة الاعادة.

وقد يأتي شفيق المحسوب على نظام المخلوع واخر رئيس وزراء له ومن اقرب المقربين اليه الى السلطة. وعودة شفيق بعد الثورة ليست مستغربة خاصة اذا كان من مصلحة العسكر وايضا من مصلحة الحزب الوطني الحاضر الغائب ان يتولى السلطة شخص مثله. ولكن المضحك ان تجد اشخاصا انفقت عليهم الدولة من دم هذا الشعب الكادح لتعلمهم وتجعل منهم اشباه بشر ومع ذلك يذهبون للتصويت لشخص يمثل النظام السابق. وبعيدا عن أي انحيازات سياسية فان التصويت لشفيق بما ينطوي عليه ضمنا من عودة نظام مبارك يكشف عن غباء لم يفلح التعليم عند هؤلاء في تبديده.
المخلوع

وكل يوم يتكشف لنا ان الة الدولة الغبية كلها كانت تقف مع شفيق. ولا يحتاج التزوير الى ان يكون سافرا وفجا ومباشرا كما كان في عهد المخلوع بل هناك اليات كثيرة حديثة وجديدة يمكن ان توجه الناخب في النهاية الى التصويت لشفيق دون ان يشعر بأي غضاضة.

واذا سارت الامور على هذا النحو ونجح شفيق في الانتخابات فما الذي نتوقعه؟. من المتوقع في اسوأ الاحوال ان تدخل مصر في حالة اضطرابات شديدة قد تكون اسوأ من ثورة 2011 وفي افضلها ستدخل مصر في حالة سكونية استعدادا للنكوص السريع الى الخلف وربما الغرق التام مع عودة نظام مبارك مرة اخرى.

وسيكون مبارك بذلك هو اسرع حاكم في العالم عاد بنظامه الى الحكم لانه لم يبتعد عن السلطة الا نحو عام ونصف. ولو كان مبارك قد خسر السلطة في انتخابات مثلا لما عاد اليها هو او حزبه او تنظيمه او نظامه قبل اربع او خمس سنوات على الاقل مع بدء انتخابات جديدة. ولكن المفارقة انه يعود بعد عام ونصف الى سلطة لم يخسرها في انتخابات بل في ثورة على نظامه قتل فيها الاف واصيب الاف وعطلت مرافق الدولة وانهار فيها اقتصادها. ولكن هذه هي كوميديا السياسة في مصر.

وبالرغم من ان اعطاء الشعب المصري حق التصويت لاختيار الحاكم جاء متأخرا للغاية في العام الثاني من العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين الا ان المماليك الجدد يأبون الا ان تكون السلطة لهم وان يظل "الزعران والحرافيش" الذين صوتوا في بطاقات انتخابية بعيدين عن اتخاذ القرار في شؤون عليا تخص فئة بعينها كما كان الحال دوما.


الأحد، مايو 27، 2012

الحقائق القديمة صالحة لاثارة البهجة



مجدي الكردي






ما اشبه الليلة بالبارحة وما اشبه عودة النظام بما كانت عليه مصر منذ سنوات او حتى اشهر ليست بعيدة. هذا موضوع قديم كتبته في بداية حملة الكردي الذي كون ائتلافا يدعو لتولي جمال مبارك السلطة كان تائها بين ملفات كثيرة. ولم قرأته شعرت كأنني كتبته بالامس او كتبته لتوي. هل تغيرت مصر فعلا عما كانت عليه في تلك الايام ام انها ظلت تائهة نحو عام ونصف لتعود ثانية لاحضان الحزب الوطني والنظام القديم. 


  
جمال مبارك

أنا لا اعرف الاخ مجدي الكردي ولم يسبق
لي ان التقيت به من قبل ولا سمعت حتى باسمه
ولكن فكرة الائتلاف الذي شكله لدعم ترشيح جمال مبارك هي في الاساس فكرتي. وانا لا اقصد بطبيعة الحال ان الرجل سرقها مني لا سمح الله ولكن المسألة لا تعدو ان تكون توارد خواطر بيني وبينه. فالفكرة موجودة في ذهني من زمن ولكني كنت أؤجلها يوم بعد الاخر وهي عادة الكسل الملازمة لي التي اضاعت مني الكثير من الفرص الثمينة والتي ربما كانت الدعوة الى ترشيح جمال مبارك هي اثمنها على الاطلاق الى ان قرأت في 28 يوليو حوارا في المصري اليوم مع الكردي فشعرت ان فرصتي ضاعت الى الابد.

غير ان منطلقاتي ربما كانت مختلفة قليلا عن منطلقات الكردي. فالرجل يقول ان الائتلاف يضم اربعة الاف من افقر فقراء مصر انفق 50 الف جنيه على الدعاية والملصقات لنجل الرئيس. لنلاحظ اولا ان الفئة التي يتكون منها اعضاء الائتلاف لا يتوافر لهم القدرة على الحكم على الامور اطلاقا لان الجهل عادة ما يصاحبه المرض والفاقة. ولنكن واقعيين اكثر اذا قلنا ان هؤلاء لكي ينضموا الى الائتلاف المذكور لاشك لدي في انهم حصلوا على مبلغ من المال ربما لا يزيد على عشرين جنيها لكي يوقعوا اوراق الائتلاف, وهي نفس طريقة شراء الاصوات في الانتخابات، فالمهمشين في المحروسة الذين ذاقوا مرارة الحرمان والفقر لا مانع لديهم ان يصوتوا للشيطان مقابل مبلغ من المال يتقاضوه على باب اللجنة، قد يصل في بعض الاحيان الى مجرد سندوتش وذلك لانعدام الوعي السياسي مقرونا بالفقر المدقع.

ولنلاحظ شيئا اخر. ان الائتلاف قد يتبلور في صورة جمعية او هيئة ويحق له عندئذ ان ينظم مسيرات مطالبة بتولي نجل الرئيس السلطة وبالطبع سيكون الامن في منتهي التسامح مع مثل تلك المظاهرات السلمية ولن يعترضها جندي امن مركزي واذا وجدوا حولها فانما هم لحمايتها وتأمينها من الغوغاء.

ولكني اقول ان منطلقاتي مختلفة عن منطلقات الرجل. فمصر في عهد مبارك وعلى مدى ثلاثة عقود تقريبا من حكم الحزب الوطني وصلت الى حالة من التردي غريبة جدا حتى ان البعض يصفها بانها سفينة تعطل محركها في عرض البحر وتنتظر رحمة السماء. ولكن الوصف الصحيح لمصر هي انها مريضة في الانعاش لا يرجي لها شفاء بالمرة واجمع كل الاطباء على ان حالتها ميئوس منها ولكنها تعيش على اجهزة التنفس والتغذية الصناعية عسى ان يأتي يوما وتفيق من غيبوبتها. ولما كانت الغيبوبة قد طالت فالبعض يرى انه من الافضل ان نرفع عنها اجهزة التنفس الصناعي ونتركها لتلقى ربها في سلام. وربما خرجت من رحم الموت مصر اخرى جديدة لا نعرفها ولا عهد لنا بها. مصر التي تعيش في زمنها غير مبتورة الصلة بالعالم من حولها. وهذا هو السبب الذي من اجله كنت انوي تكوين الائتلاف المجيد اياه حتى لا تطول الغيبوبة ولكن الكردي سبقني لاني ارى جمال هو الوحيد الذي يمكنه رفع اجهزة التنفس الصناعي عن مصر لانه الوحيد الذي يعرف كيف ادخلها والده الانعاش.  

والواقع ان الكردي لم يفعل ذلك الا بدوافع وطنية بحتة فالرجل يري رأي العين المؤامرات الخارجية وهي تحاك لمصر – وهي بالمناسبة نفس الحجة التي قدمت لتمرير التعديلات الدستورية العجيبة – ويرى ان جمال – وحده دون غيره لسبب لا يعلمه الا الله – سيتصدى لهذه المؤامرات.

غير ان الكردي لم يبسط لنا – ربما لاسباب امنية – طبيعة هذه المؤامرات ولماذا يعد جمال مبارك هو الوحيد المؤهل للتصدي لها من بين 85 مليون مصري. يبدو ان الكردي يفترض ان كونه من بيت الرئاسة فهو على اطلاع على هذه المؤامرات وكم شارك والده في التصدي لها وبالتالي فهو متمرس في افشال هذه المؤامرات وحماية الوطن من كوارثها.

ويعترف الكردي ان مصر مليئة بالفساد ولكن جمال سيتصدى للفساد. والدليل الدامغ الذي لا يرقي اليه شك هو تصريح جمال بذلك. والتركيز على تصريح جمال مبارك حول التصدي للفساد واعتباره امرا واقعا لا يمكن ان يحدث عنه تبدل او تحول يعني اننا سنبدأ عهدا جديدا لا تكون فيه كلمات المسؤولين مجرد طنطنة فارغة وكلاما للاستهلاك المحلي ويعني في نفس الوقت الطعن في تصريحات كل المسؤولين الحالين حول التصدي للفساد. ولكن من اين اتى اليقين للسيد الكردي؟ لا احد يعرف ولا هو حتى قال لنا.

بقي ان نشير الى التناقض العجيب بين ائتلاف يضم افقر فقراء مصر يدعو لتوريث السلطة في نظام يقوم على التحالف القوي بين السلطة ورأس المال ولا يبالي بالمرة بالفقراء واوضاعهم بل يعتبرهم مجرد بطاقات انتخابية ليس اكثر.  


السبت، مايو 26، 2012

الإخوان والنخبة والبطة البرية



هنريك إبسن


حال الإخوان والنخبة الان بعد الجولة الاولى من انتخابات الرئاسة المصرية اشبه بزوجين كانا قد اتفقا على الطلاق لاستحالة العشرة بينهما وجلسا في انتظار المأذون الذي سيأتي حالا ليوثق فراقهما الابدى. ولكن جرس الباب يرن وبدلا من ان يستقبلا المأذون المنتظر يكتشفان ان القادم، على طريقة البطة البرية لابسن وعلى نحو معكوس، هو طيف علاقة قديمة تهدد بمحق الطرفين اذا مضيا في طريقهما قدما واصرا على الانفصال.

ومن اجل تطهير البيت والمكاشفة المطلوبة يتعين ان يتم التضحية بالبطة البرية. ولكن التصويب قد لا يكون محكما والشخص المطلوب منه قتل البطة البرية وهي هدفيج الطفلة الجميلة الي تزحف الغشاوة على عينيها بفعل الوراثة (والتي تمثل في حالتنا هذه الشعب المصاب بالغشاوة السياسية) قد تكون هي الضحية. اما البطة البرية التي ترمز لكل الرجس في المنزل وفقا للقادم المثقل بمثاليته المريضة فتنجو من الهلاك.
محمد مرسي

ولان التهديد الذي حمله القادم الجديد خطير يبدأ الزوج في الحديث:

-        أنا اسف عن كل ما حدث..يمكننا ان نبدأ من جديد.
-        ولكنك طالما قلت ذلك..مرات ومرات..وكل مرة تقول ستكون بداية جديدة لنصل الى نفس النهاية.
-        لا تنس انني اعمل في اطار اكبر بكثير من حدود تصوراتك.
-        عليك ان تعمل لبيتك وزوجتك اولا قبل ان تعمل لنفسك وللاهداف الكبرى.
-        لدى مشروع سيجعل هذا البيت وهذا الحي بل والعالم كله جنة.
-        انت تعيش في الاوهام وتجر هذه المنزل الى الضياع بنظرياتك غير الواقعية.
-        اعطني الفرصة وسترين.
-        كثيرا ما قلت ذلك ولا يتمخص الامر في نهاية المطاف الا عن سراب والام واوجاع.
-        اختبريني للمرة الاخيرة..ولا تنسى اننا يجب ان نكون يدا واحدة في وجه الخطر.
-        ولكن ما ان يزول الخطر حتى تتجاهلني ككل مرة وتعتبرني نسيا منسيا بل وتستأسد علي.
-        هذا لن يكون ابدا..لقد تعلمت من اخطاء الماضي يا حبيبتي وستجديني شخصا مختلفا تماما.
-        وكيف اثق في ان كلامك سيكون صحيحا هذه المرة.
-        اطلبي أي ضمانات تريدينها وستجديني طوع بنانك.
-        اذن نوقع اتفاقا...
(وهنا يتململ الزوج ويبدي تبرما يغلفه بابتسامة)
-        ولكن ياحبيبتي هل العلاقة بين العشاق تجدي معها المواثيق..الحب اكبر من كل المواثيق والمعاهدات.
-        اريد ان تبذل هذه التضحية من اجلي لكي اعرف قيمتي عندك من ناحية ولكي لا تغدر بي مرة اخرى.
-        كيف اغدر بك..معاذ الله..الا يشفع لنا الماضي الذي عشنا فيه لحظات سعيدة.
-        كانت لحظات...اما الباقي فكان كله خداع واحتيال وانتهازية.
-        كيف تصفين حبنا العظيم هذا الوصف الفظيع..صحيح كانت هناك ازمات..ولكننا كنا نتجاوزها...
-        الا الازمة الاخيرة..هل نسيت من كنا ننتظر قبل ان يحل علينا ذلك الغريب.
-        صحيح كنا ننتظر المأذون..ولكن ذلك كان استجابة لرغبتك..لا تعرفين كم كنت اعاني وانا اصادق على قرارك باستدعاء المأذون..ولكني تعاملت مع الامر في اطار تلبية كل ما تطلبينه.
-        انت تراوغ ولا حل الا ان توقع الوثيقة.
-        انا مستعد ان اوقع أي وثيقة على حبك بدمي..ولكن متي كان الحب تحرسه المواثيق والاوراق..لو كان كل عاشقين تخيلا ان حبهما ستحميه المواثيق والاوراق لوقعا اطنانا من المعاهدات.
-        ولكني اعتبر توقيع الوثيقة شرطا لتصالحنا وانتهاء الخلاف.
-        لا بأس..لا بأس ولكن دعينا نؤجل ذلك الان قليلا الى ان ننتهي من الخطر المشترك الذي يهددنا سويا.
-        سينتهي الخطر وتعود الى سابق عهدك.
-        الا تضعيني امام اختباري الاخير..قلت بمجرد زوال الخطر سأوقع لك ما تشائين.
-        هل اعتبر هذا وعدا لا نكوص عنه؟.
-        طبعا..طبعا..دعينا الان ندخل الى تفاصيل المواجهة الوشيكة حتى نخرج من هذا المأزق.
-        انا ما زلت خائفة ولكني سأثق بك للمرة الاخيرة.
-        قلت لك جربيني هذه المرة ولن تندمي ابدا.

النخبة في مصر تشعر بالفزع والقلق والخوف مما آلت اليه حال الثورة التي علقوا عليها امالا كبار. لقد انتهت الثورة بالنسبة لهم بتجرع السم او ما اشبه. فليس امامهم من خيار سوى دعم مرسي وهو مالم يكونوا يوما يتخيلون ان ينتهوا اليه وتنتهي اليه الثورة. ولكن في مواجهة الخطر المشترك على الجميع ان يتحد فالجميع في قارب واحد والتيار يجرفه باتجاه منحدر شاهق وعلى نتوء وسط الماء يقيم افراد النظام القديم مهرجانا راقصا احتفالا بنهاية الثورة.

واقترح علاء الاسواني تكوين تحالف شعبي لدعم مرسي حتى لا تذهب الرئاسة للفلول ويتم اعادة نظام مبارك ثانية الى قواعده خاصة ان حملة شفيق صرحت بفجاجة لصحف اجنبية ان الثورة قد انتهت. أي انه قبل ان يتأكد رسميا انه سيخوض الجولة الثانية بشر بنهاية الثورة وهو الوضع الطبيعي والمتوقع. ومن المفهوم ان القضاء على الثورة سيتصدر اولويات شفيق الى جانب الافراج عن مبارك ومحاولة ترميم نظامه بحيث لا تبدو الامور مختلفة عما كانت عليه قبل الثورة.

ويقترح الاسواني ان نأخذ من الاخوان تعهدات باقامة دولة مدنية وما اليه. ولكن هل الاخوان فعلا في حاجة الى ذلك؟. هل الاخوان في حاجة ماسة الى دعمنا أي بمعنى اصح من الطرف الاكثر احتياجا للثاني الاخوان ام نحن؟. في الواقع ان الاخوان في حاجة لنا مثلما نحن في حاجة لهم في هذه اللحظة بالذات. وربما كان من سوء حظنا ان يكون التكالب على دعم مرسي شغلنا الشاغل وان تكون اقصى امانينا ان نساعده على النجاح. انها الكوميديا الغريبة للسياسة في مصر. ورغم ذلك لا يمكننا ان ننكر ان الانتخابات على ما تمخضت عليه من فجيعة الا انها كان لها ايضا جانبا طيبا لا يجب ان نستهين به وهو ان عمرو موسى لم يكن هو من سيخوض الإعادة مع شفيق. والله وحده يعلم ما الذي كا سيحدث هذه الايام لو سارت الامور على هذا النحو.

اما لماذا لم يتفق هولاء على تقديم مرشح واحد في مواجهة الفلول فيعود الى انهم جميعا ابناء اوفياء لهذا الشعب وابناء لثفافته الغبية التي تقوم على تضخيم الذات والثقة العمياء بالنفس التي تصل الى حد الخرافة. ولذلك فكلهم لم يكونوا يصلحون لشيء وربما كان هذا ما يستحقونه بالفعل. الامور السياسية في مصر لا تخضع للدراسة ولا الاستطلاعات ولا قياس الرأي بل للخزعبلات والاهواء الشخصية وصناعة الاساطير.

وبعيدا عن الموقف الذي فرض علينا جميعا فرضا فمرسي لم يكن مقبولا حتى من قطاعات كبيرة من شباب الاخوان. كذلك فهو مرفوض من قطاعات سلفية سارعت الى دعم ابو الفتوح خوفا من سيطرة الاخوان على مؤسسات الدولة، وهي مخاوف تؤرقنا كلنا. وبصراحة فان التناغم الشديد بين البرلمان والرئاسة لن يكون شيئا طيبا بالنسبة لنا فالاوضاع لن تختلف كثيرا عن حالة الحزب الوطني ومبارك ولا نستبعد ان ينتج برلمان الاخوان شخصيات مثل كمال الشاذلي واحمد عز وهذه النوعية الغريبة من البشر. ولكن حقا ما هو البديل مالم يحدث ذلك؟ طبعا البديل ان يـأتي السيد شفيق الذي لم يقتنع يوما بالثورة.

وفي الحالتين ستكون هدفيج هي الضحية للمثالية المجنونة. وسواء في حالة شفيق او حالة مرسي ستقتل هدفيج نفسها ومعاناتها مع الطرفين هي معاناة نوعية ولكنها موجودة في الحالتين. ولكن هل تنجح مساعي النخبة في التوصل الى اتفاق يضمن الحد الادني للحفاظ على حياتها؟. اخشى ما اخشاه ان تكون النخبة المصرية مثل جد هدفيج، رجل عسكري على المعاش قضت عليه مخالفات عمل ارتكبها في زمن ماض ولكنه مازال يصر على ارتداء ملابسه العسكرية وصيد الارانب في علية فوق المنزل يحولها بخياله الى براري واسعة تركض فيها الارانب البرية. انها الثورة التي تركت الميادين لتحصر نفسها في هذه الصفقة العقيمة ولكن لا بد منها لانقاذ ما يمكن انقاذه.


الجمعة، مايو 25، 2012

الشعب الثوري يضل الطريق






المصريون يشعلون الثورات ويخوضون جحيمها ببسالة منقطعة النظير ولكنهم لا يعرفون كيف يديرونها او يستفيدون منها او حتى يتحركون خطوة صحيحة بعيدا عن ميدان الثورة. واللحظة التي يغادرون فيها الميدان تجدهم وقد تاهوا في الطرق والشعاب والوديان مثل قطيع ضال لا يلبث ان ينفرد به أي ذئب او قاطع طريق. ولا يتجمعون الا بعد ان يكونوا قد فقدوا كل شيء ليصطفوا في واد غير ذي زرع يقف على رأسهم راع شرس يفوقه كلابه شراسة وعنفا.

لقد اشعل المصريون ثورة رائعة للتخلص من طاغوت قبع على صدورهم على مدى ثلاثة عقود. ولكن ما ان تنحي مبارك حتى بدأت الشروح في جسد الثورة وتمثل ذلك في الكوارث التي تبعت تنحيه على مدى اكثر من عام ونصف من ماسيبرو الى محمد محمود الى مجلس الوزراء الى بور سعيد الى العباسية، لتنتهي بانتخابات الرئاسة التي كشفت ان المصريين حتى لا يعرفون كيف يصوتون في الانتخابات، في تكرار فاضح للخطأ الذي ارتكبوه في انتخابات مجلس الشعب.

لقد كان عذرنا فيما سبق ان السلطات تتلاعب بالانتخابات وتصوت بالنيابة عنا وترتكب كل الموبقات التي من شأنها تزييف ارادة الشعب ومنعه من اختيار ممثليه ونوابه او من يتكلم باسمه. ولكن انتخابات مجلس الشعب وانتخابات الرئاسة – حتى الان على الاقل – لا يمكننا ابدا ان ندعي ان السلطات تدخلت فيها بأي حال من الاحواال لتحابي طرفا ضد الاخر. ومن ثم فالكارثة فينا نحن وليس في السلطات. نحن الذين لا نعرف كيف نضع الوطن في المرتبة الاولى كمرشحين ولا نعرف كيف نصوت كناخبين. 

ناهيك عن ان مجرد التحاق احمد شفيق وعمرو موسى المحسوبين بشدة على النظام البائد بسباق الرئاسة يمثل سابقة غريبة على أي ثورة في العالم، من المدهش حقا ان يحصل احدهم وهو الفريق احمد شفيق على اصوات تمكنه من خوض اعادة السباق. ورغم ان هذا الكلام ليس مؤكد حتى الان الا ان نذره تلوح في الافق. ومن الواضح الان ان الإعادة ستكون بين شفيق ومحمد مرسي مرشح الحرية والعدالة وهما بكل المقاييس لم يكونا ابدا بأي حال افضل المرشحين للرئاسة بل ان احدهما كان رئيس وزراء موقعة الجمل والصديق المقرب من مبارك والثاني التحق بالسباق في اخر لحظة بعد ان تم اختياره كبديل لخيرت الشاطر مرشح الجماعة الاول الذي خرج لعوائق قانونية. 

كثير من المصريين نسوا ان هناك ثورة وتناسوا ان هناك دماء نقية اريقت من اجلهم.. من اجل ان يعيشوا غد افضل وان يعيش اولادهم حياة ادمية اكثر مما عاشوا هم.. نسوا الهوان والمذلة التي عايشوها منذ ثورة 1952 والهوان الاكبر الذي حاصرهم على مدى ثلاثة عقود من حكم المخلوع. ونظروا الى مصالحهم القريبة وطموحاتهم القصيرة المدى ولم يتطلعوا الى ما يتجاوز اقدامهم الى مصر الوطن الكبير الذي يسع الجميع تحت مظلة الحرية والعدل والاخاء والمساواة.

نحن الان بعد عام ونصف من الثورة نوشك ان نجعلها حطاما تذروه الريح ونواصل حياتنا المعتادة في عهد المخلوع يحمل كل منا نيره فيها ليورثه لاولاده واحفاده من بعده. هل ضحى خيرة شباب مصر بارواحهم من اجل هذا المستقبل المظلم؟. ماذا سيقولون لنا وهم يطلون علينا من خلف سجف العالم الاخر؟. بل ماذا سنقول لاولادنا واحفادنا عندما يقرأون في كتب التاريخ اننا اضعنا الثورة التي طالما راودت اجيالا كحلم تحقق ولمسناه بأيدينا ولكننا أبينا الا ان نئده ونضيعه مثل كثير من الاحلام.

ان الايام القادمة هي اصعب ايام في تاريخ مصر. مصر تقف على مفترق طرق وتنادي من يأخذ بيدها في الطريق الصحيح. ونحن الان امام خيارين كلاهما مر ولكن علينا ان نختار الاقل مرارة. وعلينا ان نوازن بين فرص استمرار الثورة وبقائها ولو كان بقاءا كامنا، وبين موتها الأكيد ودفنها وتشييعها واعتبارها كأنها لم تكن واعتبار الذين ضحوا من اجلها بدمائهم وحياتهم ضحايا وباء او طاعون من الاوبئة الكثيرة التي عصفت بمصر في عصور سابقة.

لننظر الى ما يمكن ان يترتب عليه نجاح شفيق. شفيق من النظام القديم تربى في احضانه ونشأ على الولاء له والسير على هداه والاقتداء به ولم يكن غريبا ن يصرح انه يعتبر مبارك مثله الأعلى وهو كلام طبعا لا يمكن لأحد ان يشك في صدقه فيه. واذا تولى السلطة – لا قدر الله - سيتسنى له احياء كل مؤسسات النظام القديم خلال السنوات الأربع الاولى من حكمه حتى لو لم يحكم غيرها. ومعنى ذلك ان يعود كل النظام البائد بقضه وقضيضه والحزب الوطني وعفنه وتعتبر الثورة من الذكريات الجميلة او حتى يتم تحريفها وتشويهها بحيث تعتبر نكبة. وللاسف فان بعض المصريين الان ينظرون اليها على هذا الاساس.

أما محمد مرسي،  فرغم المآخذ الكثيرة على الاداء البرلماني للاخوان وعلى ظروف ترشحه الا انه لن يسعى الى اعادة انتاج النظام القديم، واقصى ما يمكن ان يفعله هو ابرام بعض صفقات مع المجلس العسكري.

صحيح هناك الكثير من الافكار التي لا نقبلها لدى الاخوان سواء كانوا  في البرلمان او الرئاسة ولكن الامور لن تستمر الى ما الا نهاية، فهناك انتخابات بعد اربع سنوات. وعلى الأقل عندما يكون الاخوان في الرئاسة والبرلمان سيوضعون امام الاختبار الحقيقي الذي طالما تقنا اليه. لن يكون امامهم ذريعة يتعللوا بها ويسوقونها على انها هي المعوق الذي عرقل ادائهم ونهوضهم بالبلد. ومالم يكن ادائهم كبرلمان ورئاسة على المستوى المطلوب فصناديق الاقتراع موجودة ولن يكون بوسعهم ان يؤبدوا وجودهم في السلطة. وعلى اقل القليل، فان الثورة وان ظلت مكبلة ومشلولة في عهدهم - على اسوأ الفروض -  فانها لن تموت تماما ويمكن ان يأتي يوم ويرحلون لتزدهر مرة اخرى وتحقق اهدافها الكاملة.

بقى ان اقول ان الانتخابات كشفت ان لدينا في مصر بشر لا يستحون ولا يعرفون للحياء سبيلا وان مصر تزخر بمنعدمي الضمير والاخلاق والفهم والبشر الذين لا يستحقون البقاء على ظهر الارض يوما واحدا. وهؤلاء يمثلون عائقا امام نهضة هذا الشعب وسدا منيعا امام تقدمه والا فما معني ان يحصل الفلول على هذا العدد الكبير من الاصوات؟.     

كذلك كشفت الانتخابات عن القدرة الغريبة للاخوان المسلمين على الحشد بصورة ما كان من الممكن تخيلها حيث دفعوا بمرشح في اخر لحظة قبل اغلاق باب السباق ومع ذلك تمكنوا من اجتياز الجولة الاولى به ليدخل الاعادة. ولكن هذه القدرة السحرية على الحشد قد تكون حجة عليهم عندما يثبت انهم لم يستخدموها الا في الوصول الى كرسي الرئاسة. ومطلوب منهم ان يبرهنوا ان هذه القدرات جاهزة للاستخدام في أماكن اخرى مثل النهضة العامة للبلد وليس نهضة فريق الاخوان. والاخوان بالمناسبة، كما تقول عدة تقارير، كانوا هم الاكثر مخالفة في انتخابات الرئاسة بتقديم رشاوى انتخابية وان لم يكونوا هم وحدهم الذين فعلوا ذلك.  

حيوية المجتمعات تقاس بقدرتها على التطور والتكيف مع كل ما هو جديد وهضمه واستيعابه. وعدم قدرتنا على تقبل الثورة الى الان والتعايش معها بل واعاشتها يعني اننا مجتمع وصل الى درجة الجمود والتحجر ولا امل يرجي منه.