الصفحات

الثلاثاء، يونيو 12، 2012

ان فاتك رضا الاخشيد لن يفوتك رضا كافور


حرب


بعد ان تضع الحرب اوزارها ويجمع المقاتلون اشلاء الجنود من موقع القتال ليواروها الثرى ويترحموا على شهدائهم يعود العقل الى مكانه المهيمن ويطرح سؤاله الكبير والملح؟ هل كان ثمة ضرورة لهذه المعركة؟ ألم يكن من الممكن حل الامر بصورة اخرى؟.

والسؤال الذي يطرحه المصريون على انفسهم هذه الايام هو : هل كان هناك وسيلة لتجنب هذا الدم الذي اريق وهذه الخسائر المادية والخسائر في الارواح؟. هذا بعد ان خرجنا من الثورة ونحن لا نحمل في يدينا سوى قبض الريح او في افضل الاحوال عدنا منها وبيدنا خفي حنين: هل كان يمكن حل المعضلة بصورة اخرى؟.

ليس معنى ذلك ان الثورة لم تكن ضرورة او انها كانت رفاهية زائدة عن الحاجة، بل كانت الثورة امرا حتميا وقاطعا ونهائيا ولا رجعة عنه، بل الرأي الصائب انها جاءت متأخرة للغاية. ولكن الم يكن من الممكن ان تسير الثورة في غير تلك الدروب الزلقة الطافحة بالمجاري والنتن لتصل الى نهاية طيبة كما توقع عموم الشعب المصري بزوال النظام البشع؟.

الثورة بدأت سلمية – رغم عدد القتلى والجرحى - واطاحت بالنظام. ولكن بعد ذلك تكاثر عليها كل شياطين الجن والانس ليدمروها وينسفوها ويحولوها من حلم جميل الى كابوس مريع لا نكاد نفيق من احدى نوباته الا وندخل الى الاخرى حتى اصبحت عودة الاوضاع الى ماكانت عليه في عهد النظام البشع هي اقصىى احلام الكثيرين منا. وفي هذه المرحلة التاريخية النادرة قدمت لنا الاليات الشيطانية التي هيمنت على الثورة بعد انطلاقتها الاولى الناجحة طاقة من النور الباهت متمثلة في عودة النظام السابق بكل ما يحمله لنا من امن زائف واستقرار اشبه باستقرار المواشي في الحظائر. وخيار اخر مخيف لجماعة الاخوان المغلقة وايديولوجيتها غير المجربة في الحكم والمجهولة لنا على السواء.

اذا اخترنا الاخوان فاننا نختار مستقبلا لا نعرفه ولم نجربه قد ينطوي على الخير وقد ينطوي على خلاف ذلك ولكنه في الواقع مستقبل مجهول بالنسبة لنا لم يسبق لنا ان اختبرنا حناياه ولا عرفنا اركانه ولا جسنا في دهاليزه المظلمة.

هناك على الجانب الاخر نظام مبارك بكل ما يمثله من قذارة وفساد وعفن، خبرناه وعرفناه جيدا على مدى 30 عاما وهو بدون مبالغة من اقذر واحط وألعن ما عرف من النظم السياسة في القرن العشرين والحادي والعشرين.
ألم يكن من الممكن ان نكون الان في وضع افضل؟ الا يستحق الشعب المصري مصيرا افضل بعد كل ما عاشه وما عاناه من شظف العيش وما تحمله من الالام والاوجاع منذ ثورة 1952 بل وطوال تاريخه؟.

ما يدهشني حقا هو ذلك العدد الكبير من المؤيدين لعودة نظام مبارك نكاية في الاخوان. هل كان نظام مبارك نظاما مدنيا مثلا؟. ان نظام مبارك هو من اغرب النظم وربما يلخصه توصيف الدولة العسكرية البوليسية في ابشع صورها. انه لم يكن ابدا نظاما مدنيا. انه النظام الذي عمل بصورة منهجية على افقار الشعب المصري واذلاله على مدى ثلاثة عقود كاملة.

البعض يبدو انهم ادركوا ان شفيق قادم لا محالة وادركوا المحاذير على قيام ما يسمى بالدولة المدنية على شواطيء المتوسط وان كل قوى العفن ستعمل على الحيلولة دون قدوم مرشح الاخوان الى السلطة، فبدأوا يقلبون عيشهم في ارجاء نظام مبارك القديم الجديد باعلانهم بوقاحة متناهية انهم يدعمون احمد شفيق مرشح نظام مبارك.
المصالح الشخصية الضيقة والفوائد الانية هي غالبا العامل الرئيسي والاساسي الذي يحرك الامور في مصر سواء بين الافراد او الجماعات ولكن اين احزان اسر الشهداء واين الامهم في هذا الموقف عندما يرون النظام الذي خسروا من اجله فلذات اكبادهم يعود بعد عام ونصف الى السلطة مرتكزا على قواعد امنية قوية؟.

انها ولا شك فرصة لاولئك الذين كانوا يدورون حول النظام القديم في محاولة للحصول على أي مغنم منه دون ان يعيرهم النظام أي اهتمام اما لان لديه من هم افضل منهم ليقوموا بنفس الدور - وكانوا على الدوام كثر ويعرضون انفسهم بشتى السبل - او لانه يشك في ولائهم الكامل. البعض منهم بدأ الان يعيد تقديم اوراقه طالبا خدمة النظام الجديد القديم في عهده الاتي بعد ان فاته نيل الرضا في عهده الماضي.

نظام مبارك على مدى ثلاثة عقود كرس لدينا مبدأ الخلاص الذاتي الذي بدأه السادات بسياسة الانفتاح المنفلتة من كل عقال. واصبح كل مصري يقول "انا ومن بعدي الطوفان". وقد شهد عهد مبارك استفادة عدد هائل من التافهين والخمل والهمل من علاقتهم بالنظام فشغلوا مناصب وراكموا ثروات ضخمة بسبل غير مشروعة ما كان يمكن ان يحصلوا على النزر اليسير منها بمواهبهم وقدراتهم الذاتية المحدودة. ولا شك ان النظام عندما يعود سيرجع الى سالف عهده في ضخ المنافع والفوائد لمشايعيه. ومن هنا كان التكالب على دعم نظام مبارك القادم من قبل بعض افراد النخبة. والا فما معنى ان يعلن اسامة  الغزالي حرب دعمه للفريق شفيق؟. الرجل ارتبط يوما ما بنظام مبارك ولكن النظام لم يقدره او لم يضعه في المكان الذي كان يحلم به فخرج عليه متذمرا ولكن الان اتيحت له الفرصة ثانية وغاب بعض افراد النظام الذين ربما اوصدوا الباب دونه في العهد السابق مما يحيي اماله في نيل الرضا هذه المرة.

ليست هناك تعليقات: