الصفحات

الاثنين، يونيو 04، 2012

عاش مبارك موحد القبائل المصرية






اذا كان التاريخ المصري يفخر بمينا باعتباره موحد القطرين، فلاشك اننا من المحظوظين جدا اننا عشنا حتى شهدنا عصر الرئيس مبارك الذي لا يقل عظمة عن عصر مينا بل ربما كان يفوقه بكثير. ومينا هو فرعون من الاسرة المصرية الاولى وعاصمتها طيبة (الاقصر حاليا ) واستطاع ان يوحد مملكة الشمال ومملكة الجنوب نحو 3200 قبل الميلاد ويعتبر هو مؤسس الاسرة الفرعونية الاولى.

مينا الذي لم نره ولا عرفناه دخل التاريخ ويظل يحتل مكانته في قلوبنا وفي التاريخ ايضا ولا يذكر بيننا الا مقرونا بالفخر والاحترام. ولكن لانه لا كرامة لنبي في قومه فاننا يعيش بين ظهرانينا الان من هو اعظم من مينا خمسين مرة ولكننا بدلا من ان نجله وننزله المنزلة اللائقة به فقد انقلبنا عليه واودعناه المركز الطبي ثم حكمنا عليه بالمؤبد واودعناه سجن طره واوصدنا قلوبنا دونه وحرضنا التاريخ عليه. ولكن من يدري لعل مينا لم يكن محبوبا في عصره ومن قومه حتى حملته رياح التاريخ الينا لكي نوفيه حقه من الاحترام والتقدير. ولعل مبارك ينتظر هو الاخر حتى يأتي جيل جديد من اولادنا يكون اكثر قدرة على التحليل والقياس والمقارنة فيوفي الرجل حقه ويرد اليه اعتباره.

واذا كان مينا موحد القطرين او المملكتين فان مبارك كانت مهمته اشق واصعب. من يصدق ان مبارك استطاع ان يوحد كل القبائل والعشائر والبطون والافخاذ المصرية كلها على مدى 30 عاما. على مدى 30 عاما كنت تشعر ان هذا شعبا واحد لا فيه شمال ولا جنوب ولا قبلي ولا بحري ولا سلفيين ولا ليبراليين ولا فلول ولا مغول. 

كتب وسيم السيسي من اعوام مقالة في المصري اليوم يقول فيها ان ضفائر الجينات لدى المصريين على اختلاف انتماءاتهم العرقية والدينية تتشابه في 97 في المئة من الحالات. وهو ما يشير الى ان هناك تشابه جيني كبير جدا بين افراد الشعب المصري الذي كان يستوعب كل دخيل عليه سواء كانوا من الرومان او العرب او اليونانيين او الاتراك او غيرهم. كان الجميع يذوب في الشعب وتحدث له ليس فحسب حالة من التكيف مع اساليب الحياة المصرية بل ايضا التماهي الجيني.

ولا شك ان أي مدقق في احوال مصر اليوم سيؤمن ايمانا جازما بان انجاز مبارك يفوق ما حققه مينا بكثير. هل هذا شعب واحد فعلا الذي يعيش على ارض مصر اليوم بعد ثورة 25 يناير 2011 ام انها شعوب شتى؟ في الجيش الاسرائيلي عندما يريد مجند جديد حصل على الجنسية حديثا ان "يسوق في التناحة" قليلا فانه يتجاهل اوامر المدرب محتجا بانه لا يعرف العبرية. ولكن المصريين حتى لا يملكون هذه الرفاهية لاننا من اكثر الشعوب استقرارا في ارضها وكان اخر قانون سمح بتجنيس المقيمين على ارض المحروسة قد صدر في عام 1914.

لا يمكن ان تجد على ارض مصر اليوم ثلاثة يتفقون على نفس الرأي. لقد انقسم المجتمع كما لم ينقسم في تاريخه الى قبائل وكل قبيلة يمكن ان تجد حتى داخلها عددا من البطون وداخل البطون افخاذ وداخل الافخاذ عشائر. هل كان المجتمع كله يعيش داخل شرنقة وما ان مزق جدارها ورأى النور حتى انطلق لا يلوي على شيء؟.

والغريب ان القبائل المصرية لا يجمع بينها رابطة الدم كما في القبائل التقليدية بل هي قبائل اما مهنية او قبائل سياسية. وكل فرد يقدم الانتماء والولاء لقبيلته على الانتماء والولاء للوطن. هناك قبيلة العسكر وقبيلة الشرطة وقبيلة القضاة وقبيلة موظفي الضرائب وقبيلة الاخوان وقبيلة السلفيين التي يوجد داخلها بطون وافخاد وعشائر وقبيلة الحزب الفلاني والحزب العلاني.

وتجد كل شخص يدافع عن قبيلته دفاعا مستميتا ولا يمكن بأي حال من الاحول ان ينحي عليها باللائمة حتى لو كان جرمها مشهودا. والغريب ان الفرد يظل منتميا لقبيلته المهنية حتى بعد ان يخرج الى المعاش ويدافع عنها حتى وهو على حافة القبر. هل رأيتم ضابطا من الجيش تقاعد من عقود يوجه أي لوم او تأنيب الى المجلس العسكري؟. مستحيل، بل يظل يكابر ويعاند ويبرر كل افعال المجلس العسكري ويحاول اقناعك بانه لا يمكن ان يخطيء في شيء وكأن قراراته يستحيل ان تشوبها أي شائبة. هل رأيت شخصا من النظام السابق خرج ليميط لنا اللثام عن كل كوارثه ويفضح ما خفي عنا؟. هل رأيت قاض مثلا يتحدث عن ان القضاء يغص بالفساد وان الكثير من احكامه يشوبها العوار والبوار والقصور؟. الافراد في المؤسسات الاخرى كلها سواء كانت مهنية او سياسية يقفون نفس الموقف كل من قبيلته.

واذا كانت كل هذه القبائل لا تخطيء مع انها كلها تقريبا في موضع المسؤولية او في موقع يمكنها من اتخاذ قرارات تمس حياتنا، فما الذي دهانا؟. لماذا تسير حياتنا كل يوم من سيء الى أسوأ. هل الخطأ في الشعب ام في القبلية الشديدة؟. هل تزيد النزعات القبلية في المجتمع او تتلاشى كلما ارتقي؟. مصر حالة فريدة تتحدى القياس المنطقي المألوف لدى المجتمعات الاخرى.

والان يقف المجتمع على حافة منحدر شديد لا يعرف الى اين تسير به الاقدار. وبعد ثورة نادرة راح ضحيتها الكثير من البشر والإمكانيات التي اهدرت نجد المجتمع يرتد مرة اخرى الى النظام السابق او يوشك ان يرتد اليه كما لو كانت الثورة لم تعد تعني بالنسبة له أي شيء.

نتيجة الجولة الاولى من الانتحابات الرئاسية الاولى بعد الثورة وضعت المصريين امام خيار صعب بين شفيق المحسوب قلبا وقالبا على نظام مبارك ومرشح الإخوان. لقد ضاعت الكثير من الفرص التي كان يمكن ان تؤدي الى وضع مختلف وافضل بعد الثورة والان توقف القطار ولم يعد امامنا الا الخرج من هذا الباب او ذاك ولا يوجد باب ثالث.

وثيقة العهد التي تطرحها القوى الثورية ربما توفر مخرجا من المأزق وهي بحاجة الى جهد كبير لتبسيطها وشرحها للمواطنين العاديين الذين يمثلون القوة التصويتية الكبرى التي يمكن ان ترجح كفة مرشح على الاخر. والوثيقة توفر فرصة لابعاد النظام السابق عن الرئاسة وفي نفس الوقت الحد من شره الاخوان للسلطة والاستئثار بادارة امور الدولة وفقا لايديولوجية الجماعة. ولكن قبل كل شيء يجب ان يتم التوقيع عليها وليس مجرد التعهد بالالتزام بها حتى نضمن انه لن يكون هناك سبيلا للنكوص عنها.



ليست هناك تعليقات: