الصفحات

الخميس، يونيو 14، 2012

أين (تلبد) هذا المساء؟





المشير طنطاوي رجل مؤمن بالثورة ومجلسه العسكري لا يقل عنه ايمانا بها. وكل يوم يفاجئنا الرجل بقرار تنتابنا من اثره صدمة قوية ولكننا لا نلبث ان نتبين صواب القرار وعقلانيته وانه في النهاية يصب في مصلحة نهر الثورة المتدفق الرقراق، فتزداد قناعتنا يوما بعد يوم بمدى تفاني الرجل في خدمة الثورة حتى اننا بتنا لا نشك في ان الرئيس مبارك اوصاه بالثورة خيرا.

واخر الابداعات التي خرج علينا بها المجلس العسكري في مجال خدمته للثورة هو مصادقة وزير العدل (الذي اسمع اسمه للمرة الأولى) على قانون يمنح حق الضبطية القضائية للشرطة العسكرية والمخابرات العسكرية. انا لن اتحدث عن القانون الذي صدر في ظروف غريبة ومريبة وربما يشي بان وراء الاكمة ما ورائها، ولكن على أي حال فنحن لسنا طرفا في خطط المجلس العسكري فقد بلغ من بعد النظر وحسن النية ونفاذ البصيرة في ادارة شؤون الامة منذ القينا بالثورة على كاهله، ما يجعلنا نطمئن الى ان القرار في النهاية لن يخدم سوى الثورة واذا كان أي منا لديه شكوك فليصبر قليلا.
البوكس التقليدي راحت عليه

انا لست معنيا بالقرار وان كنت ارى انه يتماشى تماما مع خطة المجلس السديدة في حماية الثورة وكبح جماح خصومها، ولكني معني بتداعياته على المواطنين. القرار ببساطة يعني ان نحو ربع سكان المحروسة (وهم من اعداء الثورة الالداء) يمكن ان يكونوا معرضين للاعتقال بسبب او بدون سبب وفي اي وقت. وبدلا من ان يسأل المرء نفسه السؤال المعتاد : اين تذهب هذا المساء؟ سيكون سؤاله : اين تلبد هذه الليلة؟. هل يعيد الينا القانون ذكريات زوار الفجر وصور المطاردات الامنية من زمن سحيق يبدو اننا نسيناه او نحاول ان نتناساه؟. لا احد يدري.

ولكن من المؤكد انه ككل شيء في مصر سيكون هناك بعض المحظوظين وبعض التعساء من جراء تنفيذ هذا القانون. اما المحظوظون فهم اولئك الذين تتعدد لديهم الاماكن التي يمكن ان يلبدوا فيها مثل الرجل المتزوج مثلا من اربع نساء يعشن في احياء مختلفة، حيث يقضي لياليه متنقلا بينهن بحكم الضرورة الامنية وليست الشرعية. وربما يكون الشخص محظوظا اكثر لو كانت زيجة من هاته او زيجتين تمت في الجانب العرفي بحيث لا يعرفها احد سوى القلة.

واذا كان اسم الشخص مدرجا في قوائم المطلوبين امنيا قبل الثورة فقد احترقت ملفات مباحث امن الدولة وتاهت العناوين وربما لا تستطيع الاجهزة الامنية (التي ستبدي كلها تعاونا بناء في هذه الحالة) بعد عناء الا الوصول الى عنوان واحد له. ولكن في العادة الامر لا يخلو من المفاجئات فقد تكون نفس الملفات موجودة في اماكن اخرى او الاسماء تم وضعها على اسطوانة صغيرة يسهل الرجوع اليها.

في الريف في العادة تكون الاعتقالات اصعب لان المطارد يمكن ان ينطلق في الحقول ولكن للاسف فموسم الاذرة (وهو المحصول الذي يوفر فرصة الاختفاء المثالي قد انتهي). غير ان الريف يظل اكثر رحابة من المدينة بما فيها من اكتظاظ واليات متابعة واجهزة مراقبة وما اليه.
لحماية الشعب وايضا اعتقاله عند اللزوم

المفارقة الكوميدية الموجعة في الموضوع هو ان ذلك يحدث بعد ثورة كان احد اهدافها القضاء على هذا الجانب المظلم من الحياة المصرية..جانب الاعتقالات والسجون وما اليها من مظاهر الدولة البوليسية الفجة.

غير ان هناك تغييرا لا يمكن ان ينكره الا جاحد. فبدلا من ان تعتقل على يد ضابط شرطة وامين شرطة وجندي امن مركزي ربما لفتوا انتباه الشارع كله، سيعتقلك ضابط من الجيش وصف ضابط او صول وعسكري مجند يرتدون البيريه الاحمر وتبدو زيارتهم لك كما لو كانت مرور من اقارب على قريب لهم. وبدلا من ان توضع في البوكس ستوضع في سيارة جيب صغيرة، وبدلا من ان تدخل القسم ستدخل السجن الحربي وقد تكون محظوظا وتقيم في الجناح الذي اقامت فيه شخصية تاريخية ممن كانوا من نزلاء هذا السجن العتيد. وبدلا من ان تمثل امام قاض مدني فقد تمثل امام قاض عسكري يؤمن بضرورة استئصال اعداء الثورة كما اوصاه المشير. وربما تكون من الكبار الذين لا يكتفى بارسال سيارة جيب صغيرة اليهم بل رتل من المصفحات وهو ما سيرفع اسهمك في المنطقة بصورة تمكنك من خوض الانتخابات البرلمانية في المرة القادمة. اما اذا كنت شخصية هامة جدا فقد تحلق طائرة هليكوبتر فوق منزلك الى ان تحتل موقعك في المصفحة. ولكنك في كل الاحوال ستشعر ان هناك فرقا بين اعتقال الشرطة واعتقال الشرطة العسكرية بدءا من وضع الاساور في يديك الى ان يملوا استضافتك فيلقوا بك على احدى بواباتهم.

انها تجربة ولا شك جديدة ومثيرة نتمنى ان تتعاون جميع الاطراف لكي تتم بنجاح ونترك نتائجها للاجيال القادمة، التي تشير الاوضاع، الى انها قد لا تعيش ظروفا افضل منا بكثير. 

ليست هناك تعليقات: