الصفحات

الأربعاء، يوليو 11، 2012

سارة تتوقف عن كتابة مذكراتها


يارا وسارة في فبراير 2006
سارا ابنتي الصغرى هي اول شخصية في الاسرة تكتب مذكراتها وهي اول شخصية تختتم شهادتها على العصر خلال اشهر قليلة. وكان الامر مفاجأة بالنسبة لي، فليس من المعتاد في اسرتنا ان يكتب احد مذكراته ولا حتى يرد ذكر للامر فليس في الاسرة شخصيات سياسية مبرزة ولا خطباء مفوهين او حتى أي شخصيات عامة يمكن ان يكون لمذكراتها قيمة حتى عند نفسها ناهيك عن ان تكون كذلك عند الاخرين، بحيث يسعون الى قراءتها.

والواقع ان سارة كانت دوما – وما زالت الى حد ما – تمثل مشكلة في تعليمها. فعندما بدأنا ندرس لها الحروف الهجائية قبل الالتحاق بالحضانة كانت تجلس امام الكراسة وتسترسل في ندب سوء حظها: "معقولة يا (سورسور) ها تكتبي كل دا. ازاي بنت صغيرة تكتب صفحة كلها ألف وصفحة كلها باء في يوم واحد". وظللنا نعمل معها على مضض لكي تعرف حتى الحروف الهجائية بالعربية والانجليزية وتعرف الارقام من 1 الى 10 قبل دخول الحضانة. ولكنها كانت تنسى بسرعة ويحتاج الامر الى البداية من جديد. وبدأت زوجتي تلمح من بعيد الى تأثير الوراثة وراحت تستجوبني كيف كانت اوضاعي الدراسية في الابتدائية. فقلت – عن صدق – ان المدرسين كانوا ياخذوني وانا في الصف الاول الابتدائي لاحل اسئلة لاطفال الصف الثاني والثالث الابتدائي وانني كنت دوما من الاوائل. واعلنت هي ان ذلك امر مستحيل التصديق لان اوضاعي الحالية لا تشير ابدا الى ذلك.
اكتوبر 2006

انقذتنا من الامر خالة سارة التي قالت اننا ليس لنا أي خبرة في التدريس ولا نعرف اصول التربية الحديثة أما هي بما توفر لها من اطلاع على اساليب التربية فيمكنها ان تحل مشاكل سارة بسهولة. وقالت دعوها لي انا اعرف كيف اعلمها. والواقع اننا تنفسنا الصعداء ورحبنا بالأمر. وقلت انا ان الامر سوف يستغرق اسبوع او اسبوعين على الاكثر قبل ان تعتذر عن المهمة الصعبة وتتنحى، ولكن لدهشتنا لم يحدث شيء من ذلك. بل ان سارة بدأت في كي.جي1 تقرأ اسماء المحلات في الشارع ولم نصدق انفسنا. وفي كي جي 2 دهشنا انها اصبحت تقرأ كتبها الدراسية بصورة طبيعية وان كانت في الانجليزية افضل من العربي والرياضة.

وفي الصيف التالي بعد ان انهت دراسة الصف الاول الابتدائي بدأت تكتب مذكراتها. والواقع ان مذكراتها ظلت سرية لا يعرف بها احد الى ان شهدت صراعا بينها وبين شقيقتها يارا التي تكبرها بعام وبضعة اشهر وتسبقها في الدراسة بعام – على شيء صغير لم اتبينه. كانت يارا تضحك في حين استماتت يدا سارة على الشيء الصغير وهي تقول لها "سيبي الكراسة". وتدخلت لفض النزاع وصادرت منهما اجندة صغيرة اقل من حجم نصف كف اليد، عثرت عليها بالصدفة مؤخرا في احدى حافظات الاسطوانات لدى. كانت يارا تضحك لانها اكتشفت اخطاء كثيرة في الكراسة الصغيرة التي عثرت عليها في درج سارة ولكن يبدو ان سارة لم تكن سعيدة حتى باكتشاف كراستها.

بدأت اتصفح الكراسة لاكتشف اغرب مذكرات قرأتها في حياتي لاصغر كاتبة مذكرات عرفتها.

وبدأت سارة الكتابة في كراستها الصغيرة من الشمال لليمين مثلما تكتب في كراسة اللغة الانجليزية ولكن يبدو انها لم تلتزم بذلك. ويبدو انها كانت تفتح الكراسة وتكتب دون ان تعبأ بترتيب الصفحات ويمكن ان تترك صفحات كثيرة خالية ويبدو انها كانت تفتح كراستها كيفما اتفق. وكل مذكرات سارا تقريبا تدور حول شئونها الخاصة وعروستها وعلاقتها بنا وبشقيقتها.
نوفمبر 2006

وهي عندما تقول اليوم لا يعرف القاريء أي يوم تقصد فليس هناك تاريخ لموقع هذا اليوم من العام او الشهر او حتى التاريخ الانساني كله ولا حتى تحديد لليوم ان كان يوم السبت او الاحد. انه أي يوم وكل يوم تقريبا. ولكنها حريصة جدا على كتابة عبارة (انتهت مذكرة سارة) في نهاية كل صفحة. واعتقد انها ربما كانت تقصد "مذكرات".

وتقول في احدى الصفحات:

            اليوم ذهبت اختى
            الى طبيب الاسنان
            كانت خائفة أليست
            هبلة جدن (جدا)
            اصابت جرح في الدرس
            وطقول (تقول) موئلم وهو
            بسيت (بسيط)
            انتهت مذكرة سارة


وتذكرني هذه الكتابة بكتابة نوسترادموس الكاهن الفرنسي في القرن الخامس عشر الذي يحتاج تفسير ما تركه لنا الى فك طلاسم صعبة.
يونيو 2012

وفي يوم اخر تقول عني ويبدو ان ذلك كان في رمضان وكانت سارة ويارا تجربان الصيام بضعة ايام في رمضان وكانت التجربة تسفر في ايام قليلة جدا عن الاستمرار الى المغرب.  

            


            اليوم كل شوية
            بابا يئولي إلبت سارة
            صامت صامت زعئتلو
            بطل يئول كدة
            انتهت مذكرة سارة

وتقول في صفحة اخرى :

            اليوم حميت سنثية (عروستها)
معي كان هذا ممتعن
لقد إمتلأت سنثية
بصبون (بالصابون) وشطفتها
انتهت مذكرة سارة

وعندما تزورنا بنت الجيران الصغيرة مع جدتها تعمد سارة الى اخفاء كل لعبها تحت السرير او المقاعد ولا تترك منها ظاهرا الا اصغرها واقلها شأنا عندها. وتظل متوترة الى ان تذهب الضيفة الصغيرة وقد اخذت بعض لعبها غير الهامة ثم تقول بانتصار "خادت العروسة الى رجلها ضايعة. انا مش عاوزاها" ثم تشرع في اخراج لعبها من المخبأ.

وفي يوم اخر تعلق على ممتلكاتها قائلة

أنا عندي درجين
واحد مليان لعب
وواحد مليان كتب
والدرج الفي لعب بحب  
            الألعاب الفي درجي شوية
            انتهت مذكرة سارة
النهاية

وكلمة النهاية هنا معناها انتهاء الكراسة فهذه اخر صفحة وقد عادت الى اعتبار الكتابة تبدأ من اليمين الى الشمال مرة اخرى.

وتقول تعليقا على دأبها على استخدام فرشاة الاسنان

            اليوم طلع لأختي
دم في اسنانهة (اسنانها)
لأنهة لم تخسلهة (تغسلها)
جيدا (جيدا هنا بالالف) أنا كنت
أغخسلهة جيدا
انتهت مذكرة سارة


وتقول عن يوم العيد

اليوم عيد سعيد
إنة أجمل يوم في حياتي
كلمة اليوم ماما أعطتني
5 (كتبت بالانجليزية) جنية (جنية وليست جنيه)
وبابا أعطاني خمستان جنية
أنتهت مذكرة سارة

ويبدو انها شعرت ان كلمة (خمستان) هي الصحيحة لانها تبدو فصحى لعدم استعمالها كثيرا في العامية.

وفي احد الأيام تقول ويبدو ان هذا كان في بداية العام
الدراسي

اليوم اسعد يوم في حياتي
هتنزل المدرسة في سنة
تانية
إنتهت مذكرة سارة

ولم يعرف احد لماذا كتبت سارة مذكراتها ولا لماذا توقفت. ولكن من الواضح انها ربما رأت احدى الشخصيات الكرتونية التي تفعل ذلك فقلدتها. فهي تعيش في التلفزيون اكثر مما تعيش في الواقع وتتحدث العربية الفصحى كثيرا ولكنها لا تكتبها ليس لانها تقرأ او تحب القراءة بل لان الكثير من قنوات الكرتون العربية تقوم بترجمة الافلام الى اللغة العربية الفصحى وليس الى اللهجات المحلية وربما كانت هذه واحدة من حسناتها. وفي ايام الثورة استخدمت شعاراتها في رفض الطعام وفوجئنا بها تصيح "يسقط الرز والبسلة". وهي تحتاج الى مجهود كبير واحيانا استخدام الترهيب والترغيب والرشوة لكي تتناول طعامها. 


في بداية العام الدراسي التالي اثناء شرائي للادوات المدرسية وكانت سارة ستبدأ دراستها في الصف الثاني الابتدائي اشتريت مذكرتين صغيرتين لهما غلاف فاخر واعطيت واحدة لسارة والاخرى ليارا وقلت لهما "اكتبوا مذكراتكم هنا" واخذتا مني المذكرتين دون ان تبديا اهتماما ورمقني سارة في صمت ووضعتها في مكتبها دون ان تبدي أي مشاعر.

وبدأت بعد بضعة ايام افتح درجيهما خلسة واطالع الاجندات الصغيرة. ولكنها كانت خالية من أي شيء. وفي يوم قلت لسارة "انت ليه ما تكتبيش مذكراتك ياسارة"؟.
فقالت في سخط: "انا باذاكر ومش فاضية للكلام الفاضي دا". رغم انها تخصص اكثر من 90 في المئة من الوقت اما للعب على الكمبيوتر او مشاهدة التلفزيون. وخلافا للاجيال على عهدنا لا يوجد لدى يارا وسارة رغبة في القراءة او اهتمام بالكتب واول ما يشغلهما في المجلة مثلا هو حل الاختلاف بين الاشكال وقراءة النكت والفوازير والكرتون والمرة الوحيدة الذي قرأت فيه سارة موضوعا عن كيفية ابعاد سمكة القرش عندما تقترب من شخص في المياه، جعلت منه امتحانا للاسرة كلها ولم تكن تبخل بمعلوماتها عندما يبدي لها الممتحن جهله. وحتى عندما اقرأ لهما قصة في مجلة مثلا يحتج الاثنان ويطالبان باستخدام اللهجة العامية "يابابا ما تقولش بالعربية قول باللغة بتاعتنا". واحاول ان اشرح لهما ان العامية مشتقة من العربية دون جدوى. وفي يوم قالت لي يارا وهي تتفرج على مسلسل كرتون كويتي اعتقد انه اسمه ام خماس او شيء من هذا القبيل "هما بيتكلموا صعيدي يابابا؟".

وبعد فترة صغيرة اختفت الاجندتين دون ان اعثر لهما على اثر فلم اسألهما عنهما مرة اخرى.

اما ان سارة توقفت تماما عن كتابة المذكرات فليس لانها شعرت انها انهت تسجيل شهادتها على العصر قبل ان تصل الى السابعة بل السبب هو انها وجدتني مهتما بالامر. وانا بالذات في حالة من العداء الشديد معها- على الاقل من جانبها. فرغم ان علاقتنا لا تخلو من بعض الدفء الموجود عادة بين الاباء واولادهم، الا ان تنافسنا انا من جانب وهي ويارا من جانب اخر على الاشياء المشتركة في المنزل يجعلها تقف مني على الدوام موقفا متشككا. فنحن في حالة صراع دائم تقريبا على الكمبيوتر والتلفزيون. فليس من حقي مثلا ان اتفرج على الجزيرة لان افلام الكرتون لها الاولوية. ونفس الامر ينطبق على الكمبيوتر. واحيانا اكون عائدا الى المنزل فاجدهما جالستان على الكمبيوتر وبمجرد ان ادخل الغرفة تعلنان في صوت واحد "مش ها نقوم".

وهما في العادة لا تجلسان الى الكمبيوتر لتعلم الانجليزية او أي شيء بل لتلعبان العاب غريبة مثل تسريح شعر البنات والباسهن او الطبخ بنقل ادوات المطبخ بالفارة او تأتيان بضفدعة تتقافز بين مستنقعات.

في البداية لم تكونا تعرفان في الانترنت سوى موقع اسمه starfall لتعليم الانجليزية
ووضعته في المفضلة وشرحت لهما كيف تصلان اليه. ولكنهما صادقتا بنات الجيران وهم اكبر منهما قليلا وعرفتا منهم كيف تفتحان جوجل وتكتبان العاب بنات او games . وحتى استطيع ان ابعدهما عن جهاز الكمبيوتر واستحوذ عليه لنفسي قليلا كنت اتعلل بانني احتاجه للعمل والعمل اهم من اللعب. ولكني الاحظ بعد قليل ان سارة تقترب من الجهاز وتحدق في الشاشة وتصيح في غضب: "هو المصري اليوم دا شغل؟ انت قلت نص ساعة بس". وانهض من على الجهاز لانقطاع الانترنت وتجلس هي مكاني ولكنها تفاجأ بالأمر فتصيح في غضب: "بابا خلص الانترنت كلها".

ويعود اهتمام سارة بالكراسة الصغيرة على ما ارجح الى انها كانت هدية من سلمى ابنة خالتها التي تكبرها بنحو ثلاثة اعوام والتي اعتادت سارة ان تلعب معها عندما تذهب الى بنها لاداء الامتحانات بعد ان نجحنا في نقل شقيقتها الى القاهرة وتعثر نقلها هي الى ان رفعنا دعوى امام محكمة القضاء الاداري. واذا ما ذهبت سارة الى بنها تتبناها سلمى وتتيح لها اللعب بكل العابها الى لحظات رحيلها الى القاهرة فتعطيها بعض الهدايا التي تسعد بها سارة اكثر من أي شيء اخر. وظلت تلبس خاتما كان هدية من سلمى الى ان عانينا في خلعه من اصبعها. وكانت الكراسة الصغيرة واحدة من هذه الهدايا وربما فكرت سارة في استخدامها على هذا النحو حبا لسلمى وليس اهتماما بكتابة مذكراتها.

وسارة ستلتحق بالصف الرابع في العام الدراسي القادم واثناء الانتخابات عبرت عن رغبتها في ان ننتخب انا وامها رئيسا يلغي الامتحانات كلها. 

الثلاثاء، يوليو 10، 2012

مصر التعيسة الى أين تسير؟


ابو الهول

مصر دولة عظيمة وفريدة  في عظمتها  فهي الدولة الوحيدة التي يوجد بها ثلاثة اهرمات كبرى وابو الهول واحد، وهي الدولة الوحيدة من دول الربيع العربي التي اطاحت بالرئيس الطاغية خلال 18 يوما ليرثه اعوانه، وهي الدولة الوحيدة التي يوجد بها رئيسان احدهما مدني والاخر عسكري، وهي الدولة الوحيدة التي ينقسم فيها فقهاء الدستور حول قضايا من المفترض ان يكون هناك توافق كبير في الاراء حولها، وهي الدولة الوحيدة التي تفرغ شعبها وقادتها تماما للسياسة والعمل السياسي والجدل السياسي ونسوا أو تناسوا ان يسندوا مهمة اطعامهم والقيام على احتياجاتهم الى أي دولة اخرى، واعتبروا ان الثورة اذا قامت فان المد الثوري والضجيج الثوري يجب ان يستمر الى ان تقوم الساعة.

لقد قام مرسي بتحرك غريب بعد نحو اسبوع من توليه السلطة باعادة البرلمان الذي الغت وجوده المحكمة الدستورية العليا. ومهما كان رأينا في قرار المحكمة كونه مسيسا من عدمه، ومهما كان الرأي في هوية اعضائها ما كان للرئيس ان يظهر بمظهر التعدي على القانون وعلى قرارات اكبر محكمة في البلاد. 
 
لم يجن مرسي من القرار سوى زيادة استعداء القضاء المعادي بالفعل للاخوان كما انه فقد بعض الدعم في الشارع بعد ان ارتفعت اسهمه كثيرا في اعقاب انتخابه والايحاء الصادق بانه سيكون رئيسا من الشعب.

غير ان معضلة مرسي انه ربما يعاني في الفصل الدقيق بين كونه رئيسا لشباب الاخوان وكونه رئيسا للشعب كله وثانيا الفصل بين منصبه في رئاسة الجمهورية وكونه امتدادا لجماعة سياسية لها ايدليوجيتها الخاصة.

 وفي هذا العالم العاصف المثقل بغيوم الصراع السياسي الذي يلوح في الافق تعتبر مصالح الشعب غائبة او مغيبة او على افضل تقدير مؤجلة الى اجل غير مسمى. ويبدو ان الاخوان – دون وعي منهم – يساعدون المجلس العسكري والقوى الاخرى التي تتربص بهم، في التعجيل بالتخلص منهم.

التغيير لا يحدث بين يوم وليلة بل يحتاج الى العمل الدءوب والمثابرة وملء الفجوات وتلمس مواطن الخلل واصلاحها. والاخوان الذين ظلوا ما يقارب القرن يعانون الامرين في سعيهم الحثيث الى السلطة اولى بهم ان يصبروا قليلا ويتأسوا بحزب العدالة والتنمية في تركيا. هل كان يستطيع حزب العدالة والتنمية تحجيم الجيش والحد من تدخله في الشؤون السياسة دون ان يحظى بدعم موسع من الشعب نتيجة ما حققه من تنمية اقتصادية ورفاهية.

المصريون يشعرون بالقلق والخوف من المستقبل وهو نفس الخوف الذي عصف بهم منذ قيام الثورة حتى الان مضافا اليه عدم الشعور بالطمأنينة الى الغد، وهو الامر الذي كانوا يعتقدون انه سينتهي بانتخاب الرئيس. ولكن يبدو ان مصر بلد تعيسة جدا..تعيسة بابنائها..تعيسة بقادتها..تعيسة بكل شيء، ولكن الشيء الثابت ان ابو الهول الذي يشهد مآسيها وملاهيها عبر الاجيال ربما يخرج عن رشده يوما ما ويتكلم.   

الثلاثاء، يوليو 03، 2012

الصراع السياسي بين الواقع والمسرح





كيف سيكون شكل الصراع القادم بين المجلس العسكري والرئيس؟. هل سيكون هذا الصراع شد وجذب من تحت المائدة ام انه سيكون علنيا وسافرا؟.  العسكر من الواضح ليست لديهم رغبة في تقديم أي تنازلات بل كانت التنازلات التي رأيناها خلال الايام الاخيرة كانت من جانب الرئيس وان سعى الى تجميلها واظهارها بمظهر الحلول الوسط لكي يرضي جميع الفئات المتعارضة. وتبدى ذلك واضحا في اعلان المجلس العسكري انه سيعلن منصب الرئيس شاغرا مالم ينصاع لما يقضي به الاعلان الدستوري المكمل ويؤدي اليمين امام المحكمة الدستورية العليا. ودفع ذلك الرئيس الى ان يؤدي القسم ثلاث مرات مرة في ميدان التحرير ومرة اخرى في المحكمة الدستورية ومرة ثالثة في الاحتفال الذي اقيم في جامعة القاهرة.

العسكر يقومون بدور المماليك التقليدي في الدولة المصرية في عصور ما قبل الدولة الحديثة حيث الاحتفاظ بالامتيازات الكبيرة مقابل الدفاع عن الدولة ضد أي اعتداء خارجي. وهم حريصون حرصا كبير على الا يتم أي اقتراب من سلطاتهم وما يعتبرونه من المحرمات مثل اقتصادهم الذي يقال انه يتراوح بين 30 الى 40 في المئة من اقتصاد الدولة.

ومن شأن التوتر بين الرئيس المدني والعسكر ان يجعل ادارة الدولة غير سلسة ويمكن ان يؤثر بصفة خاصة على الاقتصاد رغم ان مصر في حاجة شديدة الى تحقيق تنمية كبيرة وتعويض نحو عام ونصف تعطل فيها الانتاج في اكثر مرافق الدولة تقريبا وتعرضت لخسارة اقتصادية كبيرة. البورصة ليست مؤشر على الانتعاش الاقتصادي على المدى الطويل لان البيع والشراء من خلالها يمكن ان يتم خلال ساعات. ولكن الاهم والاكثر وضوحا سيكون هو تدفق رأسمال كبير واستثماره في مشاريع صناعية تحمل صفة الرسوخ والثبات والاستثمار على المدى الطويل.

لو تمت ادارة الصراع بتقديم بعد التنازلات من الطرفين وظل محجوبا عن العلن سيكون ذلك مؤشر طيب على تقديم مصلحة الدولة والشعب على المصالح الفئوية والحزبية الضيقة ويمكن ان تسير مصر سيرا حثيثا الى ان يتم نقل السلطات كاملة الى الرئيس بعد ان يبني مؤسسات الدولة وتبدأ القيام بعملها على الوجه الأكمل.

هناك الكثير من الشائعات عن رغبة الحرية والعدالة في تكليف البرادعي بتشكيل الحكومة. وربما كانت هذه افضل واهم الخطوات التي يمكن ان يتخذها الاخوان لان البرادعي هو شخصية دولية عليها اجماع في الداخل والخارج وسيكسب اختياره الاخوان مصداقية كبيرة يفتقدونها في الواقع لانه ليس منهم بل هو شخصية اقرب الى التيارات الليبرالية والعلمانية كما انه من الشخصيات المقربة من كل الفئات الثورية.

لقد سعى البرادعي بين المجلس العسكري والاخوان مؤخرا لحل بعض الازمات مما يكشف ان الرجل لديه قدر من المرونة وعدم التصلب. وفي ضوء الحملة التي يشنها بعض الاعلاميين الذين تستخدمهم ربما جهات مشبوهة كانت اشبه بالقطط الاليفة في عهد الطاغية، يكتسب اختيار البرادعي للمهمة اهمية خاصة لته سيبعد عنهم تهمة الرغبة في الاستئثار بالسلطة. 


مسرحية "هبوط آمن" هي مسرحية كوميدية تقوم على فرضية عودة مبارك الى السلطة في عام 2014 والصراع بينه وبين المجلس العسكري ورغبته الازلية في تعيين جمال خلفا له. ولكن انماط الصراع بين رئيس مدني والمجلس من المؤكد ستكون مختلفة لاختلاف المعطيات والمتغيرات.



الاثنين، يوليو 02، 2012






استقطروا احلامكم قبل ان تستيقظوا على الصدمة

منذ سنوات قرأت قصة قصيرة لكاتب امريكي لا اذكر اسمه ولا حتى اذكر عنوان القصة، ولكنها علقت بذهني مثل كل الاشياء الجميلة التي قد يقع عليها المرء بالصدفة. وتروي القصة حكاية سائق قطار أمريكي كان يمر في طريقه على منزل صغير وجميل وانيق كانت تخرج من نافذته امرأة شابة تلوح له بمنديلها كلما مر. ثم اصبحت المرأة تقف والى جانبها طفلة صغيرة. وتتابع مرور القطار وتتابعت الايام ونمت الطفلة واصبحت امرأة مكتملة الانوثة تقف الى جانب أمها وتلوحان له في غدوه ورواحه.

وتقاعد الرجل من عمله واراد ان يزور السيدتين. ولكنه عندما اقترب منهما لم ير نفس الصورة التي كان يراها وهو مار بقطاره أي الصورة التي رسمها في مخيلته لهما، ولا هما رحبتا به بل استقلبتاه في فتور وبرود وكأنهما تقولان له ما الذي اتى بك؟.

واحيانا ما تكون الصور التي نختزنها في خيالنا عن الكثير من الاشياء افضل بكثير من الواقع. وهو الدرس الذي تعلمناه من الربيع العربي بصفة عامة ومما يحدث في مصر بصفة خاصة.  من منا لم يحلم بثورة تخلصنا من مبارك في مصر وامثاله في المنطقة العربية كلها؟. ولكن الدم الذي اريق ويراق يجعلنا نفكر. ألم يكن الحلم الجميل الذي احتضناه بخيالنا على مدى عقود افضل بكثير من هذا الواقع الذي نراه؟.

في مصر عاش المصريون حلما جميلا بدأ في يوم اندلاع الثورة واستمر حتى يومنا هذا. صحيح كانت هناك الكثير من المنغصات والدماء التي اريقت مرات عديدة دون ضرورة، ولكن المصريين مازالوا يلملمون بقايا احلامهم وينفخون في الجمر الذي اوشك ان يخبو ويتحول الى رماد.

غير ان الصدمة الكبيرة، صدمة اليقظة الكاملة، لم تأت بعد. الصدمة التي تم التمهيد لها من زمن بعيد حتى لا تكون اليقظة من الحلم كارثة وانما يتقبلها المرء باحساس باهت بين اللامبالاة والقلق، مثل الشخص الذي يفيق من غيبوبة بعد زمن، قد تصفعنا قريبا. ولكنها في حالتنا لم تكن غيبوبة فقط بل كانت كابوسا مريعا. وتم التمهيد بحرفية عالية وبمهارة بحيث يقنع الشعب من غنيمة الثورة بالاياب الى عالم ما قبل الثورة ويحلم بان تكون عودة كل شيء والوهم بالتدفق المصطنع والطيب للحياة، هو اقصى امانيه.

اما الصدمة فسيحين موعدها عندما يقف رئيس لجنة الانتخابات الرئاسية التي اضفى عليها الاعلان الدستوري عصمة الانبياء ليعلن علينا عودة احد الوجوه القديمة من النظام البائد لتصدر الحكم في مصر. وكل التمهيد السابق على مدى اكثر من عام قصد منه الا يشعر الناس بالصدمة كما هي في الواقع بل بانها في اسوأ الاحوال امر واقعي يتعين التعايش معه وفي افضلها سيتنفس كثير من الناس الصعداء لانهم خرجوا من النفق اللعين المسمى بالثورة الى الحياة، او ما يتوهمون انها الحياة، مرة اخرى.

المصريون اشبه بأطفال دخلوا حديقة ملاه في وسط الصحراء فظلوا يلعبون ويلهون ويجربون جميع الالعاب فيها متناسين ان هناك مافيا في الحديقة وان هناك اطفال يختفون من بينهم من ان لاخر. ولكن لان اللهو جميل واللعب مغر فقد ظلوا منشغلين بهما الى ان اطفئت الانوار في الحديقة واخرجوا منها عنوة في منتصف الليل ليواجهوا الصحراء المخيفة وزئير الرياح والاشباح التي تتحرك في الظلمة.

التاريخ في مصر لايسير الى الامام بل يدور في دوائر وحلقات مفرغة، تتشابك مع بعضها في لحظات التماثل والاستواء لتخرج لنا بصورة مكررة من الماضي، ومن هنا لا تكون الدهشة ولا المفاجأة بل القبول والتسليم بالواقع لان مصر في القرن الحادي والعشرين مازالت تعيش خارج اطار التاريخ العام للعصر.