الصفحات

الجمعة، نوفمبر 18، 2011



الثورة العارية

كاد اليأس ان يعصف بي في الاسابيع الاخيرة من نجاح الثورة المصرية وتيقن لدي انها كانت مجرد حلم ليلة صيف لم يلبث ان تبخر ولم يبق منه سوى آلام الضحايا لولا ان شابة جميلة ارادت ان ترسل برسالة للجميع – وانا منهم - بان الثورة المصرية ما زالت تنبض بالحيوية وان افضل ما فيها لم يخرج بعد مثل الزهور التي لم تفتح اكمامها، فقررت ان تضع صورتها عارية تماما على الانترنت لتصل بذلك الى ذروة الثورية. والواقع ان علاقة العري بالثورة قديم قدم الثورة الفرنسية وربما يفسره مصرع مارا عاريا بسكين في حمامه على يد فتاة من فلول الملكية وان كان هناك خلاف حول سبب اقدامها على ذلك العمل: هل هو الولاء السياسي او الولاء العاطفي المتمثل في الانتقام لمقتل صديقها؟.

واثارت الفتاة بظهورها عاصفة في الصحف وعلى الانترنت فالبعض حياها على ثوريتها الزائدة فيما ادان البعض تصرفها. والواقع ان عرى الفتاة ربما يكشف دون قصد منها عما وصل اليه حال الثورة المصرية. فالثورة المصرية حتى الان لم تحقق أي من مطالبها ولا اهدافها والمجلس العسكري الذي ادعى انه حامي الثورة اتضح انه يتخذها مطية ويستغل سلطته في حماية كل اركان النظام القديم والتلاعب بمصير الأمة. والعري في هذا الحالة يكون معادلا موضوعيا لحالة الجمود والإفلاس التي وصلت اليها الثورة ولا يتجاوز كونه حالة من حالات الانفلات الاخلاقي يشبه الى حد كبير حالات الانفلات الامني السائدة في مدن وحتى قرى مصر.

هل كان نظام مبارك يمنع العري مثلا حتى يكون تعري الفتاة على هذا النحو هو قمة الثورية. بالعكس نظام مبارك لم يترك شيئا محترما في مصر الا وعراه وجرده من ثوب الفضيلة والاخلاق. وما نعانيه الان وربما ما سنعانيه لسنوات لا يعملها الا الله هو من تأثير نظام مبارك. واثبت المجلس العسكري حتى الان انه ليس لديه القدرة على الابتكار للخروج بأي جديد حتى في اساليب مبارك واحتياله للبقاء في السلطة. واذا كان مبارك وكل نظامه قد اعلنوا ان الفوضي هي البديل الوحيد لوجودهم في السلطة، فان المجلس العسكري يحاول استخدام نفس التكتيك لتبرير استمراره في السلطة.

ولو اراد المجلس العسكري القضاء على الفوضي واستقرار الاوضاع بما يمهد لتسليم السلطة للمدنيين لفرض الاحكام العرفية لبعض الوقت ولكن لماذا لا يكون هناك مجالا للمناورة والتلاعب وتمرير الامور في اجواء من التخويف. هذه الاجواء لا تؤدي ولن تؤدي ابدا الى سير الامور بسلاسة كما يتخثل المجلس ولعل ابرز دليل على ذلك رفض الماجنا كارتا التي ستدحرج بالسلمي الى بوابات التاريخ. 

الناس خائفون وقلقون مما سيحدث في الانتخابات خاصة وسط تهديدات الفلول واشتعال الاجواء بين اشخاص كانت لهم السيطرة بلا منازع واخرين يعتقدون انهم افسدوا الحياة السياسية على مدى عقود ويجب ان يمنعوا تماما من ممارسة السياسة وتضارب الاحكام القانونية لصالح هذا وذاك. ولكن بدلا من ان تسعى الحكومة الى طمأنة الناس تحاول وزارة التعليم اثارة الفزع بين اولياء الامور بان امتحان نصف الترم قد يتم اعتباره امتحان الترم في حالة حدوث فوضى اثناء او بعد الانتخابات وهي رسالة اعتقد انها صادرة بالاحرى من المجلس العسكري.

الاشارة الى احتمال حدوث عنف في الانتخابات وتوقعه حتى لو كان واردا، هو امر خبيث وغير مقبول ومن شأنه ان يجعل الناس تحجم عن التصويت. فهل هي دعوة لاجهاض الانتخابات قبل ان تبدأ؟ ولماذا لم نسأل انفسنا عن عدم حدوث نفس الشيء في تونس؟.

الثورة التونسية نجحت ونظمت انتخابات ناجحة والثورة في ليبيا نجحت في القضاء على النظام اولا ثم قضت على رأس النظام وان يكن بصورة منفرة وبعد ان فقد اهميته وهي بسبيلها لتنظيم انتخابات ناجحة. ولذلك لم تخرج فتاة في أي من الدولتين لتخلع ملابسها ولكن فتاة مصر العارية تكشف عن عري الثورة من كل مطالبها وكل اهدافها وانها تجردت فعلا من كل شيء حتى الحياء.   

الاثنين، نوفمبر 14، 2011




حديقة العاهات


كلمة لا بد منها

اوضاع الصحافة في مصر محزنة للغاية. فهناك بين الصحفيين نجوم يحيون حياة الاباطرة سواء في الصحف الحكومة (ولاسيما في العهد البائد) او في الصحف والقنوات الخاصة. اما الجانب الاكثر من الصحفيين المصريين فيعيشون نهبا لظروف غريبة واوضاع مرهقة بصورة تجعل كثيرين منهم يلهثون لكي يحصلوا على ما يقيم اودهم. وبين اولئك وهؤلاء تتبدي مسئولية الدولة في التجاهل التام لكل شيء ورعاية اعلام عفن يسعى الى غسل ادمغة البشر وتوجيههم حسبما تتجه دفة الحكم.

وكان من المتصور ان ينتهي كل ذلك بعد الثورة ولكن التغير يعد بطيئا – في كل المجالات وليس في الاعلام فحسب - بصورة تثير الشكوك في ان يكون هناك أي نية حقيقية للتغيير.

وفي العهد البائد – الذي يعد العهد الحالي امتدادا بذيئا ومقنعا له – تستمر نفس الاوضاع تقريبا كما كانت. والعسكر من صبية مبارك الذين ورثوه في السلطة لا يجدون غضاضة في قبول هذه الاوضاع بل وحمايتها.

وربما يعتقد البعض ان المفارقات الغريبة في الصحف الحكومية المعروفة بالقومية هي افحش ما يمكن ان نتخيله ولكن هناك كوارث اخطر غير انها قلما تلفت اهتمامنا او تسترعي انتباهنا لانها تقع في زوايا معتمة واركان مظلمة..في مكاتب المؤسسات الاعلامية غير المصرية التي تتخفى تحت صفة العالمية او الدولية او ما اليها. وهي بالفعل كذلك في البلاد التي تحترم حكم القانون وتلزمها بالامتثال لقوانينها. اما في مصر فهي تتحول الى مؤسسات مصرية بحتة من ناحية ادارتها حيث تشيع فيها المحسوبية وعدم احترام الكفاءة والظلم والقهر في ابشع صورهم، ولكنها في نفس الوقت تظل محتفظة بصفتها الدولية عندما يتعلق الامر بتعامل الاجهزة الحكومية معها، فتجد هذه الاجهزة تعاملها معاملة السفارات التي تحظى بالحصانة الدبلوماسية. وغالبا ما تكون علاقة هذه المؤسسات بالدولة ملتبسة فالدولة في حاجة الى التعامل معها بحذر وربما نقول استرضائها لتراعي ذلك في تغطيتها لاخبارها او التحليلات والتحقيقات التي تكتبها والتي تنظر اليها الصحافة المحلية في الغالب على انها قمة الموضوعية رغم انها في الواقع ليست كذلك دائما. وهذه المؤسسات ايضا تكون بحاجة الى الدولة التي يمكنها ان تعرقل عملها  مثلا برفض التصاريح الاعلامية التي تحصل عليها من جهات امنية. وبين احتياج هذا لذاك وذاك لهذا تسقط اشياء صغيرة في الطريق ويتم التغاضي عنها مثل الالتزام بقوانين العمل ومعاملة الموظفين وقيام المؤسسة بالتزاماتها المالية تجاه الدولة واشياء اخرى كثيرة.

ورغم ان هذه المؤسسات لديها قوانين دقيقة ولوائح تلتزم بها في الخارج الا انها من حيث نمط ادارتها في مصر تظل مصرية الطابع مع كل ما يحمله ذلك من موبقات حيث تقوم على مراعاة الخواطر والمجاملات والتغاضي عن الكفاءة والظلم البين. وغالبا ما تغض الشركة الام بصرها عن ذلك في مقابل ما يبدو لها على انه نوع من الادخار والتوفير بالنسبة لها طالما كان ذلك يمضي دون أي مضايقات ولا احتجاج من السلطات المحلية.

ولان الموضوع ينطوي على مصلحة للشركة في استغلال الصحفيين مقابل اقل تكلفة فلا يصعد الى هذه المواقع سوى ذوي النفوس الوضيعة ممكن تمكنوا – من خلال سجل طويل من الاحداث – من البرهنة على اخلاصهم للشركة قبل كل شيء. ويمكن لهؤلاء ان يشركوا بعض اقرانهم في ظلم الاخرين تحت مسميات عجيبة مثل القيادة الجماعية او الاشتراك في اتخاذ القرار. ومن الطبيعي ان تعمد هذه المؤسسات الى اختيار هؤلاء المسؤولين ممن يبدون استعدادا مبكرا لخدمة مصالح المؤسسة على حساب الصحفيين، وقدرة على التلاعب بالقوانين والبحث عن الثغرات فيها والنفاذ اليها بمساعدة مكاتب المحاماة والمحاسبة.

ورغم الظلم الكبير في الصحف الحكومية ايضا الا ان هؤلاء يمكنهم اللجوء الى النقابة وهذه لا تتوافر لكثير من العاملين في هذه المؤسسات ممن لم يحصلوا على عضوية النقابة.
وتعمل مكاتب الكثير من هذه المؤسسات في القاهرة ليس بمعزل عن قوانين الشركة الام التي تطبق في الدول الاخرى فحسب بل ايضا بمعزل عن قوانين العمل المحلية وحتي ابسط اخلاقيات العمل التي اتفق على احترامها في المؤسسات الدولية. وهذا ما يعطي العاملين فيها من ذوى السطوة فرصة نادرة لصياغة معايير مهنية فريدة خاصة بهم فمثلا في الوقت الذي لا تحترم فيه المؤسسة أي موضوعية تجدهم يتشدقون بانهم الهة الموضوعية، ويقدمون مبررات غير عقلانية لسلوكياتهم المريضة مهما بلغت درجة عدم معقوليتها. ولذلك تجد في هذه المؤسسات ضروبا من الظلم وفنونا من المهانة والوانا من الممارسات الغبية.

والوتيدي هو شخصية تجمع بين شخصيتين في الواقع يعملان في نفس المكان. والشخصية الاولى تشبه الى حد كبير رئيس النظام البائد في احساسه المتضخم بالرضا عن الذات والموضوعية المطلقة في الوقت الذي يزحم فيه المكان باقاربه وابناء اصدقائه. وهو يبدي استعدادا غريزيا للمبادرة بتقبيل أي يد يتخيل انها قد تؤثر على وضعه في الوقت الذي يمكن ان ينكل فيه بأي شخص يعترض على ممارساته القميئة.

وتسلك احد قريباته – والتي تشغل موقعها عن طريق المحاباة الفجة  - في المكان مسلك سيدة مصر الاولى السابقة فترفع هذا وتهبط بذاك وتعاقب ثالث وتنذر رابع وتتصرف في المكان بيد مطلقة. اما الشخصية الثانية التي يمثلها الوتيدي ايضا فهو رجل يساري سابق او لنقل انه يساري مرتد ولكنه يذكرك بقصيدة إليوت "الرجال الجوف"، وهو قاريء جيد ومستهلك طيب للكتب ولكن الثقافة بالنسبة له تظل مجرد قشرة خارجية ووسيلة للاستعلاء على الاخرين، دون ان يكون لها ادنى اثر على سلوكياته. ورغم احتكاكه السابق باليسار الا انه يبدو في مسلكه حتى مع زملائه ذو عقلية اقطاعية ويتصرف بصورة تنم عن شبق وجوع شديد للسلطة. 

توني هو شخص شبه معتوه ونرجسي ويعتقد انه فلتة في عالم الصحافة. وهو اضافة الى ذلك شخصية عنصرية بغيضة يزدحم عقله بالحفريات الاستعمارية،  ولا يمكن للوتيدي ان يقطع امرا دون استشارته والرجوع اليه خاصة عندما يترتب عليه أي اعباء مالية على المؤسسة.

فريدة ربما كانت شخصية مترددة وهشة وانفعالية في المسرحية ولكن فريدة الاصلية دنيوية ومادية وتعيش بحواسها. والاحداث في الواقع ربما تفوق ما يحدث في المسرحية فيما يتعلق ببيئة العمل الفظيعة وحادثة المحررة راندا التي وصفت المكان بانه ابشع من جوانتانامو هو موقف حقيقي.

المسرحية يقع جزء منها قبل الثورة وتمتد الى شهر مايو من العام الجاري وان كانت الثورة لا تحرك احداثها بصورة مباشرة. ولكن تعليقات البعض داخل المؤسسة تكشف تأثيرها عليهم وموقفهم منها وما احدثته في حياتهم من تبدل محدود وما اثارته لديهم من مشاعر خوف او كراهية. وباستثناء حسام الذي لا يظهر في المسرحية لا توجد شخصية ارتبطت بالثورة ارتباطا مباشرا سوى فريدة.

والثورة المصرية بدأت بداية عاصفة وقوية واستطاعت ان تتخلص من ديكتاتور من ابشع ما شهده القرن الاخير والحالي. ولكن العسكر الذين نزلوا الى الميدان بحجة حماية الثورة مالبثوا ان صادروها او احتجزوها في احدى ثكناتهم وادعوا انفرادهم بملكيتها دون بقية طوائف الشعب، بل راحوا يعاملونها وكأنها انقلاب قاموا به. ويتم تقديم الثورة للمصريين – عن طريق اعلام سيظل اسير السلطة - على انها ابعاد اسرة مبارك وبعض افراد النخبة الحاكمة وسجنهم أي ان الثورة تم اختزالها في الاسرة الحاكمة وبضعة افراد من المقربين منهم ولكن التغيير الحقيقي لم يحدث في مصر الى الان واعتقد انه لن يحدث طالما ظل العسكر في السلطة.  


اقرأ المسرحية على هذا الرابط : 
(اضغط على مربع الشاشة الكاملة اسفل الصفحة من اجل تكبير الخط ووضوحه)


الجمعة، نوفمبر 04، 2011





طنطاوي مرشح الفلول لرئاسة الجمهورية؟

الحمد لله نحن امة ولادة لا تخلو ابدا من انتاج العاهات الذين يحيروننا بضعفهم العقلي. ولعل اخر العاهات التي طفت على السطح في مصر شيء  اسمه محمد عطية منسق شي آخر اسمه ائتلاف مصر فوق الجميع الذي يدعو الى ترشيح المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري لرئاسة مصر.

ولو تحدثت مع هذا الشخص وقلت له ان هناك على الاقل 80 مليون مصري يفهمون اكثر منك (بما فيهم الاطفال الرضع ونزلاء مستشفيات الامراض العقلية والعصبية) ولو كان حكم العسكر مفيدا او نافعا لمصر لبادروا من قبلك بالمناداة به سيقول لك ان الامور لا تخضع للمنطق ولا للعقل هنا بل انه الإلهام الذي حل على سعادته وهو جالس على مقهى في وسط البلد يشد في الشيشة وسحب الدخان ترتفع حوله فاستلهم منها ان مصر ستزدهر في ظل حكم العسكر.

قبل ذلك ظهر بني آدم اسمه مجدي الكردي جاء من اقصى اليسار المهمش اجتماعيا واقتصاديا من حزب التجمع وقاد حملة لترشيح جمال مبارك نجل ملك مصر السابق وقال ايضا انها تمول بالجهود الذاتية واعلن على الملأ انه اضطر الى بيع شقته لكي ينفق على الحملة ثم اتضح بعد ذلك انه لم يمتلك شقة طوال حياته بل لم ينم حتى في شقة الا على سبيل الاستضافة. ولان التاريخ يكرر نفسه فسوف يخرج علينا عطية غدا او بعد غد ليقول انه باع سيارته المرسيدس لكي ينفق على الحملة لنكتشف بعد ذلك ان الرجل لم يمتلك دراجة في حياته.  

حملة الكردي كانت ردا على حملة الجمعية الوطنية للتغيير التي كانت تسعى الى جمع مليون توقيع للمطالبة بتعديل الدستور الذي جعله ال مبارك حكرا عليهم ومن هنا يمكن ان نلتمس بعض العذر حتى للكردي. اما حملة المدعو عطية في هذا التوقيت فلا تعدو ان تكون من قبيل طفح المجاري. وما اسهلها على العسكر او الفلول (مصلحة الطرفين واحدة) ان يعثروا على شخص مثله على باب احد مساجد القاهرة او جالسا على احدى مقاهيها ليقود حملة من هذا النوع المشبوه.

اخر ما تحتاج اليه مصر الان هو حكم العسكر ويجب على العسكر ان يفهموا ذلك جيدا. حكم العسكر مرفوض حتى لو اتوا من صفوف الملائكة. صحيح ان الفوضى التي اشاعها النظام البائد خدمتهم بعض الوقت مع تقاعس الشرطة لكن هذا الوضع لن يستمر. مصر لن تمضي خطوة الى الامام في ظل العسكر ويكفي انه خلال اقل من عام على قيام الثورة اثار المجلس العسكري كل مخزون الذكريات والانطباعات والمشاعر السيئة عن حكم العسكر في العالم العربي والعالم الثالث كله.

كل ما يفعله العسكر منذ تفضلوا على الثورة بحمايتها وتبنيها ورعايتها لا يشير اطلاقا الى انهم يعاملوها كثورة قام بها الشعب بل كانقلاب قاموا به هم، مع قيام الانقلابيين – ربما للمرة الاولى في التاريخ – بالحماية الكاملة للنظام الذي انقلبوا عليه. هل كان العسكر حقيقة يتململون تحت حكم مبارك وينتظرون انطلاق الشرارة الاولى؟. لقد اصبحنا نشك في الكثير من المسلمات التي امنا بها في الايام والاشهر الأولى للثورة.

خلال اقل من عام جعل المجلس العسكري المصريين يكفرون بكل الثورات. شيء طبيعي ان تجد البسطاء يتباكون على ايام مبارك..لكن هل تخيل المجلس الموقر ان المثقفين بدأوا يتحدثون عن ان ايام مبارك كانت افضل..لماذا؟. لقد كان مبارك موجود امامنا وطالما كان ماثلا امامنا كان هناك الامل في رحيله ولكن الثورة ادخلتنا في تناقض مذهل فمبارك موجود وليس موجودا في نفس الوقت؟. وهو ليس موجودا في السلطة ولكنه بنفس القدر موجود بها ويسير امورها فيتخذ القرارات ويمرر الاجراءات ويسير على نفس نهجه القديم.

المجلس العسكري حتى الان يبدو كما لو كان يحكم بالنيابة عن مبارك ولكن حتى التفويض الذي منحه اياه الرئيس المخلوع يبدو محدودا ولا يتيح له مجالا واسعا للحركة. ومن الطبيعي والبديهي جدا ان ينص التفويض اول ما ينص على تمييع الثورة وتذويبها قدر الامكان مع الحفاظ على كل النظام الذي كان العسكر على مدى سنوات ومازالوا جزءا منه.

والعسكر الان يحسبون حسبتهم من الرئاسة. ولاشك انهم سيسعون الى الدفع باحد ابناء القبيلة اليها يستوى في ذلك ان يكون هذا الشخص خلع البدلة الميري من سنوات او مازال يرتديها حتى الان. وهناك عدد من العسكريين المتقاعدين المرشحين للرئاسة ولكن طنطاوي هو المرشح الوحيد حتى الان الذي مازال موجودا في الخدمة وقد تظهر غدا حملة تدعو لاختيار سامي عنان لمنصب نائب الرئيس. وما المانع حقيقة ان يكون طنطاوي رئيسا وعنان نائبا له ليعيدوا سيرة عسكر ما بعد ثورة 52 وتظل مصر تدور في حلقة مفرغة.

ويسعى العسكر ايضا الى تضمين الدستور مواد تعطيهم سلطة تحافظ على الاستقلال الكامل للمؤسسة العسكرية بل وتعطيها حتى سلطة التدخل في كثير من جوانب الحياة المدنية بحجة حماية الشرعية الدستورية على غرار النموذج التركي في الستينيات من القرن الماضي في الوصاية على الدولة العلمانية. وسيكون علينا ان ننتظر عقودا الى ان يظهر لدينا شخص مثل اردوغان يحاول تحجيم المؤسسة العسكرية والحد من تدخلها في السياسة. ولان مصر لا تنجب اردوغانات بل لا تجود سوى بأمثال الكردي وعطية واضرابهم فقد ننتظر الى الابد.