ما زالت تداعيات الحكم الذي صدر يوم السبت على الرئيس مبارك ومعاونيه تثير موجات من الغضب بين الكثير من فئات الشعب. والواقع ان الحكم على مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي بالسجن المؤبد في جرائم قتل المتظاهرين ربما كان هو افضل جوانب الحكم. ومن المتوقع ان تنتهي حياة الاثنين في السجن مما يجعلهما عبرة للاخرين الذين سيتولون هذا المنصب او ذاك في المستقبل.
والمطالبة الشعبية بالاعدام ربما في حالة مبارك بالذات تبدو مستحقة ولكنها قد لا تكون مطلوبة بل ربما حتى مرفوضة ولا تخدم الصالح العام بالمرة. ولا شك طبعا في مسؤولية مبارك عن قتل المتظاهرين ولكن ربما كان من الافضل لمصر ان يقضي مبارك نحبه في السجن لان اعدامه يمكن ان يصنع منه بطلا وقد يؤدي ذلك الى خلق موجه من التعاطف الاهوج معه ومع اسرته - خاصة اذا اخذنا طبيعة المصريين العاطفية في الاعتبار - لا نستبعد ان تحمل احد اولاده الى السلطة بعد عقد او عقدين كما حدث مع اسرة على بوتو في باكستان رغم ان جرم بوتو لا يمثل سوى قطرة من بحر من بحر الاجرام الذي عب منه مبارك حتى الثمالة. ولذلك من الاصوب ان يقضي ما تبقى له من سنوات في السجن الى ان تنتهي حياته في صمت ويسقط من الذاكرة.
اما سقوط الجرائم الاقتصادية بالتقادم فهذا من شأنه ان يسهل احتفاظ المجرمين باموالهم وهو السبب الذي جعل المصريين يقبلون بمحاكمتهم امام القضاء العادي بدلا من محاكمتهم اما محاكم ثورية فقد قيل ساعتها ان المحاكم الثورية لن تنجح في رد الاموال المنهوبة لنا ولكننا وصلنا الى نفس النتيجة بالقضاء العادي. ومن شأن احتفاظ المجرمين بأموالهم وسقوط الاتهامات بالفساد عنهم لانقضاء المدة ان تحبط المستثمرين الجادين عن العمل في مصر. المستثمرون يبحثون عن الاماكن التي تتوافر فيها الشفافية ويلاحق فيها الفساد. واذا كنا نريد فعلا ان ان نخلق بيئة جاذبة للاستثمار يجب ان تحسم كل قضايا الفساد بصورة عادلة.
اما الجانب الذي يظل لغزا محيرا لا يفهمه الناس ويمثل سبة حقيقية في تاريخ القضاء المصري فهو تبرئة معاوني العادلي الستة وهي سابقة خطيرة لانها ترقى الى ان تكون ترخيصا بالقتل. أي انها رسالة لقتلة المستقبل بان الطريق ممهد امامهم لارتكاب نفس الجرائم والافلات من العقوبة. ان اتخاذ اتلاف الادلة او افسادها كذريعة ليست عذرا كافيا لان القاضي يعلم علما يقينيا بان هؤلاء ليسوا ابرياء بالمرة. والمسألة تتعلق بطريقة عمل القضاء الغبية أكثر تتعلق بفساد القاضي.
واذا جاء شفيق الى السلطة وهو ما يبدو لي واضحا جليا ومتوقعا - ليس بسبب غفلة الناخبين فقط - بل ايضا لاسباب اخرى كثيرة، واستقرت له الامور – وهو أمر مستبعد – من المرجح الا يتم التقليب في هذه الاوراق مرة اخرى. وسيتعين على اسر الشهداء والمصابين ان يجرجروا احزانهم والامهم وشكاواهم واحساسهم بمرارة الظلم، حتى باب القبر حيث العدالة الالهية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق