منذ ايام حملت الينا وسائل الاعلام خبرا عن حكم قبلي صدر باعدام اربع باكستانيات كن يغنين في فيديو ظهر فيه شابان من قبيلة اخرى. وصدر الحكم بالاعدام على الجميع ولكن الشابين تمكنا من الهرب من القرية وابلغا السلطات ان النساء نحرن نحرا. وبنفس الصورة البغيضة والغبية تم نحر الفتاة المسكينة التي قيل انها كانت مع نائب حزب النور السلفي في سيارته ولكن ليس بحكم قبلي بل بحكم صحفي.
على أي حال فالاوضاع في باكستان كانت اكثر تحضرا فقد ثارت جماعات حقوق الانسان كلها وطالبت بالغاء هذه الاحكام القبلية الجائرة والغبية.
في مصر كانت الصورة مختلفة وسط صراع سياسي بين اطراف في معركة مازال اوارها محتدما واعلام دنيء لا يتورع عن أي شيء في سبيل ما يعتقد انه سبق صحفي. لقد اعتبرت الصحف المتداعية الامر سبقا صحفيا وتبارت في نشر الاحرف الاولى ثم الاسماء الكاملة ثم اسم العائلة والقرية بل وخصصت لها مساحات على الصفحات الاولى وكأنها حادث هام سيؤثر على مصير البلد في ظروف تاريخية اقل ما يقال فيها انها صعبة للغاية. لاكت كل الصحف تقريبا سيرة الفتاة بل وفتيات اخر وتعرض الجميع لنوع من المعاملة التشهيرية لا يمكن ابدا ان تحدث في مجتمع شبه متحضر. واصبح الامر اشبه الى حد كبير بفضائح صحف التابلويد البريطانية التي تسعى الى الاثارة بأي ثمن وان لم يتوفر في الحالة المصرية حتى الضمانات التي يوفرها القانون البريطاني لامثال هؤلاء الضحايا. لم يحفل احد بتذكر محنة الفتاة التي كانت ضحية هذه الكارثة وحتى فتيات اخر لمجرد انهن يحملن اسمها الاول.
بعيدا عن انعدام الموضوعية في التناول الاعلامي للقضية والذي يمكن ان يدفع اهلها في بيئة ريفية محافظة الى قتلها، ففي مجتمع مازال قبليا وان يكن بصورة مختلفة عن المجتمع الباكستاني لنا ان نتساءل: هل لو كانت هذه الفتاة هي ابنة احد الكبار الصغار في البلد هل كان سيحدث لها ذلك وتعامل بهذه الطريقة؟.
اين منظمات حقوق الانسان والدفاع عن المرأة مما تعرضت له هذه الفتاة وسمياتها في القرية؟. اليس من حق هذه الفتاة حماية سمعتها وخصوصيتها الى ان يفصل القضاء في الموضوع. وحتى لو ثبتت ادانتها هل المنطقي في مجتمع ريفي يهتم اهتماما كبيرا بقضايا الشرف ان يشهر باسمها على هذا النحو؟.
انها ليست حكاية من حكايات التاريخ ولا التراث التي حملتها الينا الكتب بل هي حكاية الضعف البشري المعتادة مقترنا بالغباء وسوء السلوك. وفي جو من العفن المسموم الذي يكتنفه الصراع السياسي بعد الثورة كان هناك سقوط ابشع للقيم والتضحية بالاخرين بصورة لاتراعي على الاطلاق ان الضحايا بشر من لحم ودم يعيشون بيننا.
ما حدث في قضية ونيس ونسرين يشير بصراحة الى ان مبارك ونظامه كان يمثلان بالنسبة لهذا المجتمع شيئا اشبه بالغطاء الحديدي المحكم لمجرور الصرف الصحي الذي مرت عليه شاحنة ضخمة فحولته الى حطام وهنا انطلق من اسفله كل النتن والعفن والافاعي والحشرات التي ما كان احد يتخيل انها موجودة وكامنة تحت هذه الغطاء. وهل يبيح الصراع السياسي غير الشريف بالمرة التضحة بكل شيء على هذا النحو؟.
ونيس ليس هو العضو الاول في حزب النور السلفي الذي يثر هذه الضجة في حزب ناشيء لم يمارس السياسة من قبل. والغريب ان الحزب يعد حذرا ومتيقظا في سياساته تحت القبة البرلمانية وبالغ المحافظة في الصورة التي يعكسها اعلاميا ولكنه لا يمكن ان يسيطر على سلوكيات اعضائه الذين لا يجمع بينهم ربما أي نوع من التقارب الاجتماعي او الفكري اكثر منها قشرة ايديولوجية قائمة في ابرز جوانبها على المظهر المتمثل في طول اللحية.
وجريمة البلكيمي ربما كانت اخطر من مأزق ونيس لو نظرنا الى الأمور بقدر من التدقيق ولكن البلكيمي فصل من حزب النور. ومازالت تداعيات قضية ونيس تمر بمراحلها المعتادة من النيابة الى البرلمان وسط ضجيج كبير. وليس من المنطقي طبعا ان نعتبر ان كل ما تقوم به الشرطة هو من قبيل التلفيق المتعمد ولا ان نتهم الشرطة بانها ضالعة في حملة مقصودة لتشويه التيار السلفي لسبب بسيط جدا هو ان التكنولوجيا الحديثة اتاحت لنا اشياء ربما لا تقول للناس الحقيقة بصورة مباشرة ولكننا يمكن ان نستخدمها مع عقولنا في الوصول الى الحقيقة.
اما فيما يتعلق بالتداعيات السياسية المحتملة التي يروج لها البعض فهي وهم فالقضية لا تمس التيار السلفي ولا تمس العمل الحزبي ولا البرلماني ولن تغير الاوضاع السياسية في مصر كما لم تغير انف البلكيمي مسار التاريخ لان القضيتين في النهاية تتعلقان بالسلوكيات الشخصية وفي جانب شخصي جدا لا يتعلق بالمصالح العامة وانما بفساد السلوك والخيبة الثقيلة والتناقض الصارخ.
في مجتمع محافظ يحرص في الظاهر على السلوك القويم والعفة الكاذبة تكتسب الجرائم المرتبطة بالجنس حجما هائلا لما تثيره في اخيلة الناس وما يمثله ذلك من تعد جسيم على القيم السائدة. وفي مجتمع لم يعرف الحرية في أي صورة من صورها من قبل يتعين ان تكون هناك ضوابط للنشر في هذه الامور. نحن بصراحة في بداية معرفة حرية الصحافة كما ان الممارسات القانونية لدينا لا يمكن ان نركن اليها في معالجة الكثير من القضايا. ولذا يجب ان توضع ضوابط صارمة تعاقب بالسجن والغرامة على جرائم التشهير بالضعفاء على هذا النحو. حرية الصحافة ليست مطلقة حتى في اكثر الدول ديمقراطية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق