بورخيس |
الملكان
ومتاهاتهما
(هذه هى
القصة التى يرويها صاحب الفضيلة
"ألابى" من على المنبر فى "ابن حاقان البخارى ميتا فى
متاهته").
سجل
المؤرخون الثقات (ولكن الله وحده اعلم) انه فى سالف العصر والأوان كان هناك ملكا
على جزر بابل جمع مهندسيه وسحرته وعهد اليهم ببناء متاهة معقدة الى درجة لاتجعل
رجلا عاقلا يجرؤ على ولوجها، ومخادعة الى
الحد الذى يجعل من يدلف اليها يضل طريقه فيها. كانت مثل تلك المهمة تجديفا لأن
الاذهال والمعجزات امر يختص به الله وحده وليس الانسان. ومع مرور الوقت قدم الى
بلاطه ملك العرب فسمح له ملك بابل (راغبا فى السخرية من سذاجة ضيفه) ان يلج
المتاهة حيث تجول فى مذلة وحيرة حتى دخول الليل. عندئذ ابتهل الملك الثانى الى الله
ان يساعده وبعدها على الفور عثر على الباب.
ولم يدع الملك شفتيه تتلفظان بأى شكوى، ولكنه حكى لملك بابل انه هو ايضا لديه
متاهة وانه، ان شاء الله، سوف يسعده ان يريها لمضيفه يوما ما. ثم عاد الملك الى جزيرة العرب فجمع قواده
وجيوشه واجتاح ممالك بابل وسار الحظ فى ركابه فخرب قلاعها ومحق اهلها واخذ الملك
نفسه اسيرا فشد وثاقه الى جمل مسرع واتى به الى الصحراء. سار الركب ثلاثة ايام ثم
قال الآسر : "ياملك الزمان وتاج
القرن، فى بابل استدرجتنى الى متاهة من النحاس مزحومة بسلالم وابواب وجدران عديدة
مشوشة والآن وقع امر الله بأن اريك متاهتى التى لا سلالم لها لتصعدها ولا ابواب
لتفتحها عنوة ولا قاعات لا نهاية لها تنهك المرء ولا جدران تسد طريقه".
ثم فك وثاق
الملك الاول وتركه وسط الصحراء ليموت من الظمأ والجوع.
سبحان الحى
الذى لا يموت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق