الصفحات

الثلاثاء، مايو 01، 2012

مصر والسعودية في آتون الربيع العربي


  

قضية المحامي والناشط احمد الجيزاوي التي اثيرت مؤخرا بين مصر والسعودية وتسببت في شد وجذب على الجانبين تثبت ان العلاقات بين الدول العربية مهما كان عمقها ومهما تشعبت فروعها ورسخت جذورها، فانها تصبح هشيما تذروه الرياح في لحظة عند بوادر أي ازمة، وهو ما يكشف عن الاختلال وعدم التوازن الكامن في هذه العلاقات.

والازمة الاخيرة في العلاقات المصرية السعودية سببها رد الفعل العاطفي المبالغ فيه من قبل المصريين والغضب السعودي الشديد الذي ادي الى اتخاذ موقف متسرع بسحب السفير وهي امور لا تحدث في العادة في الاعراف الدبلوماسية الا بعد حدوث ازمة حقيقية وكبيرة بين دولتين، لا تكون العلاقة بينهما في مثل درجة عمق وتشعب ورسوخ العلاقات بين مصر والسعودية.

وقضية الجيزاوي هي قضية فردية كان يمكن حلها من خلال القنوات الدبلوماسية لو ابدت الخارجية المصرية قدرا من المرونة والسرعة وابدت السلطات السعودية قدرا من التفهم للاوضاع في مصر. ولكن للاسف هناك سباق بين القنوات الفضائية في البحث عن الاثارة وصب النار على الزيت بأي ثمن ومن أي طريق. وفي مثل تلك الاحوال تبرز اشياء مدسوسة ومريبة مثل التصريح المنسوب لوزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بان السجناء المصريين سيعودون في توابيت وهو بصراحة تصريح لا يمكن ان يصدر من موظف صغير جدا في أي سفارة. وهناك ايضا المزايدات المشبوبة في موسم الانتخابات والبحث عن أي صيد لزيادة الرصيد.  

وقضية ما اذا كان الجيزاوي قد ذهب الى المملكة ومعه مواد مخدرة من عدمه تكثر فيها الاقوال وتتباين فيها الروايات ولكن يجب ان نقر ايضا ان الاعترافات يمكن الحصول عليها في السعودية بسهولة عن طريق التعذيب، ولدينا الكثير من الامثلة على ذلك في مصر في عهد مبارك. ولكن من المؤكد انني لو كنت انا مثلا قد سبق لي ان رفعت دعوى على العاهل السعودي في محاكم القاهرة لما فكرت ان اتوجه الى الاراضي السعودية تحت أي ذريعة مهما كانت الاغراءات.  

ولكي نفهم سر الغضب السعودي الشديد من التجمع امام السفارة ورفع الاحذية ومحاولة اقتحامها، علينا ان نتذكر ان ثوار مصريين اقتحموا السفارة الاسرائيلية في العام الماضي. والتباين في علاقة مصر بالسعودية وعلاقتها باسرائيل سواء على المستوى الحكومي او الشعبي لا يمكن ان يسمح بوضعها في سلة واحدة مع اسرائيل. وفي عام 1991 كان السعوديون يشعرون بالغضب الشديد عندما يطلق صدام حسين صواريخ سكود على تل ابيب والرياض في نفس الليلة. وكان صدام يقصد من ذلك القول بان العاصمتين سواء وهو سبب وجيه لغضب السعوديين. والغريب ان البعض حمل لافتات امام السفارة السعودية كتب عليها "نطالب بطرد السفير السعودي والسفير الاسرائيلي من مصر".

والازمة الاخيرة مع السعودية يفاقم منها احساس المصريين بان السعودية ودول الخليج تدعم نظام مبارك وتسعى الى الضغط على مصر اقتصاديا من اجل العفو عنه، وما نشرته وسائل الاعلام من ان الولايات المتحدة تحرض دول الخليج على عدم تقديم اموال لمصر.

 وأزمة العلاقات المصرية السعودية تذكرني الى حد ما بازمتنا مع الجزائر في عام 2009 والتي كانت في الظاهر مرتبطة بتنافس في كرة القدم تحول الى عنف وحاولت السلطات في الجانبين استخدامه لحشد الرأي العام، لنكتشف بعد فترة ان الخلاف كان في الاساس صراعا بين سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري وعلاء مبارك نجل الرئيس المصري في عالم التجارة والأعمال.

السعودية كانت تشعر بالارتياح اكتر في التعامل مع نظام مبارك الذي كان يشبه الى حد كبير نظم الخليج العائلية كما قبل ان تحتل مصر دورا تابعا وليس محركا في الاحداث في المنطقة.

غير ان السعودية ايضا تعاملت مع النظام الجمهوري في مصر على مدى اكثر من نصف قرن باستثناء التوتر في عهد عبدالناصر اثناء حرب اليمن. ولكن عليها الان ان تتعامل مع متغيرات جديدة في مصر بعد الثورة وتدخل في حساباتها الرأي العام المصري وليس العلاقات الشخصية بالحاكم.

والعلاقات بين مصر والسعودية هي علاقات ازلية لا فكاك منها. والسعودية كانت تتمتع في مصر بثقل كبير يكاد يوازي ان لم يفق التأثير الامريكي في عهد مبارك. وهي من الدول القليلة المرشحة لاستمرار تأثيرها وربما تعاظمه في ضوء التوجهات المتوقعة للنخبة الحاكمة المقبلة في مصر، ولكن مع اختلاف الاليات عما كانت عليه في عهد مبارك.

وتشابك العلاقات والمصالح بين الدولتين لا يسمح بترف حدوث مثل تلك الازمات، وعلى الجانبين ان يعيدا تقييم علاقتهما وتكييفها مع المتغيرات الجديدة على الارض.

  

ليست هناك تعليقات: