الصفحات

الثلاثاء، مايو 01، 2012

مجتمع العباسية



المجتمع المصري يمكن ان يقال عنه في الوقت الحالي انه مجتمع العباسية الذي يستحق هذا اللقب عن جدارة. ومفهوم العباسية في الوعي المصري لا يحتاج الى توضيح. والعباسية تشير الى مستشفي الامراض العقلية الموجودة في مدينة نصر بالقرب من حي العباسية. وعندما يتحدث شخص باشياء غير معقولة او عقلانية يقول الاخرون "فلان دا عباسية خالص" او "مفروض ياخدوه عل العباسية"، بمعني انه مضطرب عقليا.

وهذا للاسف هو حال المجتمع المصري الذي اصابته الثورة بمس من الجنون فلم يعد يتصرف بمنطق ولا عقل وانما هناك حالة من الانسياق لاي صيحة والانطلاق خلف أي نداء وهناك حالة من التجييش واستغلال روح القطيع من قبل البعض.

وما يحدث في العباسية هذه الايام من اناس يضحون بحياتهم او تضحي بهم السلطات هو امر مثير للحزن. فهؤلاء يقاتلون في غير ما قضية ويستبسلون في غير ما قتال مجد. وهم ينطلقون من اعتقاد مشوش بان هناك قضية تستحق الدفاع عنها والتضحية بالحياة في سبيلها.

الثورة تعني تغير جذري في مفاهيم الناس للحياة وتعني فيما تعني احترام حياة الانسان وقدسية وجوده. ولكن في مصر تحول مفهوم الثورة الى الاستهانة بحياة البشر سواء من المسئولين عن الدولة او من بعض المهيجين السياسيين الذين يجيدون حشد الناس خلف مقولات مضللة. 

لقد شهدنا بعض الثورة احداثا فظيعة كان عنوانها الواضح والسافر ان حياة الانسان في مصر لا قيمة لها ولا معنى بدءا من موقعة الجمل مرورا بماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وبورسعيد والان العباسية. انها محطات على طريق اهدار الحياة الانسانية دون أي مردود وفي ظروف كان يمكن منعها لو احسنت السلطات السيطرة على الامور او التصرف بمنطق غير منطق اللامبالاة.

حضارة المجتمعات لا تقاس بما لديها من اموال ولا بما تحققه من معجزات سواء كانت علمية او اقتصادية ولكن بمدى احترامها لحياة الانسان وكرامته. ان الحيلولة دون ضياع حياة فرد او اصابته يجب ان يكون هو الشغل الشاغل لنا جميعا بدلا من ترك الامور لمجموعات من المضللين والشباب المتحمسين الذين يتم استغلالهم باسم الثورة. ومصادرة حرية الانسان مؤقتا في سبيل انقاذ حياته ليس خطأ.

ويحضرنا في هذا المقام التحليلات والدراسات والقراءات التي سبقت فض الارتباط الاسرائيلي عن غزة في عام 2005. كان هناك تحفز من المتدينين وحالة رفض عامة من المستوطنين للانسحاب من غزة وتحريض من رجال الدين للجنود. وبدا كما لو كانت الامور تتجه الى سيناريو بشع سيشهد الكثير من القتلى والاكثر من الاصابات. ولكن الذي حدث في الواقع كان عكس ذلك تماما لان الاسرائيليون يحترمون حياة الانسان ويقدسونها. اما في مصر فالامور كما نراها، عباسية كبيرة بدون اسوار ولا اطباء ولا مسعفون ولا حراس.

ليست هناك تعليقات: