الصفحات

الاثنين، مايو 07، 2012

النابغة الكتياني وسفينة مصر






سعد زغلول رحمه الله قال "مفيش فايدة". ورغم ان البعض ينفي عنه هذا القول ويقول البعض الاخر انه لا يشير الى أي سياق سياسي، الا انني تأكدت مؤخرا انه قالها وقالها على الوضع السياسي تحديدا، وحتى لو لم يكن قالها فقد قالها. كل شيء يشير الى انه "مفيش فايدة" أي لا جدوى ولا امل هناك بالمرة.

مجموعة من الناس- سنفترص انهم لا علاقة لهم بالثورة ولكنهم من مواطني المحروسة – تجمعوا في العباسية لتنظيم اعتصام. هجم عليهم بلطجية العسكر فأعملوا فيهم سنجهم وسيوفهم ورشاشاتهم حتى قتلوا منهم تسعة اوربما اكثر واصابوا نحو مئتين. كانت هذه بمثابة الطلعة الجوية الاولى تميهدا للهجوم البري الذي قامت به الشرطة العسكرية لفض الاعتصام بالقوة وتطهير منطقة العباسية من جنود الروم الذين استباحوها في غفلة من امير المؤمنين طنطاوي ورفاقه الاشاوس، الذين انحسرت كل مهامهم في المحروسة على طولها وعرضها وتعدد مشاكلها، في الزود عن حياض العباسية.  

اثناء عملية التطهير تم اعتقال كثيرين من المعتصمين - لم يستثنوا الصحفيين الذين تواجدوا في المكان كجزء من مهام عملهم وليس للفرجة او التشجيع -  وسيق الجميع الى السجون حيث بدأت حفلات تعذيب وصفها صحفيون من البديل.  ومن اوصافها اعتقد انها تفوق في سفالتها ما حدث في ايام مبارك. ابسط شيء كنا نتوقعه من الثورة التي لم تحقق عدالة اجتماعية ولا أتت باموال المصريين في الخارج ولا ادانت الذين جرفوا مصر على مدى ثلاثة عقود – ان يتوقف التعذيب. وعدم توقفه معناه انه لا ثورة ولا يحزنون ولا أمل ولا عمر ولا نيلة.  

بعد فاصل قليل خرجت علينا وسائل الاعلام تبلغنا بان الفيلد مارشال طنطاوي زار افراد القوات المسلحة المصابين في مستشفى كوبري القبة. وهو امر عادي لولا ان السادة افراد القوات المسلحة الذين كان سعادته يزورهم ويجلس بجانبهم كانت لهم لحى طويلة وهو امر غير معهود في افراد القوات المسلحة المصرية، مما جعل الناس تقع في حيرة من امرها. وسيظل الناس في حيرة وعجز عن تفسير ما رأوه الى ان يتفضل عليهم المشير بتوضيح ما استغلق على افهامهم المحدودة، مثلما فسر قضية البنت التي سحلت في التحرير لكارتر بان الفيديو ملفق.

حدثت مشادة مع السعودية فذهبت الهيئة التشريعية بقضها وقضيضها وجناحيها مع بعض الشخصيات العامة لاصلاح ذات البين ولكن كبير الوفد الدكتور الكتاتني جاء ليبلغنا بانه لم يتطرق الى موضوع احمد الجيزاوي المعتقل المصري في السعودية الذي كان السبب وراء اندلاع الازمة، وحول الرحلة من رحلة لاصلاح ذات البين الى اعتذار واسف هو ووفده وكأن شيئا لم يحدث بعد الثورة. الكتاتني في اعتذارياته التي فاقت اعتذاريات النابغة الذبياني نسى انه يمثل شعبا وراح يتحدث وكأنه موفد مبارك لجلالة الملك. وجاء سعادته ليبلغنا بانه لن يتدخل في قضية الجيزاوي وانه يثق في القضاء السعودي. ولكن ما رأي سعادته في ان القضاء السعودي لا يوفر ضمانات حماية كافية لمن يمثل امامه وان الجمعية السعودية لحقوق الانسان ما هي الا جهاز حكومي، وانها رغم ذلك لا تعمل بحرية كاملة.

نحن نجل الشعب السعودي ونحترمه ونعتبر علاقتنا به علاقة ازلية ومهما حدث من شد وجذب فهي ثابتة وراسخة في رسوخ الجبال، ولا نقبل كذلك باهانة الحكام السعوديين ولا غيرهم من الحكام العرب. ولكن النابغة الكتياني حول المسألة الى اعتذار من (خلفاء) مبارك الى جلالة الملك، أي ان الشعبين المصري والسعودي كانا غائبين تماما عن القضية كلها والدليل على ذلك تجاهل الجيزاوي، وكأن مصر لم يحدث فيها تغيير، بل ربما كانت الامور ستتم بصورة افضل في عهد مبارك. فبدلا من الوفد الطويل العريض وخطبه الممجوجة كان مبارك سيحل الامر بمكالمة هاتفية مع جلالة الملك وينتهي الامر.

ان حملة الاعتذارات كلها تجاهلت شيئا هاما وهي ان النظم قابلة للتغيير في أي وقت وان الشعوب هي الباقية والعلاقة بين النظم يمكن ان تتبدل في أي لحظة ولكن العلاقة بين الشعوب هي الدائمة. لقد تبدلت في بحر عام واحد اربعة انظمة عربية والبقية تأتي، ولكن علاقات الشعوب ظلت كما هي بلا تبدل ولا تحول. غير ان وفدنا الكبير ربما ينطبق عليه ما قاله شوقي عند عودة عرابي الى مصر من المنفي في عام 1901 مع تباين الحالتين:

صـَغـار في الذهـاب وفي الإياب *** أهــذا كـــل شــأنك يـا (كتاتني)؟
عفـا عــنك الأبـاعد والأداني *** فمـن يعـفو عن الوطـن المصـاب؟
وما سألوا بـَنيكَ ولا بـَنينا *** ولا التفتوا إلى القوم الغـِضاب
فـَعـِش في مصرَ موفورَ المعالي *** رفيعَ الذكـْرِ مـُقتـَبـِل الشباب
أفرقٌ بـَينَ (رياض) ومـِصـْـر *** وفي كِلْتـَيـْهـِما (بيض) الثياب؟
  
الصراع بين الحكومة والمجلس يقدم فاصلا اخر من الكوميديا السوداء حول مستقبل مصر. المجلس يحاول اقالة حكومة الجنزوري وعلق جلساته كنوع من الاحتجاج ولكن الجنزوري –وهو رجل من بقايا نظام مبارك البائد – لوح لهم بالعصا عندما ايقن ان تقديم الجزر لم يعد مجديا وهددهم بحل البرلمان. وغضب الكتاتني واثار القضية واغرب ما في الامر انه استشهد بسامي عنان. ومن فاصل كوميدي الى فاصل كوميدي اكثر سوادا تمضي مصر.

مصر في ايامنا السوداء هذه اشبه بسفينة توقفت محركاتها وهي في عرض البحر تتقاذفها الرياح. وقد تدفعها رحمة ربك الى بر الامان لترسو ويترجل ركابها في سلام او تصطدم بجبل جليدي هائم في المياه. 

ليست هناك تعليقات: