هنريك إبسن |
حال الإخوان والنخبة الان بعد الجولة الاولى من انتخابات الرئاسة المصرية اشبه بزوجين كانا قد اتفقا على الطلاق لاستحالة العشرة بينهما وجلسا في انتظار المأذون الذي سيأتي حالا ليوثق فراقهما الابدى. ولكن جرس الباب يرن وبدلا من ان يستقبلا المأذون المنتظر يكتشفان ان القادم، على طريقة البطة البرية لابسن وعلى نحو معكوس، هو طيف علاقة قديمة تهدد بمحق الطرفين اذا مضيا في طريقهما قدما واصرا على الانفصال.
ومن اجل تطهير البيت والمكاشفة المطلوبة يتعين ان يتم التضحية بالبطة البرية. ولكن التصويب قد لا يكون محكما والشخص المطلوب منه قتل البطة البرية وهي هدفيج الطفلة الجميلة الي تزحف الغشاوة على عينيها بفعل الوراثة (والتي تمثل في حالتنا هذه الشعب المصاب بالغشاوة السياسية) قد تكون هي الضحية. اما البطة البرية التي ترمز لكل الرجس في المنزل وفقا للقادم المثقل بمثاليته المريضة فتنجو من الهلاك.
محمد مرسي |
ولان التهديد الذي حمله القادم الجديد خطير يبدأ الزوج في الحديث:
- أنا اسف عن كل ما حدث..يمكننا ان نبدأ من جديد.
- ولكنك طالما قلت ذلك..مرات ومرات..وكل مرة تقول ستكون بداية جديدة لنصل الى نفس النهاية.
- لا تنس انني اعمل في اطار اكبر بكثير من حدود تصوراتك.
- عليك ان تعمل لبيتك وزوجتك اولا قبل ان تعمل لنفسك وللاهداف الكبرى.
- لدى مشروع سيجعل هذا البيت وهذا الحي بل والعالم كله جنة.
- انت تعيش في الاوهام وتجر هذه المنزل الى الضياع بنظرياتك غير الواقعية.
- اعطني الفرصة وسترين.
- كثيرا ما قلت ذلك ولا يتمخص الامر في نهاية المطاف الا عن سراب والام واوجاع.
- اختبريني للمرة الاخيرة..ولا تنسى اننا يجب ان نكون يدا واحدة في وجه الخطر.
- ولكن ما ان يزول الخطر حتى تتجاهلني ككل مرة وتعتبرني نسيا منسيا بل وتستأسد علي.
- هذا لن يكون ابدا..لقد تعلمت من اخطاء الماضي يا حبيبتي وستجديني شخصا مختلفا تماما.
- وكيف اثق في ان كلامك سيكون صحيحا هذه المرة.
- اطلبي أي ضمانات تريدينها وستجديني طوع بنانك.
- اذن نوقع اتفاقا...
(وهنا يتململ الزوج ويبدي تبرما يغلفه بابتسامة)
- ولكن ياحبيبتي هل العلاقة بين العشاق تجدي معها المواثيق..الحب اكبر من كل المواثيق والمعاهدات.
- اريد ان تبذل هذه التضحية من اجلي لكي اعرف قيمتي عندك من ناحية ولكي لا تغدر بي مرة اخرى.
- كيف اغدر بك..معاذ الله..الا يشفع لنا الماضي الذي عشنا فيه لحظات سعيدة.
- كانت لحظات...اما الباقي فكان كله خداع واحتيال وانتهازية.
- كيف تصفين حبنا العظيم هذا الوصف الفظيع..صحيح كانت هناك ازمات..ولكننا كنا نتجاوزها...
- الا الازمة الاخيرة..هل نسيت من كنا ننتظر قبل ان يحل علينا ذلك الغريب.
- صحيح كنا ننتظر المأذون..ولكن ذلك كان استجابة لرغبتك..لا تعرفين كم كنت اعاني وانا اصادق على قرارك باستدعاء المأذون..ولكني تعاملت مع الامر في اطار تلبية كل ما تطلبينه.
- انت تراوغ ولا حل الا ان توقع الوثيقة.
- انا مستعد ان اوقع أي وثيقة على حبك بدمي..ولكن متي كان الحب تحرسه المواثيق والاوراق..لو كان كل عاشقين تخيلا ان حبهما ستحميه المواثيق والاوراق لوقعا اطنانا من المعاهدات.
- ولكني اعتبر توقيع الوثيقة شرطا لتصالحنا وانتهاء الخلاف.
- لا بأس..لا بأس ولكن دعينا نؤجل ذلك الان قليلا الى ان ننتهي من الخطر المشترك الذي يهددنا سويا.
- سينتهي الخطر وتعود الى سابق عهدك.
- الا تضعيني امام اختباري الاخير..قلت بمجرد زوال الخطر سأوقع لك ما تشائين.
- هل اعتبر هذا وعدا لا نكوص عنه؟.
- طبعا..طبعا..دعينا الان ندخل الى تفاصيل المواجهة الوشيكة حتى نخرج من هذا المأزق.
- انا ما زلت خائفة ولكني سأثق بك للمرة الاخيرة.
- قلت لك جربيني هذه المرة ولن تندمي ابدا.
النخبة في مصر تشعر بالفزع والقلق والخوف مما آلت اليه حال الثورة التي علقوا عليها امالا كبار. لقد انتهت الثورة بالنسبة لهم بتجرع السم او ما اشبه. فليس امامهم من خيار سوى دعم مرسي وهو مالم يكونوا يوما يتخيلون ان ينتهوا اليه وتنتهي اليه الثورة. ولكن في مواجهة الخطر المشترك على الجميع ان يتحد فالجميع في قارب واحد والتيار يجرفه باتجاه منحدر شاهق وعلى نتوء وسط الماء يقيم افراد النظام القديم مهرجانا راقصا احتفالا بنهاية الثورة.
واقترح علاء الاسواني تكوين تحالف شعبي لدعم مرسي حتى لا تذهب الرئاسة للفلول ويتم اعادة نظام مبارك ثانية الى قواعده خاصة ان حملة شفيق صرحت بفجاجة لصحف اجنبية ان الثورة قد انتهت. أي انه قبل ان يتأكد رسميا انه سيخوض الجولة الثانية بشر بنهاية الثورة وهو الوضع الطبيعي والمتوقع. ومن المفهوم ان القضاء على الثورة سيتصدر اولويات شفيق الى جانب الافراج عن مبارك ومحاولة ترميم نظامه بحيث لا تبدو الامور مختلفة عما كانت عليه قبل الثورة.
ويقترح الاسواني ان نأخذ من الاخوان تعهدات باقامة دولة مدنية وما اليه. ولكن هل الاخوان فعلا في حاجة الى ذلك؟. هل الاخوان في حاجة ماسة الى دعمنا أي بمعنى اصح من الطرف الاكثر احتياجا للثاني الاخوان ام نحن؟. في الواقع ان الاخوان في حاجة لنا مثلما نحن في حاجة لهم في هذه اللحظة بالذات. وربما كان من سوء حظنا ان يكون التكالب على دعم مرسي شغلنا الشاغل وان تكون اقصى امانينا ان نساعده على النجاح. انها الكوميديا الغريبة للسياسة في مصر. ورغم ذلك لا يمكننا ان ننكر ان الانتخابات على ما تمخضت عليه من فجيعة الا انها كان لها ايضا جانبا طيبا لا يجب ان نستهين به وهو ان عمرو موسى لم يكن هو من سيخوض الإعادة مع شفيق. والله وحده يعلم ما الذي كا سيحدث هذه الايام لو سارت الامور على هذا النحو.
اما لماذا لم يتفق هولاء على تقديم مرشح واحد في مواجهة الفلول فيعود الى انهم جميعا ابناء اوفياء لهذا الشعب وابناء لثفافته الغبية التي تقوم على تضخيم الذات والثقة العمياء بالنفس التي تصل الى حد الخرافة. ولذلك فكلهم لم يكونوا يصلحون لشيء وربما كان هذا ما يستحقونه بالفعل. الامور السياسية في مصر لا تخضع للدراسة ولا الاستطلاعات ولا قياس الرأي بل للخزعبلات والاهواء الشخصية وصناعة الاساطير.
وبعيدا عن الموقف الذي فرض علينا جميعا فرضا فمرسي لم يكن مقبولا حتى من قطاعات كبيرة من شباب الاخوان. كذلك فهو مرفوض من قطاعات سلفية سارعت الى دعم ابو الفتوح خوفا من سيطرة الاخوان على مؤسسات الدولة، وهي مخاوف تؤرقنا كلنا. وبصراحة فان التناغم الشديد بين البرلمان والرئاسة لن يكون شيئا طيبا بالنسبة لنا فالاوضاع لن تختلف كثيرا عن حالة الحزب الوطني ومبارك ولا نستبعد ان ينتج برلمان الاخوان شخصيات مثل كمال الشاذلي واحمد عز وهذه النوعية الغريبة من البشر. ولكن حقا ما هو البديل مالم يحدث ذلك؟ طبعا البديل ان يـأتي السيد شفيق الذي لم يقتنع يوما بالثورة.
وفي الحالتين ستكون هدفيج هي الضحية للمثالية المجنونة. وسواء في حالة شفيق او حالة مرسي ستقتل هدفيج نفسها ومعاناتها مع الطرفين هي معاناة نوعية ولكنها موجودة في الحالتين. ولكن هل تنجح مساعي النخبة في التوصل الى اتفاق يضمن الحد الادني للحفاظ على حياتها؟. اخشى ما اخشاه ان تكون النخبة المصرية مثل جد هدفيج، رجل عسكري على المعاش قضت عليه مخالفات عمل ارتكبها في زمن ماض ولكنه مازال يصر على ارتداء ملابسه العسكرية وصيد الارانب في علية فوق المنزل يحولها بخياله الى براري واسعة تركض فيها الارانب البرية. انها الثورة التي تركت الميادين لتحصر نفسها في هذه الصفقة العقيمة ولكن لا بد منها لانقاذ ما يمكن انقاذه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق