الصفحات

الاثنين، مايو 28، 2012

الثورة من مبارك الى مبارك




عبدالناصر

محمد نجيب












يقول المثل المصري الشعبي "جات الحزينة تفرح مالقتلهاش مطرح" وهو يوجز حياة المصريين الى حد كبير فالمصريون طوال تاريخهم عاشوا في عسف وجور وحتى عندما يحاولون تغيير الاوضاع بالانتفاض او الثورة عليها فان الثورة لا تلبث ان تسرق او تصادر او تنحرف عن مسارها وتعود نفس صورة الحياة المضحكة الى سابق عهدها وان يكن بتنويعات مختلفة.

والثورة التي قام بها بعض الحالمين بالتغيير في يناير 2011 تظهر دلائل كل يوم على انها لم تكن ثورة الشعب كله بل ان هناك قوى في المجتمع تعمل بوعي منها او بدون وعي ضد تقدمه. الثورة قام بها عدد قليل جدا من المصريين يمكنك ان تقول انها طليعة هذا الشعب ولكن الشيء الطبيعي ان يشمل التغيير المجتمع كله حتى لو قام بها افراد قلائل. غير ان الشعب المصري يصعب ان تطبق عليه القواعد التي تنطبق على بقية الشعوب.

المصريون لهم خصوصيتهم فقد اعتادوا تاريخيا ان يقفوا من شؤون الحكم على انها شيء ليس مما يختص به الرعية بل هي من الامور العليا الذي يعد الخوض فيها حكرا على فئة الحكام. وكانت الطبقة الحاكمة دوما في مصر من غير الشعب. ونظرا لموقعها الجغرافي المتميز ظلت مصر تحت الحكم الاجنبي على مدى الفي عام. وطوال هذا الفترة كان الحاكم يفد الى مصر اما غازيا او مبعوثا لغاز آخر ومعه طاقم الحكم وقواته العسكرية فيحكمون البلاد ما شاء لهم الله الى ان يأتي حاكم اخر فيتغلب عليهم وهكذا دواليك.

الملك فارق ومصطفى النحاس


والمصريون مثلا لم يلتحقوا بالجيش الا في عهد محمد علي ويقال ان الباشا قال لبعض المسؤولين لديه انه لمح "نجابة في ابناء المصريين" وطلب منه الاستعانة بهم في الجيش. وهذه هي الفترة التي شهدت ارسال البعثات التعليمية الى فرنسا وبروز فكرة مصر كدولة ليس مجرد جزء من الخلافة العباسية او الفاطمية او العثمانية.

ولم يشارك المصريون في الحكم قبل ثورة 1952 وان كانوا قد شاركوا قبلها في تشكيل حكومات في ظل الملكية والاحتلال الانجليزي. ومن هنا فان انتخابات الرئاسة المصرية في عام 2012 تعد هي الاولى في تاريخ مصر كله التي يتاح فيها للمصريين اختيار حاكمهم. ولانها التجربة الاولى فقد شابها الكثير من الكوارث. ومنصب الرئيس في مصر يحتل اهمية كبرى نظرا للسلطات الكبيرة الممنوحة التي يتمتع بها. وكان مبارك يتمتع بسلطات امبراطورية كما يقول البرادعي. ولا تكاد سلطات الرئيس الامريكي وهو صاحب اوسع سلطات في أي ديمقراطية غربية حديثة تعادل جزءا صغيرا من سلطات مبارك. ومنصب الرئيس في مصر يحمل ظلالا تاريخية هائلة فهو الحاكم والسلطان والخديوي والامير والوالي والخليفة..الخ.
احمد شفيق

وكثير من المصريين يشعرون بالحنين لنظام مبارك وهو حنين الى العبودية والاستعباد توارثه الشعب من اجيال وهو ارث يصعب التخلص سواء بالتعليم او التلقين لانه على ما يبدو داخل في تركيب الشفرة الجينية. ومن هنا كان هذا التصويت الكبير لشفيق الذي دفع به – وفقا للنتائج المعلنة حتى الان – الى المركز الثاني واحتمال دخول جولة الاعادة.

وقد يأتي شفيق المحسوب على نظام المخلوع واخر رئيس وزراء له ومن اقرب المقربين اليه الى السلطة. وعودة شفيق بعد الثورة ليست مستغربة خاصة اذا كان من مصلحة العسكر وايضا من مصلحة الحزب الوطني الحاضر الغائب ان يتولى السلطة شخص مثله. ولكن المضحك ان تجد اشخاصا انفقت عليهم الدولة من دم هذا الشعب الكادح لتعلمهم وتجعل منهم اشباه بشر ومع ذلك يذهبون للتصويت لشخص يمثل النظام السابق. وبعيدا عن أي انحيازات سياسية فان التصويت لشفيق بما ينطوي عليه ضمنا من عودة نظام مبارك يكشف عن غباء لم يفلح التعليم عند هؤلاء في تبديده.
المخلوع

وكل يوم يتكشف لنا ان الة الدولة الغبية كلها كانت تقف مع شفيق. ولا يحتاج التزوير الى ان يكون سافرا وفجا ومباشرا كما كان في عهد المخلوع بل هناك اليات كثيرة حديثة وجديدة يمكن ان توجه الناخب في النهاية الى التصويت لشفيق دون ان يشعر بأي غضاضة.

واذا سارت الامور على هذا النحو ونجح شفيق في الانتخابات فما الذي نتوقعه؟. من المتوقع في اسوأ الاحوال ان تدخل مصر في حالة اضطرابات شديدة قد تكون اسوأ من ثورة 2011 وفي افضلها ستدخل مصر في حالة سكونية استعدادا للنكوص السريع الى الخلف وربما الغرق التام مع عودة نظام مبارك مرة اخرى.

وسيكون مبارك بذلك هو اسرع حاكم في العالم عاد بنظامه الى الحكم لانه لم يبتعد عن السلطة الا نحو عام ونصف. ولو كان مبارك قد خسر السلطة في انتخابات مثلا لما عاد اليها هو او حزبه او تنظيمه او نظامه قبل اربع او خمس سنوات على الاقل مع بدء انتخابات جديدة. ولكن المفارقة انه يعود بعد عام ونصف الى سلطة لم يخسرها في انتخابات بل في ثورة على نظامه قتل فيها الاف واصيب الاف وعطلت مرافق الدولة وانهار فيها اقتصادها. ولكن هذه هي كوميديا السياسة في مصر.

وبالرغم من ان اعطاء الشعب المصري حق التصويت لاختيار الحاكم جاء متأخرا للغاية في العام الثاني من العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين الا ان المماليك الجدد يأبون الا ان تكون السلطة لهم وان يظل "الزعران والحرافيش" الذين صوتوا في بطاقات انتخابية بعيدين عن اتخاذ القرار في شؤون عليا تخص فئة بعينها كما كان الحال دوما.


ليست هناك تعليقات: