الصفحات

الخميس، فبراير 23، 2012







 سياسة الانشغال بتوافه الأمور

فيما اعلنت بريطانيا انها تعكف على صياغة قرار لمجلس الامن من المرجح ان يطرح للتصويت في نهاية الاسبوع لحل الخلاف الناشب بين العليمي وطنطاوي، يسابق دبلوماسيون مصريون وعرب الزمن في محاولة لرأب الصدع وتضييق هوة الخلاف بين الطرفين سعيا الى التوصل الى حل بهدف تجنيب مصر والمنطقة مغبة التدخل الدولي.

 
وقالت روسيا والصين اللتان تعارضان اساسا صدور قرار من مجلس الامن انهما تفضلان صياغة بيان قوي يدعو الطرفين الى الجلوس الى مائدة المفاوضات لحل خلافاتهما سلميا. وبينما هددت روسيا بانها ستستخدم حق الفيتو ضد القرار قالت الصين انها قد تمتنع عن التصويت.


من ناحية اخرى شن مندوب الصين هجوما شديدا على واشنطن وقال انها تسعى الى تدويل الازمة واستنكر ما رددته سوزان رايس مندوبة الولايات المتحدة في الامم المتحدة من ان الصين تزود بالاسلحة مؤيدي العليمي وانصار المشير طمعا في الاستحواذ على النفط والغاز المصريين. وقال ان بكين تلتزم الحياد التام تجاه طرفي الازمة ولا يعنيها الا صالح الشعب المصري.


وفي طهران اصر وزير الخارجية الايراني على عدم ربط الخلاف بين العليمي والمشير بالمشروع النووي الايراني ولا الازمة في سوريا وحذر من المخطط الامريكي الصهيوني للسيطرة على المنطقة.


على صعيد اخر اعلى سعد الكتاتني رئيس البرلمان المصري انه وجه خطابا الى امين عام الجامعة العربية مطالبا المنظمة العربية بان تسعى الى بذل اقصى جهودها للتوصل الى حل للخلاف في الاطار العربي وشدد في الوقت نفسه على ان مصر ترفض بشدة تدخل اطراف دولية.


هذه ديباجة خبر قد نقرأها قريبا في الصحف وهي تشير الى مدى التفاهة التي تغرق فيها مصر الثورة. فمصر ما بعد الثورة تسقط في مستنقع التفاهة والسطحية ولا تكترث اصلا بالقضايا الهامة التي قامت من اجلها الثورة ولا مستقبل هذا الشعب المطحون.


وقضية العليمي والمشير اصغر بكثير من ان تثير مثل هذا الضجة وتستحق كل هذا الجدل والنقاش في وقت توجد فيه الكثير من الملفات الهامة والعاجلة. ولكنها لا تختلف عن باقي القضايا التافهة المثارة في مصر هذه الايام مثل لحية ضباط الشرطة ومنع المواقع الاباحية وكلها امور تكشف ان مؤسساتنا ابعد ما تكون عن معالجة الامور بصورة واقعية كما انها تعطي صورة عن المسار الذي ستسير فيه الثورة بعد ذلك.



وهذه الايام عندما يلتقي بك شخص بدلا من ان يسألك ما الذي يحدث في البلد او الى اين نسير فانه يبادرك انت مع العليمي او مع المشير وهل تؤيد ان يربي ضباط الشرطة لحاهم وهل تؤيد منع مواقع الانترنت الاباحية؟.


لا ادري حقيقة اذا كنا قد وصلنا الى مستوى من الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية بحيث لم يعد لدينا قضايا ملحة واصبح حسم هذه السفاسف هو كل ما تبقى لكل يكتمل اطار رفاهيتنا، ام انها التفاهة المعتادة ومحاولة صرف اهتمام لناس عن القضايا الاكثر الحاحا. هل حلت مصر مشكلة الاسكان ولقمة العيش وعالجت كل مشاكل الاقتصاد والامن ونحن نعيش هذه الايام قصة الجدل حول إمكانية استغنائنا عن المعونة الامريكية وتوابعها وحالة الانفلات الامني الغريبة التي لم يشهدها المجتمع المصري في تاريخه الحديث.


وقضية العليمي والمشير هي نموذج لهذه القضايا الغريبة فهي قضية اساسا ولدت من لاشيء. لقد صنع الاعلام والسجال حول القضية من العليمي بطلا وهو ليس كذلك وصنع من المشير ضحية وهو ابعد ما يكون عن ذلك. ولكن الموضوعية تقتضي النظر فيها بشيء من التمعن.


اول من اثار هذه القضية هي صفحة المجلس الاعلى للقوات المسلحة على الفيسبوك. وانا لدي اعتقاد ان من يشرف على هذه الصفحة هو جندي او ضابط صغير ربما يؤمن بان انماط التعامل داخل المؤسسة العسكرية القائمة على التراتبية هي ما يجب ان يطبق في الحياة المدنية ولا يعتقد ان ضابطا من رتبة اصغر يمكن ان يوجه نقدا لرتبة اكبر. وكان يمكن الا تكون هناك ازمة لو لم تنشر هذه الصفحة الموضوع. والصفحة لها تاريخ في الخروج بمثل تلك الشطحات الغريبة مثل اتهام اساتذة وطلبة الجامعة الامريكية من المصريين بانهم يخططون لتدمير مصر. وربما يفعل المجلس العسكري خيرا لو الغى هذه الصفحة او خصصها لهدف اخر غير الدفاع عن المؤسسة العسكرية ازاء ما تعتقد انهم خصومها.


الموضوعة تقتضي ايضا ان نقول ان العليمي نطق بمثل شعبي شائع في الحياة المصرية، وهو يقال في العادة عندما تترك صلب الموضوع وتمسك في احد فروعه ولم يسب المشير مباشرة. ثم ان من يتصدى للمسؤولية العامة مثل المشير يجب الا يضيق بالنقد بل يتوقعه ويتقبله باعتبار انه امر لا سبيل الى تصحيح المسار وتقويم الاخطاء بدونه. ان هذه العقلية هي التي اضفت على مبارك تقديسا على مدى 30 عاما واطلقت يده في البلد لتخريبها دون حسيب او رقيب واستمرار تكريسها لن يفضي بنا في النهاية الى شيء.


غير ان القضية تكشف جانبا آخر اخطر مما يتبدى لنا. فهل يريد المجلس العسكري مثلا تدجين واستئناس البرلمان بحيث لا يخرج منه أي انتقاد للمؤسسة العسكرية ولا يرد اصلا في اذهان الاعضاء شيء من ذلك القبيل؟.

 
الموقف الاخطر هو موقف البرلمان الذي يصر على ان النائب يجب ان يعتذر ويحيله للتحقيق. الاغلبية في البرلمان هم من الاحزاب الاسلامية وهم ينطلقون في مقولاتهم من التراث والتاريخ العربي الذي يقدس الحاكم او السلطان ويعتبر المساس به امر مستنكر وهي امور لا تتماشى اطلاقا مع واقع عالمنا الحديث ولا طرقه خاصة في مجتمع يخطو خطواته الاولى في الديمقراطية. اننا بذلك نضفي قداسة على طنطاوي يجب ان يعمل هو على مقاومتها لاننا نحله محل المرشد الاعلى للثورة المصرية ونضعه في منزلة خامنئي على طريقة ايران. وفي النهاية فاقوال العليمي ليست هي التي ستحدد مكانة طنطاوي ورفاقه في التاريخ.


موقف المجلس يثير قضايا كثيرة حول مدى مسؤوليته في محاسبة العضو على كلمات تفوه بها خارج المجلس وترتبط بالقيم والسلوكيات الفردية اكثر مما ترتبط بالمصلحة العليا للبلاد، كما انه يعد مؤشر على الصراع بين القيم الابوية المتغلغلة في المجتمع ومدى صحة اتخاذ مواقف نقدية من المؤسسات والشخصيات العامة.


التلويح ايضا باحالة العليمي الى القضاء العسكري هو الاغرب وهو ما يؤكد ان العسكر يحاولون الهيمنة على المؤسسة التشريعية وارهابها بصورة لا تجعلها تؤدي مهامها على النحو الامثل. والعسكر يستخدمون القضاء العسكري بصورة تذكرنا بمحاكم التفتيش وهو امر يسيء ابلغ اساءة الى الجيش المصري.


ولكن في النهاية هل سيؤدي اطلاق الضباط لحاهم الى السيطرة على الانفلات الامني في البلد وهل سيؤدي منع المواقع الاباحية الى الانصراف الجاد الى العمل والانتاج؟. التوقف عند هذه الامور لا يقيم مجتمعا ولا يبني دولة تركها مبارك واعوانه انقاضا.







ليست هناك تعليقات: