الصفحات

الخميس، فبراير 02، 2012




بعد أحداث بورسعيد :


اعدموا عشرة لتنقذوا مصر





لا يوجد مصري واحد يرفض أن يرسل ببرقية إلى الرئيس مبارك وأعوانه في طرة وخارجها بان أيامه كانت وردية وانه يتحسر على نظامه آناء الليل وأطراف النهار، إذا كان ذلك سيوفر حياة الناس ويرحمنا من عمليات القتل الجماعي والعشوائي التي يدبرون لها كلما أرادوا أن يحتفلوا بمناسبة.

وما هو المقصود من كل ذلك وما هي نتيجته المباشرة أو حتى نتيجته على المدى الطويل؟ هل سيطالب الناس مثلا بعودة النظام والاعتذار لرأسه المحنط المحفوظ في المركز الطبي؟. قطعا لن يحدث شيئا من ذلك. فهل المراد مثلا أن يشعر المصريون أن أيام مبارك لم تكن بالبشاعة التي تشاع عنها..ولكن ماذا سيعود على النظام من ذلك؟.

المسألة ببساطة هي أن هؤلاء لم يجدوا من رادع يردعهم عما يفعلونه. وإذا كان الإفلات من جريمة بعد الأخرى شبه مضمون فلماذا لا يكون الباب مفتوحا أمام المزيد من الإجرام الذي تذهب أرواح الناس البسطاء ضحية له. أما المجلس العسكري والشرطة فهم يغضون الطرف أن لم يشاركوا بالفعل ويبدو أن استراتيجيتهم في الفترة الأخيرة تقوم على تسهيل المسائل للفلول والوقوف موقف المتفرجين.

في عام 1979 عندما قامت الثورة الإيرانية واستقرت لها الأمور بدأت المحاكمات الثورية وكان يعلن عن عمليات الإعدام في الميادين العامة بالمدن سلفا لكي يتاح للناس فرصة الفرجة والاتعاظ. نحن رفضنا هذا النموذج أو بمعنى اصح زين لنا أن نرفضه لصالح محاكمات مدنية تبدو مثل المسرحيات الهزلية لم يحكم على احد فيها بعد عام على الثورة حكما واحدا يرضي أهالي الشهداء والمصابين، في حين توالت أحكام البراءة لأفراد مازالت الدماء عالقة بأيديهم.

الغريب أن هناك الآلاف من أفراد النظام البائد ممن لطخت أيديهم بدماء الشعب على مدى عقود وجرائمهم سافرة وواضحة لا ينكرها إلا جاهل أو أعمى. ولو كنا حكمنا على عشرة من هؤلاء فقط بالإعدام في محاكم عسكرية أو ثورية ونفذنا الحكم فيهم لوفرنا حياة المئات وربما الآلاف من الأبرياء.

إننا في سفينة تكاد تغرق بنا جميعا ونحن بحاجة إلى تخفيف حملها حتى تواصل رحلتها. والتضحية في مثل هذه الحالات واجبة ولازمة. ومن رحمة الله بنا إننا لن نلجأ إلى القرعة لاختيار من سنضحي بهم، فالذين يحاولون ثقب قاع السفينة نحن نعرفهم جيدا وقد ضبطناهم على رؤوس الاشهاد متلبسين وبأيديهم المسامير والمطارق.

إن إظهار مصر بصورة دولة غير مستقرة لن يؤدي إلى التراجع عن الثورة ولا التقاعس عن تحقيق أهدافها كاملة ولن يدفع الحشود إلى المركز الطبي لتحمل الزعيم الديناصوري على الأكتاف إلى عرشه وسوق جموع الشعب للاعتذار له.

الواقع أن ما حدث لمبارك من المهانة والإذلال والامتهان على يد شعبه لهو أبشع من أن يحتمله الشخص الطبيعي. ولكن الرجل الذي ينتمي لفصيلة أدنى رتبة من فصائل البشر مازال يسعى إلى تأمين حياته وإنقاذ رقبته من حبل المشنقة وليس لديه مانع من استخدام أي أوراق قذرة هو وأعوانه في سبيل ممارسة الضغط وإظهار أنهم مازالوا قادرين على التأثير على مجريات الأمور.

وبدلا من التخطيط والتدبير ونسج المؤامرات التي لا يذهب ضحيتها سوى البسطاء من أبناء هذا الشعب أولى بهم أن يتأملوا للحظة لماذا كانت الخيبة الثقيلة والوكسة من حظهم ونصيبهم ولماذا فشلوا فشلا ذريعا في الاحتفاظ بالسلطة؟ نظام محصن بكل أدوات القوة والبطش استمر في رسوخ الجبال على مدى ثلاثة عقود مدعوما بالرضا الأمريكي والإسرائيلي يطاح به بين عشية وضحاها. هل هناك خيبة تاريخية اكبر من هذه؟. نظام لم يحقق أي نجاح في أي مجال طوال حكمه ولم يترك خلفه إلا ارث ثقيل من الكوارث..الم يكن أولى أن يذهب إلى حال سبيله في هدوء وبدون هذه الصورة المهينة والمشينة التي ركل بها من عجلة القيادة؟. ألم يكن أولى بنا أن نرثى له وتأخذنا به الشفقة فندعه يترجل في هدوء وصمت؟. لو كنت نزيلا في طره أو المركز الطبي أو أي مكان آخر واشعر بأي ولاء للنظام البائد لعكفت على تأمل هذه الخيبة الثقيلة والتمعن في أبعادها إلى أن يحين اجلي.

فلتتحلوا قليلا، ان لم يكن بالخجل من أنفسكم ومن تاريخكم وأفعالكم، بالهدوء. لقد خسرتم لأنكم فاشلون وتم انتزاعكم من أماكنكم مثل المسامير التي أكلها الصدأ والإلقاء بكم حيث انتم الآن في سلال مهملات التاريخ. لقد فشلتم في كل شيء وأصابكم العجز والعنة حتى في اخص ما لديكم وهي طاقتكم غير المحدودة على القمع وقدراتكم اللانهائية على البطش ومخزونكم الذي لا ينضب على الترويع، فوقفتم في حالة من الذهول من ضعفكم وخيبتكم الثقيلة. لقد فشلتم حتى في الحفاظ على فشلكم وخيبتكم. وكما يقول المثل المصري "الناس خيبتها السبت والأحد وانتوا خيبتكم - للأسف - ما وردتش على حد".

غدا أو بعد غد سيتنحى العسكر، أذنابكم الذين تكفلوا بحمايتكم حتى الآن ولن يكون أمامكم مفر من مواجهة لحظة الحقيقة وساعتها ربما تفكرون في عبثية لهوكم بحياة البشر أثناء وجودكم في الحكم وأثناء مكوثكم في سلال المهملات.

ما الذي تطمعون فيه أكثر من الاستعراضات اليومية أمام شاشات التلفزيون ووسائل الإعلام العالمية في المحاكم مصحوبة بالعناوين الرنانة عما آلت إليه أحوالكم وعما فعلتموه في الشعب وعما يمكن أن تخبئه لكم الأيام. هل ما زال لديكم القدرة على تحمل المزيد من الامتهان والمذلة؟. ربما يموت عشرات أو مئات من الشعب الذي وضعكم في هذا الموضع ولكنه لن يتراجع أبدا عن السير بكم إلى النهاية الصحيحة التي تستحقونها عن جدارة.



ليست هناك تعليقات: