الصفحات

الاثنين، فبراير 13، 2012







سيدي الرئيس نحن نأسف لك وعليك


كنت اتوقع ان يخرج الرئيس مبارك علينا في ذكرى مرور عام على ثورة 25 يناير ليوجه كلمة الى الشعب المصري، كلمة تفسير او تذكير او تبصير او حتى لوم وتوبيخ. انا لا اتوقع بطبيعة الحال ان يعتذر الرئيس عما فعله في الشعب المصري وقد نكون نحن شعبا طماعا ووقحا للغاية اذا توقعنا من الرجل الذي خدمنا على مدى ثلاثة عقود ان يعتذر لنا عن ذلك، وان كان ذلك سببا وجيها ليوجه لنا أي كلمة بمناسبة مرور عام على فطامه عن السلطة. ثلاثة عقود هي فترة طويلة وتجعل الرئيس مبارك واحد من الاربعة الكبار في حكم مصر، وهذا هو ما جعلني اتوقع كلمته بل واتحرق اليها. يا ترى ما الذي يمكن ان يقوله لنا مبارك في هذه المناسبة..مناسبة تركه لموقع ظل يشغله لسنوات طويلة وغادره مرغما.

وقد يكون من الظلم للرئيس مبارك ان يذكر جنبا الى جنب مع الفرعون بيبي الثاني ورمسيس الثاني ومحمد على وان يقارن بهم ولكن هذه احدى حتميات التاريخ فالرجل هو صاحب اطول فترة حكم في تاريخ مصر بعد هؤلاء الثلاثة ولا بد ان يذكر جنبا الى جنب معهم ويقارن بهم. وحكم بيبي الثاني، الذي يقال انه تمتع بأطول فترة حكم في التاريخ الانساني، 94 عاما وتولى العرش وهو في السادسة من عمره، وانعكس طول حكمه وتداعي صحته وضعف ادارته وعدم اكتراثه مثل مبارك بالرعية، على سلطة الدولة المركزية التي تآكلت لصالح حكام الاقاليم كما ادى في نهاية المطاف الى نشوب ثورة عارمة. أما رمسيس الثاني فقد حكم مصر 66 عاما وشهرين وكانت له انجازات كبيرة. وجاء محمد على وهو ألباني ليحكم مصر في بواكير عصر النهضة الحديثة واستقل بمصر عن الامبراطورية العثمانية وحاول ان يجعلها نواة لامبرطورية ضخمة ترث الامبراطورية التي كانت جزءا منها والتي كانت مظاهر الضعف والشيخوخة بدأت تدب فيها، لولا تصدي بريطانيا وفرنسا له.

بالطبع المقارنة ليست في صالح مبارك ويقال حتى ان هؤلاء الحكام، على بعد الشقة ما بيننا وبينهم، كانوا يعيشون بمنطق عصورهم ويهتدون بنواميس الحكم والادارة السائدة في ازمنتهم وهو امر لاشك انه ليس في صالح مبارك ايضا الذي يرى منتقدوه انه عاد بمصر القهقرى لقرون بحيث انتزعها من سياقها التاريخي.

غير اننا يجب الا ننظر دوما الى نصف الكوب الفارغ فمبارك مهما قال عليه خصومه قاد مصر خلال فترة تعد طويلة اتسمت بالهدوء النسبي مع بعض القمع الذي لم يحد مبارك مانعا للجوء اليه بسبب وبدون سبب. وفي الوقت الذي تدافعت فيه دول العالم – بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وجدار برلين – تنهل من الديمقراطية الغربية دون ترو او تأن، اصر مبارك على الطابع المصري للديمقراطية حفاظا على الهوية القومية، كما اصر ان يكون التحول تدريجيا خشية ان يغص الشعب – الذي بدا للرئيس طفلا يحركه الظمأ - بجرعة زائدة من الديمقراطية يكون فيها حتفه.

وحاول الرئيس ان يطور مؤسسات الدولة فمثلا الحزب الوطني الذي اسسه سلفه كنوع من الديكور السياسي وورثه هو منه متداعيا حاول ان يبعث فيه الحياة ويضع له مباديء سياسة جدية يسير عليها مثل أي حزب اخر يحكم في أي ديمقراطية في العالم.

والواقع ان التجديد الذي شهده الحزب في السنوات الاخير لا ينكره الا جاحد او جاهل. لقد فتحت افاق الديمقراطية الابواب امام الابداع السياسي فخرج من بين جنبات الحزب الوطني "الفكر الجديد" وهي وثيقة تذكرنا بمباديء ويلسون او مباديء الثورة الفرنسية او الاعلان العالمي لحقوق الانسان، وان لم يكن احد قد فهم ماهية الفكر الجديد او وصل حتى الى الوثيقة التي تتضمنه. ويقال في ذلك ان المهم ليست الوثيقة المكتوبة بل روح الفكر الجديد الذي وجهت سياسات الحزب الوطني وتبدى اثرها جليا واضحا على المواطن.

وكانت شعارات الحزب الوطني تعكس ايضا هذه الروح من قبيل "من اجلك انت" و "من اجل اولادك" و "من اجل عينيك" و "من اجل عيون اجدادك في المقابر". وهذه الفئة الاخيرة بالذات أي الموتى كانت اكثر استجابة لدعوات الديمقراطية من اولادهم الاحياء حيث عرف عنهم انهم يخرجون زرافات ليصوتوا في الانتخابات في حالة من اثبات الانتماء وحرصا على مصالح الاجيال التي تركوها خلفهم والاجيال القادمة. اما سبب اصرار الموتي على التصويت للحزب الوطني تحديدا فهو امر اختلفت فيه اراء المنظرين السياسيين. ويقول البعض انها الحالة السكونية التي تطبع عالم الاموات هي التي تجعلهم يصوتون للحزب لما يلمسونه من تشابه بين حالتيهما. والموتى في العادة لا يحبون الاحزاب الراديكالية او التغيير المفاجيء.

ولما كانت ابواب الابداع مشرعة عن اخرها فقد بدأ المفكرون المستنيرون من اقطاب السياسة المصرية يضعون المباديء التي يتعين ان يسير عليها البرلمان المصري فوضع الدكتور سرور مبدأ "المضبطة النظيفة". ويقضي المبدأ بحذف أي كلمات عنيفة اوخادشة للحياء من مضبطة مجلس الشعب. وكان يمكن ان يرفع الاعضاء احذيتهم بل ويصفعون ويركلون بعضهم بعضا وتسمع السباب والشتائم تتطاير تحت القبة ولكن حرصا على الاجيال القادمة التزم الدكتور سرور الا يروا منا الا كل ما هو حسن حتى يسيروا على دربنا في طريق الديمقراطية دون تردد.

وتماشيا مع هذه التطورات الديمقراطية تم تعديل الدستور مرتين استجابة لتطلعات شعبية للتفويض بالمزيد من السلطة للشعب ولاحكام رقابة المجلس على اداء السلطة التنفيذية. ولكي يقطع الدكتور سرور الطريق على السلطة التنفيذية في التلاعب بمجلس الشعب استحدث مبدأ "سيد قراره" لكي يوفر الحرية المطلقة للأعضاء دون مخاوف من أي اجراءات تتخذها السلطات ضدهم خارج المجلس.

كان ذلك كله بفضل اشراف الرئيس مبارك ومباركته. ومهما قبل عن سلبيات الرجل الا ان احدا لايمكن ان ينكر انه اجتاز بمصر العديد من الازمات التي كان يمكن ان تعصف بأمنها واستقرارها فخرج بها اقوي مما كانت قبلها. ويحضرنا في هذا المقام ازمة العبارة الاولى وازمة العبارة الثانية (التي يشبهها المؤرخون بغزو الالمان للاتحاد السوفييتي وتصدي الجيش الاحمر لهم) وازمة قطار العياط الاول (بيرل هاربور المصرية) وقطار العياط الثاني "المعروف تاريخيا بازمة قطار الجاموسة"، وازمة شهداء الخبز التي شهدت مقتل الكثير من المصريين في الافران في الصراع على الخبز، وازمة الغاز وازمة الكهرباء. كل هذه الازمات اجتازها النظام المصري بقوة وثبات يحسد عليهما وخرج ليقول للعالم : هذه هي مصر اقدم دولة في التاريخ البشري.

أما في الانتخابات الاخيرة للنظام والتي اجريت في اواخر عام 2010 فقد حقق الحزب انجازا لم يتحقق سوى في الدول التي لا تعرف الا نظام الحزب الواحد وليس لها علاقة بالتعددية مثل الحزب الشيوعي مثلا في الاتحاد السوفييتي السابق والصين حاليا. والواقع ان هناك من يعبرون عن امتعاضهم من ان الامن هو الذي ادار العملية الانتخابية البرلمانية وانه كانت له الهيمنة عليها. وهو امر اجد انه لا غبار عليه فالامن في مصر ادرى بمصالحنا وادرى بما ينفعنا وما يضرنا ومن هو النائب الصالح الذي يمكن ان يفيد الشعب ومن النائب الطالح الذي سيسعى الى الاضرار بأمن الوطن وسلامته لتحقيق منفعته الشخصية.
واليوم وانا افكر في عهد الرئيس مبارك لا يسعني الا ان اشعر بحزن شديد ان عهده انتهي قبل اوانه وقبل ان يكمل مسيرته ويحقق تطلعاته في خدمة شعبه الذي يعد مثالا لنكران الجميل. واذا كان لي ان اقول له كلمة فانني اقول له نحن نشعر بالاسف ياريس انك حكمت مصر وشعرنا باسف اكثر واكثر عندما تركتها. وما زلنا نتطلع الى كلمة منك حتى لا نترك الصفحة الاخيرة من كتاب التاريخ خالية من الكتابة.
اعرف انك تشعر بالامتنان نحونا نحن رعاياك – سابقا - لاننا لم نشارك في المهرجان العالمي الكبير الذي اقيم في الكثير من دول العالم احتفالا بخلعك وان كان المهرجان قد تقنع تحت مسميات اخرى. نحن يا سيدى لم نحتفل مع المحتفلين ليس رفضا للمهرجان ولا استنكارا له ولا مجاملة لك، ولكن لاننا كنا مشغولين بشيء اخر مختلف تماما. كنا مشغولين باقناع بعضنا البعض بان نلزم منازلنا والا نخرج الى الشوارع والا نرى شمس الحرية التي اشرقت في ذلك اليوم.



ليست هناك تعليقات: