يوربيدس في سجن القناطر
تبدأ مسرحية "ميديا" ليوربيدس وهي تتجرع مرارة الهجر لتخلي زوجها عنها واقترانه بابنة كريون ملك كورنثا. وتقع ميديا نهبا لصراع عنيف يعصف بها ولا يطفيء حنقها المتأجج وغيرتها سوى الانتقام منه ومن زوجته الملكية الشابة جلوكي ووالدها كريون ثم تبدأ في تنفيذ انتقامها من زوجها بقتل اطفالها الثلاثة منه.
ولكن "ميديا" في النهاية وان كانت امرأة مهجورة وزوجة منبوذة يزيد من ألمها انها ابنة ملك، الا ان يوربيدس حرص على تصويرها على انها شيطان خالص فقد خانت اباها وقتلت اخاها ودبرت مقتل العروس ووالدها. ومآساة ميديا هي انها اكثر انقيادا لمشاعرها من صوت عقلها.
وشخصية مثل بثينة شعبان المتحدثة باسم الرئيس السوري بشار الاسد الذي سيدخل التاريخ كواحد من أكبر سفاحي القرن، أو زوجة المخلوع المصري حسني مبارك ربما تعتبر نماذج عربية معاصرة للقسوة المفرطة التي تستحوذ على المرأة في طلب السلطة وحمايتها. ولكن الفارق بين هاتين الشخصيتين وميديا هو فارق كبير للغاية.
ميديا امرأة همجية أحبت جيسون بجنون وساعدته في سرقة الفراء الذهبي وضحت في سبيله بقومها، ولكنه في نفس الوقت لا يمكنه ان يتغاضى عن همجية اهلها وهو يعيرها بانه انتشلها من قومها المتوحشين. وهي من جانبها حملت معها همجية قومها ووحشيتهم بصورة تجعلها لا تتورع عن قتل اطفالها لتروي ظمأها للانتقام.
ولكن المرأتين العربيتين تعيشان في القرن الحادي والعشرين بل ان احداهما وهي شعبان حاصلة على الدكتوراة، ليست في العلوم النووية او الفيزياء، بل في الشعر. امرأة تتحول من استجلاء مواطن الجمال والخير والحب وتحليل رقة المشاعر في عالم الفن الى مساعدة جزار يواصل سفك دماء شعبه منذ نحو العام ولا يشبع ولا يرتوي.
وربما لم تتوقف شعبان وهي تسوغ افعال الشيطان وتدافع عنه وتهدد باسمه لتسأل نفسها ما اذا كان هذا يتسق مع شخصية سوية ام انها تعيش نفس الحصار الخانق الذي تعيشه ميديا ولا تجد فكاكا منه. وهي تمضي في طريقها متغاضية عن بحار الدم التي تسفك امامها كل يوم ساعية الى انقاذ النظام بأي ثمن لان انقاذ النظام هو انقاذ لرقبتها.
ومؤخرا نشر ان شعبان هددت القادة العرب الذين يهاجمون القمع والقتل السوري اليومي بنشر افلام جنسية لهم على الانترنت، وهو نفس التهديد الذي وجهته سوزان ثابث حرم المخلوع المصري لمسئولين عرب ومصريين. وهذه تهديدات لا تشير الى سوء التربية والانحطاط فحسب، بل تلقي بظلال على الممارسة السياسية في العالم العربي. هل هؤلاء يصلحن ان يكن مسئولات او زوجات لشخصيات مسئولة في دولة في القرن الحادي والعشرين؟ وهل الحكام والمسئولين الذين توجه لهم مثل هذه التهديدات يصلحون لقيادة دولة في القرن الحادي والعشرين؟.
ان ميديا حتى افضل حالا من شعبان. وناهيك عن اسمها الذي يشير الى مهارتها في عالم السحر، يرسل اله الشمس هيليوس عربته المجنحة اليها في اللحظات الاخيرة بعد ان قتلت أطفالها وجاء جيسون لينتقم منها، فتصعد اليها وتمضي. ولكن شعبان لن تجد لا عربة مجنحة ولا مركبة عسكرية لتركبها ولن يمد اليها احد يده في لحظاتها الاخيرة التي ستواجهها وحيدة وضعيفة. وقد يكون مصيرها حتى أسوأ من مصير ايفا براون. براون على الاقل كانت تحب هتلر حبا جنونيا ووافقت عن طيب خاطر ان تقاسمه مصيره بتجرع السم في لحظاتهما الاخيرة. ولكن ربما تكون نهايتها كنهاية كلارا بيتاتشي وتعلق من ساقيها الى جانب الدوتشي السوري مثل العجول في المذبح.
اما زوجة المخلوع المصري فهي في وضع افضل من ميديا ومن شعبان فهي من ناحية تحتفظ بعشقها محنطا في المركز الطبي ومن ناحية اخرى فقد اجتازت فورة الثورة الأولى التي كانت تمثل اكبر تهديد لها ولاسرتها، دون ان يمسهم اذي مباشر. صحيح ان ولديها ينزلان الان في طرة بينما ينام زوجها في المركز الطبي ولكنهم على أي حال يتمتعون باقامة فندقية قصد منها حمايتهم اكثر منها معاقبتهم.
أضف الى ذلك ان ثروة الاسرة التي نهبتها من دم الشعب البائس لم تمس بسوء وهي نائمة في بنوك لا يعلمها الا الله الى ان يخرج الاولاد ليتمتعوا بها، كما ان سيدة مصر الاولى السابقة حرة طليقة يمكنها ان تروح وتغدو وتخطط وتدبر لسفك المزيد من دماء المصريين تحت نظر طنطاوي الذي يبدو ان عينيه وعيون رفاقه في المجلس العسكري الحاكم مكسورة امامها لسبب او لآخر.
لقد سفكت هذه الحيزبون من دماء المصريين هي واسرتها الكثير والكثير وما زالت. وقيل مؤخرا ان كل زيارة لها لطرة تكون متبوعة بحمام دم كبير. ولكن لا احد يستطيع ان يقترب منها فهي على ما يبدو تحظى بحماية غير معلنة من العسكر ومن فلول النظام البائد وكلاهما اصحاب مصلحة واحدة في استمرار الاوضاع في مصر كما هي.
أليس من الافضل ان تودع هذه المرأة في سجن القناطر حتى يقضي الله امرا كان مفعولا بدلا من تركها مطلقة السراح لتقوم بالتخطيط والتآمر على حياة المصريين؟. ولا اعتقد اننا سنفتقر الى تهمة نوجهها اليها، فكوارث الاسرة تكفي لتحملها الى حبل المشنقة او للزج بها بقية أعمارها في السجون لو كانت هناك أي عدالة حقيقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق