الصفحات

الاثنين، فبراير 13، 2012


 



ما الذي ضاع في تضاعيف الاضراب التعيس؟


مصر واقعة في حالة من التناقض والاستقطاب الشديد وهو ما يمكن ان نصفه بانه وضع متأزم ومتوتر حيث لا تشعر ان هناك ثلاثة اشخاص في البلد يمكن ان يتفوا على شيء محدد. ورغم ان الصحف الحكومية خرجت امس الاحد لتهلل لفشل الاضراب، الا ان الامر يدعو الى الرثاء اكثر مما يدعو الى الفرح.

لقد وقع الداعون الى الاضراب في مأزق سخيف فلم يكن التوقيت مناسبا ابدا للدعوة الى العصيان المدني فمناسبة تنحي مبارك او تنحيته كان يجب ان تكون وقفة للجميع ليحسبوا بتأن ما الذي حققته الثورة وما المسار التي يتعين عليها ان تسير فيه بعد ذلك. ولكن الدعوة خرجت متعجلة واختارت توقيتا سيئا.

وفي الوقت الذي نظمت منظمة العفو الدولية احتفالات في عدة دول اوروبية للاحتفال بالربيع العربي، كان المصريون مشغولين بما اذا كان الاضراب واجبا ام ترفا، هل هو قانوني ام غير شرعي، هل سيشارك فريق ما او يمتنع. وانشغل جانب منهم بتركيب مقاطع صوتية ملفقة لادانة خصومهم. وباختصار فقد انشغل المصريون بالاضراب وبانفسهم ونسوا ما يحدث للشعب السوري الشقيق من قتل وذبح ربما لم يشهده التاريخ الحديث في أي دولة اذا استثنينا ما حدث في يوغسلافيا السابقة في تسعينيات القرن الماضي.

واحتفالا بالربيع العربي وتجاوبا مع الدعوات الدولية في يوم سقوط مبارك خرجت مظاهرات حاشدة في كل من تونس وليبيا لدعم سوريا. فهل الليبيون والتونسيون اقرب لابناء سوريا منا؟. صحيح ان لدينا جراحنا الكثيرة التي ما زلنا نداويها ولكن السوريين يعيشون اوضاعا يصعب تخيل بشاعتها. واذا كانت مصر الرسمية اصابها الخرص فلم يخرج منها تصريح واحد يعبر عن تعاطفه مع السوريين فاين مصر الشعبية؟. لقد التهمها الاضراب الذي لا يمكننا بأي حال ان نقول حتى انه حقق ما يمكن ان نبني عليه في المستقبل.




الجانب الاكبر من الداعين الى الاضراب مسيسون أي انهم يعملون بالسياسة بصورة او اخرى سواء من الشخصيات التي كانت موجودة في عهد نظام مبارك او من سباب الثورة والنشطاء الذين بدأوا يجربون انفسهم في عالم السياسة مؤخرا. واغلبهم ان لم يكن كلهم ليسوا على صلة قوية بالشارع ولا يعرفون ما يشغل المواطن العادي المهموم بمعاشه اليومي. ولا احد يخفي عليه بالطبع ان الاوضاع المادية والمعيشية في مصر تدهورت كثيرا بعد الثورة لفئات عريضة من المجتمع بصورة جعلت كثيرين يتحولون الى اتخاذ موقف لا مبال ان لم يكن معاد للثورة. وهؤلاء يشغلهم قوت يومهم اكثر مما يشغلهم التغيير على المدى الطويل.

المجتمع المصري ليس معتادا على التحركات الجماعية بسبب انعدام الوعي بين الكثير من فئاته، بل هو معتاد اكثر عل الاحتجاجات والاضرابات الفئوية وعلى سبيل المثال فان عمال ميناء العين السخنة الذين يخوضون مواجهة مع شركة مواني دبي العالمية الاماراتية التي تقوم بتشغيل الميناء، بسبب مطالب تتعلق بالاجور، رفضوا ان يتزامن اضرابهم مع الدعوة العامة للعصيان يوم السبت وأجلوه الى يوم الاحد حتى لا تكون هناك شبهة في انضمامهم الى العصيان العام، لان مطالبهم ترتبط بهم وليس بالشأن العام، في حين رفض عمال المحلة الاضراب.

الاحتجاجات الفئوية تكون لها مطالب محددة وملموسة ويكون لها قائد على الارض يوجهها وينظمها، وتكون الجهة المستهدفة من الاضراب او الاعتصام وهي في الغالب ادارة الشركة او المؤسسة، لديها استعداد لاتخاذ موقف منه اما بالاستجابة لمطالبه او رفضها، على عكس المطالب الكثيرة والهلامية التي اعلنت كهدف للاضراب، مما يجعل المجلس العسكري يتجاهل حتى نقاشها.

والثورة حتى الان فشلت في اخراج قائد لها يمكن ان يجتمع حوله الناس. وحتى الدكتور محمد البرادعي الذي كان افضل المؤهلين للقيام بهذا الدور، لم يكن عليه اجماع كامل، ثم انه لم يكن محبوبا ولا مرغوبا فيه من المجلس العسكري. ونلاحظ هنا الدور الخطير الذي لا زالت تلعبه السلطة القائمة، واداتها الاعلامية، في صنع القيادة الشعبية وهو امر خطير للغاية في عهد ما بعد الثورة.

وللاسف الشديد فان الكثير من الداعين للاضراب صورتهم الشعبية يعلوها الكثير من الغبار ليس فحسب بسبب الدور الذي لعبه الإعلام الرسمي، بل ايضا لان الكثير منهم بالفعل لا يشعرون بنبض الشارع  وغارقون في التنظير الذي لا يمت للواقع بسبب.

هل نسينا ان الشعب المصري لم يمارس السياسة ولم يشارك فيها بأي صورة من الصور منذ اكثر من ستين عاما؟. كل الحكومات السابقة منذ ثورة يوليو كانت تكفيه مئونة التفكير في أي شيء حتى في الكوارث الطبيعية. واثناء زلزال 1992 خرج علينا صفوت الشريف ليقول ان كل شيء تحت السيطرة وكأنه مثلا قد اعتقل الزلزال. وتصويت المصريين في انتخابات مجلس الشعب مؤخرا، رغم كل ما شابه من اوجه قصور، يعد بداية للاهتمام بالمشاركة السياسية التي حرموا منها لاجيال.

ولكن اسوأ ما في الامر ان الدين استغل في هذه المناسبة كما كان يستغل في عهد مبارك تماما فقد اعتبر شيخ الازهر والبابا شنودة ان الاضراب حرام لما فيه من تعطيل مصالح الناس، وهو امر للاسف اساء للمؤسستين الدينيتين اللتين يقودهما الرجلان. الدين يجب ان يكون بمنأى عن الخوض المباشر في الامور السياسية، وكان افضل للرجلين لو اكتفيا باعلان ان مؤسستيهما ستقومان بعملهما المعتاد في هذا اليوم، وان يتركا للجميع ان يقرروا في ضوء ذلك موقفهم. هذا الموقف يثبت ان مصر لم تتغير بعد الثورة خاصة وان الرجلين كانا يدعمان مبارك بكل ما اوتيا من قوة حتى اخر لحظات سقوطه.

ليست هناك تعليقات: