كيف
تكون عميلا سريا للاخوان
منذ
بضعة ايام بعد صدور الاعلان الدستوري العجيب للدكتور محمد مرسي قلت ان الاعلان غير
مقبول وصدوره خطوة غير موفقة. وقلت ايضا انني على الرغم من ذلك لا اؤيد تراجع مرسي
عن الاعلان. واتهمني بعض الاصدقاء على الفيسبوك بانني اعمل مع الاخوان او اسعى
للعمل معهم او انني اتوقع شيئا منهم. وباعتبار انني تنكبت الطريق السوي نصحوني
لوجه الله بان ابتعد عنهم فهم شر لا يأتي منهم إلا شر. والواقع ان مصر يسودها في
كثير من الاحيان اتهامات غريبة تلقى جزافا من اناس جهلاء بدون دليل ولا منطق. وفي
بعض الاحيان كان اتهام الشخص بانه شيوعي يمكن ان يقضي على مستقبله الوظيفي وايضا
يقوض وضعه الاجتماعي لان الشيوعي ملحد والملحد والعياذ بالله كافر. وهذه الايام
تعد تهمة علماني تهمة خطيرة رغم ان من يرددونها لا يفهمون معناها على الوجه
الصحيح. وفي اوقات اخرى كان الاتهام بالميل لامريكا اتهاما خطيرا يرقي الى مرتبة
العمالة للامبريالية العالمية. وهناك شيء جديد هذه الايام وهي العمالة للاخوان
ولذلك اذا اراد شخص ان يقول رأيا يشتم منه انه يميل للاخوان، حتى لو كان هدفه من
ذلك المصلحة العامة، عليه ان يبادر الى اعلان انه ليس من الاخوان ولا ينتمي اليهم،
ولو تطلب الامر ان يقسم بأغلظ الايمان. والحقيقة انني لم انتخب الاخوان في مجلس
الشعب ولم اذهب الى انتخابات مجلس الشورى ولم انتخب مرسي الا مضطرا حتى لا يكون
هناك فرصة لعودة النظام القديم.
مانديلا من السجن للرئاسة |
والامور
لا تقاس من منظور شخصي عندما تكون المصلحة العامة على المحك. والمسألة هنا بالاساس
ان هناك رفض واسع لحكم محمد مرسي باعتباره عضو من الاخوان وهي جماعة كانت حتى وقت
قريب مهمشة ومضطهدة واكثرهم قضوا ردحا من حياتهم في السجون منذ ثورة 1952. غير
اننا لا يمكن ان ننكر ايضا ان مرسي لم يصل الى منصبه من خلال تزكية او توصية او
انه كان نائبا لرئيس حل محله مثلما كان يحدث من قبل بل هو اول رئيس مصري منتخب من
الشعب بالاقتراع المباشر. وفي الغرب ينظر الى تكريم الشعب لشخص باختياره لمنصب
انتخابي على انه اكبر تشريف يمكن ان يحصل عليه وهي ابسط مباديء الديمقراطية.
ديمقراطية
عنصرية
وحيوية
المجتمعات تقاس بقدرتها على التطور والتكيف مع كل ما هو جديد والتأقلم معه والخروج
منه بأفضل نتيجة ممكنة. في عام 1942 عندما انتقل الكاتب الامريكي الاسود ريتشارد
رايت الى منطقة فاخرة في بروكلين احد احياء نيويورك لا يسكنه الا البيض ضج الجيران
بالشكوى ورشق احدهم نافذته بالاحجار كما رفض الرجل المسؤول عن المبنى ان يحمل
الفحم الى المنزل. كان ذلك الجميع اكتشفوا ان رجلا اسود يعيش فيه مع زوجة بيضاء.
وظل التمييز ضد السود سائدا حتى الاواخر الستينيات. صحيح انه لم ينتهي تماما ولكن
امريكا بذلت مجهودا كبيرا في دمج السود بصورة جعلت من الممكن ترشيح مواطن اسود ابن
دارس تنزاني لرئاستها خلال 60 عاما. ولكن يبدو ان الديمقراطية المصرية الوليدة لم
تأتي متأخرة للغاية فحسب بل انها ولدت مشوهة وعرجاء واسوأ من ذلك انها ولدت عنصرية.
واذا كنا نرفض حكم الاخوان لمجرد انهم فصيل تعرض للسجن والاضطهاد، فمتي يمكن لمصر
مثلا ان تنتخب قبطيا او امرأة لرئاستها. لاشك ان الامر قد يستغرق اربعة او خمسة
قرون على الاقل.
ريتشارد رايت |
كل ما
نراه من مظاهر حولنا يؤكد اننا لا نفهم روح الديمقراطية الحقيقية. الديمقراطية هي
فهم ووعي واحساس قبل ان تكون صندوق اقتراع واصوات وفرز ونتائج. وعندما يسعى فريق
الى الاشتباك مع الفريق الاخر المعارض بصورة تصل احيانا الى الاصابة الجسدية وحتى القتل
فالامر لا ينم فقط عن عدم احترام الديمقراطية بل عن همجية توحي بان اصحابها لا يستحقون
العيش في مجتمع متحضر بالمرة.
تناقضات
ليبرالية
الاخوان
يسعون الى التكويش على كل شيء لانهم لا يثقون في الاخرين والقوى المدنية تحاول هدم
حكم الاخوان بغض النظر عن المصلحة العامة. وربما نجح الاخوان في السيطرة على
الشارع والتفوق في الانتخابات والحصول على الاغلبية في مجلسي الشعب والشورى وتتويج
كل ذلك بالوصول الى الرئاسة وهو حلم تحقق فجأة، ولكن ليس من المنطقي ان يتجاهلوا
الاخرين فليس هم وحدهم من منحوا صك الوطنية. اما ما يسمى بالقوة المدنية فهم لم
يفلحوا في شيء على الاطلاق. لا نجحوا في بناء قواعد قوية في الشارع ولا افلحوا حتى
في بناء وتحديث احزابهم التي تعاني من ضعف البني والخلل المزمن والخلافات على
الزعامة وكل الامراض التي يمكن ان تجدها في احزاب كانت تعيش دوما على هامش السياسة.
وهم برفضهم حكم الاخوان لمجرد انهم اخوان انما يقوضون اهم مباديء الليبرالية
السياسية دون وعي منهم. وما شهدناه منذ صدور الاعلان الدستوري يؤكد انهم لا يعملون
لاصلاح حال الوطن بقدر ما يسعون الى تقويض حكم الاخوان. والبرادعي مثلا يقسم اعضاء
الجمعية التأسيسية الى ثلاث فئات : من يرفضون الموسيقى لانها ضد الشريعة ومن لا
يؤمنون بالمحرقة النازية او الهولوكست ومن لا يؤمنون بالديمقراطية. وربما كانت الاولى والثالثة بصفة خاصة، لا
تؤهلهم حقيقة للجلوس في جمعية تضع دستور البلاد ولكن متى كان الايمان بوقوع
الهولوكست من متطلبات العمل السياسي في مصر. البرادعي يعرف ان هناك من بين
المفكرين الغربيين انفسهم من يشكك في حدوث المحرقة بالشكل الذي يدعيه اليهود ويدرك
ان اليهود يبتزون العالم باسم المحرقة ويضغطون على الضمير الغربي لسلب حق شعب اخر
هو صاحب الارض الحقيقي. هل كان يتعين مثلا ان يضع اعضاء التأسيسة بندا يعلنون فيه
عدم جواز تولي أي منصب انتخابي لشخص لا يقر صراحة بحدوث المحرقة؟. احد الاصدقاء
قال ان تصريحات البرادعي شوهت وان علينا ان نقرأ النص الالماني في "دير شبيجل".
والواقع ان البرادعي تحدث بالانجليزية وترجمت تصريحاته الى الالمانية لغة المجلة،
والالمان ليسوا حمقى لكي يضعوا ترجمة مخالفة لما ذكره الرجل.
عمرو موسى |
البرادعي |
لقد
تحدث كثيرون عن مؤامرة كانت تحيكها المحكمة الدستورية وبعض الاطراف. واذا صح
الكلام عن هذه المؤامرة - وربما كان هذا هو التفسير الوحيد لصدور الاعلان الدستوري
في هذا التوقيت – فهذا يعني بصراحة ان صدوره هو رد فعل طبيعي. استعداء الجيش
ودعوته للانقلاب هو ايضا غباء سياسي مطبق ولا يكشف اطلاقا على حرص على الصالح
العام.
العقلية
المصرية – ولندع دعاوى الليبرالية والديمقراطية وحرية التعبير جانبا – استقر فيها
ان العسكر هم اصحاب الحق الشرعيين في حكم البلاد وهم اصحاب التفويض الارفع والاسمى
رغم ان احدا من العسكر لم يحصل ابدا على تفويض من الشعب بالحكم، ولكن التفويض
موجود لمجرد انهم عسكر. والرجل الذي ربض على صدورهم 30 عاما خرب فيها البلد
والمنطقة كلها لم يفكر الا في اخر فترات حكمه الاسود في اجراء تمثيلية انتخابات
سخيفة، بينما كان يمهد في انتخابات 2010 البرلمانية لثوريث الحكم لنجله.
المستشار الخضيري |
القضاء
والصوت العالي
الصوت
العالي للقضاء لم يكن موجودا ابدا في عهد مبارك واذكر هنا حادثتين واضحتين. عندما
ذكر المستشار محمود الخضري ان مجلس الشعب منبطح
وهي حقيقة لم يكن احدا ليماري في صحتها هاجمه الدكتور سرور كاهن مبارك
السياسي واتهمه ان ما قام به من الحديث عن مجلس الشعب هو "اشتغال"
بالسياسة. وتعرض الرجل لحملة شديدة حتى ان سرور قال انه يمكن ان يتقدم لمجلس القضاء
الأعلى بطلب الاذ ن برفع الحصانة القضائية عن الخضيري بتهمة إهانة البرلمان وهي
جريمة يعاقب عليها القانون. وتركه زملاؤه ولم يتقدم احد من القضاة للدفاع عنه او
التضامن معه ولم نشهد ايامها هذه الضجة الكبيرة، كما لو الاشتغال بالسياسة جريمة
في عهد مبارك اما في عهد مرسي فكل شيء متاح. الحادثة الثانية هي الاعتداء على نادي
القضاة في ابريل 2006 والمعاملة المهينة التي عاملت بها شرطة مبارك القضاة والتي
لا تليق اطلاقا بهيبة القضاء.
لقد
حدثت في الثورة المصرية مفارقات غريبة اشبه بلعبة الكراسي الموسيقية وكلها تكشف عن
انتهازية اصيلة وتلون حربائي. الاخوان تركوا الثوار في موقعة محمد محمود الاولى
سعيا لمكاسب من المجلس العسكري وموقفهم من ضحايا الثورة لا يتسم بالمساواة في كثير
من الامور المعنوية ومحمود عبد المجيد الناب العام السابق صار لبضعة ايام رمزا
للثورة رغم انه من اكبر مفسدي عصر مبارك وعمرو موسى الذي كانت توزع الاوراق التي
تحذر من انتخابه رئيسا لمصر صار احد الاصوات العالية في ميدان التحرير بعد الاعلان
الدستوري. وتنتقل المسرحية من فصل الى فصل اكثر سوداوية دون ن يعرف احد متى يسدل
الستار.
فلول
ربما
كان عمرو موسى من افضل العناصر التي نطلق عليها لفظ الفلول فهو رجل دبلوماسي وعلى
درجة كبيرة من الوعي والادراك ولكن هناك نوعيات من البشر في مصر ممن نشأت في ظل نظام
مبارك يصعب إن تصنفها بين فئات البشر. وهؤلاء بفضل ما سيطروا عليه من ثروة غير
مستحقة كان النظام البائد يتيحها لكل من دار في فلكه لا يتورعون للحظة واحدة عن
تدمير البلاد وتخريبها او في ادنى الحدود شل قدرتها على الحركة والمضي قدما. فهم
بالاضافة الى الثروات الطائلة التي لم يتعبوا في جنيها بالمرة، لا يتوافر لديهم أي
قدر من الفهم او الاخلاق لانهم بامتياز تربية نظام من ابشع النظم التي عرفها
التاريخ السياسي في العالم. وهؤلاء عندما تتاح لهم الفرصة ينطلقون كالسوائم التي
تسحق كل ما تجده في طريقها وقد شهدنا بدءا من موقعة الجمل والمواقع العديدة التي
تلتها اياديهم البيضاء على الشعب والثورة.
بقى أن نقول إن
المصريين البسطاء الذين عانوا الامرين من الانفلات
الامني وتوقف الاعمال وتداعي الامور الحياتية اليومية ليسوا معنيين كثيرا بالصراع
السياسي بين الاخوان والمعارضة بل إن ما يهمهم ويمس حياتهم بصورة اكثر الحاحا هو أن
يجدوا لقمة العيش وان تمضي حياتهم بصورة اكثر سلاسة. والكثير من هؤلاء تحولوا الى
كراهية الثورة وكل ما يمت اليها بسبب ويمكن اين يتحولوا الى العمل ضدها اكثر واكثر
من خلال صناديق الانتخابات مالم يشعروا إن هناك تحسن ملموس في حياتهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق