منذ
اكثر من خمسة عشر عاما كتبت مقالة عن انتهاء عصر الكتاب المطبوع فقد كانت هناك تهكنات
كثيرة في منتصف العقد الاخير من القرن العشرين بان الكتاب المطبوع فعلا سيتجه الى
الاختفاء مع التقدم في استخدام النشر من خلال الانترنت والاتجاه الى استخدام
الكتاب الرقمي بديلا عن الكتاب المطبوع. بالطبع تحققت الكثير من التوقعات ولكن
الكتاب المطبوع لم يختف ولكن الكثير من الصحف والمجلات ولعل اخرها مجلة تايم
الشهيرة، بدأت تقتصر على النسخ الرقمية وتخلصت من الورقية.
غير ان
هناك تباين في تعامل المجتمعات مع الكتاب الرقمي. فكلما اقترب المجتمع من التكنولوجيا
والحداثة كان الكتاب الرقمي يحتل فيه مكانا اكثر تميزا. وفي العالم العربي مثلا،
على الرغم من الكم الهائل من الكتب التي يتم مسحها ووضعها على الانترنت، مازال
ينظر الى النشر على الانترنت بشيء من الشك ولا يعتبر الكاتب معترفا به الا اذا صدر
له كتاب مطبوع. وانا اشعر بالدهشة ان البعض لا يكتفون بعدم الحصول على مقابل لنشر
كتبهم، بل انهم يدفعون اموالا للناشر مقابل قيامه بذلك وهو امر لا يحدث صراحة الا
في العالم العربي.
والواقع
ان الكتاب المطبوع – كما يرى البعض - مازال يحتفظ بالنسبة لكثيرين بمزايا كثيرة
ويمكنك ان تقارن مثلا جلوسك في فراشك وبين يديك كتاب مع اضطرارك الى الجلوس امام
الكمبيوتر لقراءة رواية او ديون شعر. لاشك انه من الافضل ان يكون الكتاب الذي
تقرأه في هذه الحالة مطبوعا. ولكن الكتاب الالكتروني ايضا له فضائله حيث تستطيع ان
تكبر الخط ليتسنى لك القراءة بسهولة لو كنت تعاني من مشاكل في قراءة الخطوط
الاصغر.
والواقع
ان الثورة التكنولوجية في عالم النشر الالكتروني ربما افادت الغرب أكثر مما افادتنا
وربما كان هذا هو السبب في اننا ما زلنا ننظر الى الكتاب الرقمي او الالكتروني
بشيء من الشك. وساضرب مثلا على ذلك. على سبيل المثال اذا كان لديك الموسوعة
البريطانية على الانترنت فلاشك ان البحث فيها سيكون سهلا للغاية خلافا للنسخة
الورقية التي قد تستغرق بعض الوقت لتصل الى ما تريد. ايضا هناك حالة من تسهيل
المعرفة وتوفير الوقت فانا مثلا حصلت على كتاب جورج بوش Decision
Points من على احد مواقع التورنت بعد صدوره بايام
قليلة جدا وهو وقت يقل كثيرا عن وقت شحنه من امريكا او أي دولة اوروبية الى مصر
وتوزيعه على المكتبات. اهم من ذلك انك تستطيع ان تصل الى ما تريده بسهولة بصورة
حتى تفوق سهولة استخدام الفهرس الموجود في نهاية الكتاب (ليس كل الكتب بالطبع فيها فهرس بالأسماء) فاذا اردت ان تعرف مثلا كم مرة ذكر مبارك
في الكتاب وفي أي صفحات فالامر ميسور.
هذه التسهيلات البحثية للاسف ليست موجودة في اللغة
العربية الا في حالة الكتب المكتوبة بصيغة وورد والتي لا يميل احد الى استخدامها
كثيرا لسهولة التدخل والتلاعب فيها. وانا لا اعرف حقيقة سبب عدم امكانية البحث في
النصوص العربية المكتوبة بصيغة بي دي اف التي يتم مسحها ووضعها على الانترنت، ولكن
على ما يبدو فهي مشكلة مستعصية.
وموقع
سكريبد scribd من المواقع المشهورة للغاية في
نشر الاعمال الادبية من كل انحاء العالم وبكل اللغات. ومنذ سنوات كان يمكنك الدخول
الى الموقع وتحميل ما تريد منه دون ان يطلب منك أي شيء. بعد فترة اصبح يتعين عليك
لكي تقوم بتنزيل وثيقة او كتاب ان تقوم بتحميل وثيقة او كتاب انت ايضا وكان ذلك لا
بأس به. فتحميل كتاب من الهارد ديسك لديك ليس بالأمر الصعب. كان الموقع كله مجانيا
سواء في التحميل او التنزيل. ولكن الموقع بدأ منذ عدة سنوات يتيح لمن يضعون اعمالا عليه في دول معينة ان يحصلوا على مقابل مادي وهي طريقة بالطبع تستخدمها أمازون ودور النشر والتوزيع الاخرى مع الكتاب الالكتروني. والجديد في حالة سكريبد انه اتاح ذلك للمقيمين في دول معينة
دون غيرها اعتقد انها حتى الان هي استراليا وبريطانيا وامريكا. لكن الغريب ان
الموقع مؤخرا بدأ يطالب كل من يحاول ان ينزل كتاب منه بان يشترك فيه بمقابل مادي
حتى اولئك الذي يضعون فيه كتب ولا يستفيدون منه ولا يحصلون على أي مقابل مادي على
قراءة وتنزيل اعمالهم وهو وجه من وجوه الاستغلال السخيفة ان تستغل اعمالك في الاعلانات وفي نفس
الوقت تطالب بدفع مقابل لتنزيل كتب اخرى من الموقع.
وموقع
سكريبد له مزايا لا تتوافر على مواقع اخرى فانت يمكنك ان تتحكم في الوثيقة التي
تضعها اذا ما كنت مثلا تريد ان تتيح تنزيلها من قبل الاخرين او طباعتها او تظليلها
ونسخها او الغاء كل ذلك والاكتفاء باتاحة قراءتها فقط.
والواقع
ان هناك ميل الى الحد من التوسع في استخدام الانترنت في النشر في العالم وهذا
التقييد لا يأتي من العالم الثالث بل من امريكا والغرب بصفة عامة، وذلك حرصا على
حقوق الطبع لدور النشر الكبرى. وموقع gigapedia على سبيل المثال كان اكبر موقع للتعليم والنشر في العالم ولكن
الامريكيين اغلقوه بحجة الحفاظ على حقوق النشر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق