الحل
التوافقي الذي تم التوصل اليه اليوم بان يرفع مجلس القضاء الاعلى الى مرسي مذكرة
يطالب فيها ببقاء النائب العام في موقعه على ان يقوم مرسي بوقف اجراءات تعيين
عبدالمجيد محمود سفيرا لمصر في الفاتيكان
هي مسرحية مخزية ومحزنة في ان وتشير الى مدى التخبط الشديد الذي تسير فيه مصر بعد
ما يقارب عامين على الثورة.
لقد
تحولت المسألة من محاولة التخلص من موظف حكومي كبير عليه علامات استفهام كثيرة من
العهد الاسود لمبارك الى صراع وتحدي بين القضاء والرئاسة وهو امر للاسف يمكن ان
يضعف الرئاسة ويجعل قرارات الرئيس موضع شك كبير ربما في قضايا اهم واكثر ارتباطا
بمصير البلاد والعباد. وكما قلت امس يمكن ان يكون للتراجع عن القرار اثار سلبية
وقد يصبح سابقة في قرارات اخرى مماثلة.
القضاء
في عهد مبارك كان صامتا وهادئا ومستأنسا الا من بعض انتفاضات تيار الاستقلال التي
كانت تقابل بشدة وتعسف من النظام واجهزته الامنية. والواقع ان القضاة لم يلعبوا أي
دور في الثورة باعتبارهم من الفئات التي تحظى بامتيازات كبيرة. واقالة النائب
العام هو مطلب شعبي منذ اندلاع الثورة ولكن العسكر حافظوا عليه في موقعه مثلما
سعوا الى عدم المساس بكل اركان النظام الذي كانوا جزءا منه واضطروا الى الانقلاب
عليه بدافع الحفاظ على الذات. والرجل تاريخه في العمل مع نظام مبارك لم يكن ابدا
فوق مستوى الشبهات.
من
الواضح طبعا ان الحكم الصادر ببراءة المتهمين في موقعة الجمل كان مجرد ذريعة
للتخلص من محمود في اطار التخلص من رؤوس الفساد في عهد مبارك ولكن مرسي اخطأ
بتسرعه في اتخاذ القرار واخطأ اكثر واكثر بتراجعه عنه.
ومنصب
النائب العام اخطر بكثير مما نتخيل في الدول المتقدمة ويمكنه استدعاء الرئيس ورئيس
الوزراء اذا ما قدم بلاغ ضد أي منهما وثبت له صحته. واجرى النائب العام الاسرائيلي
مناحيم مازوز تحقيقات كثيرة مع ايهود اولمرت اثناء توليه رئاسة الوزراء كما اجرى
المحقق المستقل كينيث ستار الذي عينه النائب العام الامريكي تحقيقات مع كلينتون في
قضية لوينسكي المتدربة بالبيت الابيض انذاك. ولكن في مصر كان النائب العام يغض
الطرف عن الفساد – ليس في الاسرة المالكة وفي دوائر السلطة العليا فحسب بل ايضا لدى
المقربين من النظام حتى الدرجة الثالثة. والمفارقة ان المنصب قد يكون محصنا ضد
الاقالة ولكن صاحبه لم يسع الى تحصينه ضد اتهامات الفساد والتواطؤ، ومن هنا فان
المطالب الشعبية التي انطلقت للمطالبة باقالته لم تكن عبثا.
اسوأ ما في الامر ان الكثير من المصريين لا يتصرفون الا من منطلق الحقد والكراهية حتى لو كان ذلك على حساب المصلحة العامة. متى كان عبدالمجيد محمود شخصية ثورية ليحشتد خلفه كل من هب ودب من الناقمين على الإخوان والفلول واشباههم؟. هل نحن حقا نريد تطهير مصر من الفساد؟. وهل نحن نسعى فعلا لاعادة البناء أم للصراع غير المجدي على السلطة؟. هل فكرنا في حجم بلاغات الفساد التي حفظها النائب العام طوال شغله لهذا المنصب؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق