الصفحات

السبت، أكتوبر 13، 2012

فرانز كافكا والقضاء المصري

 
فرانز كافكا


اعتدنا في العالم العربي الذي يحكمه التخلف والجهل ان ننظر الى الحاكم مهما كان وضعه سواء في جمهورية او مملكة او امارة او مشيخة او حتى مشخخة الى انه ظل الله على الارض وهي الفكرة التي كانت سائدة في القرون الوسطى في اوروبا ثم انقرضت مع الحركة الطبيعية للنهضة وصولا الى الثورة الفرنسية. ولكن لان عالمنا العربي مبتور الصلة بالعالم ويعيش في كوكب اخر فما زالت الفكرة مهيمنة على عقول ابنائه حتى يومنا هذا. وهذه الفكرة اللعينة هي التي جعلت رجل مثل مبارك يحكم مصر على مدى 30 عاما احالها خلالها الى انقاض. غير ان الشيء الجديد هي ان نعلم ان النائب العام المصري عبدالمجيد محمود هو الاخر ظل من ظلال الله على الارض حيث لا يجوز لسلطة في العالم ان تزيحه من منصبه الا الله.

ومحاولة تخلص مرسي من النائب العام بتعيينه سفيرا لمصر في الفاتيكان ورفض الاخير والضجة التي يثيرها القضاة حول استقلال القضاء هي امور تشير الى ان مصر الثورة لن تتغير كثيرا عن مصر في عهد مبارك ومن غير المرجح ان تمضي بعيدا باتجاه الاحلام التي حركت الشباب للاطاحة بمبارك توقا الى ميلاد مصر جديدة.

المجتمع المصري مجتمع رث ومهلهل ومتآكل، غارق في الظلم والفساد وانعدام العدل حتى اذنيه، أي انه من فئة من المجتمعات لا يعد فيها القضاء نزيها وعادلا عدالة مطلقة او اقرب اليها، بل هو في الغالب اداة من ادوات الحاكم ومطية له. واستقلال القضاء المصري هي اسطورة روج لها النظام البائد لانها تخدم مصالحه واقر القضاة بوجودها غير المتحقق سعيا لبعض المكاسب الزهيدة. ولنتحدث بصراحة فنحن لا يمكن اطلاقا ان نقارن القضاء الانجليزي او الامريكي او الاسرائيلي في استقلاليته ونزاهته بالقضاء المصري، وربما يكون ابسط الاسباب وراء ذلك انهم لا يختصون ابناء القضاة في هذه الدول بامتيازات دون غيرهم.

عبدالمجيد محمود

والواقع اني من خلال ترددي على المحاكم في امور هينة جدا وفي بعض القضايا التي تخصني شعرت شعورا يقينيا ان العدالة لا يمكن ابدا ان تتحقق في هذه الاركان المظلمة والزوايا المعتمة. ولا يمكنك ان تلقي باللوم في ذلك على القضاة وحدهم بل المكان ونظام العمل وكل شيء لا يوفر لك اطلاقا أي ثقة في امكانية تحقيق العدالة وتخرج من المحكمة وانت لديك احساس ان هناك الكثير من الظلم الذي يتعرض له الناس.

ومالم تكن محاميا متمرسا في مثل تلك الاماكن واساليب التعامل وانماط السلوك السائدة فيها فسوف تشعر في الحال انك اشبه ببطل رواية المحاكمة لفرانز كافكا. انه نفس الجو ونفس الاماكن ونفس اليروقراطية ونفس الاحساس بالضياع والارتباك. كافكا كتب روايته في عامي 1914 و1915 ولكن من يدري ان الرواية بكل تفاصيلها تعكس اوضاع القضاء المصري في القرن الحادي والعشرين مثلما تعد انتقادا للبيروقراطية النمسوية المجرية في وقت كتابتها.


ان متاهة المحاكم في الرواية والشخصيات التي تصل الى حد التصوير الكاريكاتوري هو انتقاد للدولة الحديثة بادارتها ووكالاتها ومصالحها كما انه ايضا يعكس فقر المسؤولين الذين يلجأون الى الرشوى وهو امر واضح في مصر.


القضاء المصري في ازمة النائب العام يدعي استقلالا لم يظهر ابدا أي حرص عليه كما كان الحال طوال عهد مبارك بل وايضا في عهد المجلس العسكري عندما افرج القضاة عن الغربيين المتهمين في قضة التمويل الاجنبي لتحملهم طائرة امريكية من ارض مصر في منتصف الليل.

لو كان القضاء المصري قد تمت هيكلته واسلوب عمله بطريقة مختلفة لما كنا شهدنا احكام البراءة العديدة لقتلة الثوار واخرهم السادة الاساوش ابطال معركة الجمل. كل شيء يشير الى ان المحاكم الثورية كانت هي الحل. لقد خدعنا عندما قيل لنا اننا لن نتمكن من استرداد اموالنا المنهوبة في الخارج (التي زينوا لنا انها بمئات المليارات من العملة الصعبة) مالم يتم كل شيء وفقا للاجراءات المدنية العادية وفي النهاية لم نحصل على شيء لا العدالة ولا الاموال.

ومن المفهوم طبعا ان تحرك مرسي مع النائب العام يأتي في اطار عملية التطهير والتخلص من اشخاص لا يستطيع احد ان يجادل في انهم شاركوا في تخريب مصر ان لم يكن بالعمل النشط فعلى الأقل بالتستر على المخربين ومجاملة النظام السياسي على حساب الشعب.

ويفترض ان النائب العام يدافع عن مصالح الشعب ازاء كل من يعتدي على تلك المصالح ولكن هذه ابدا لم تكن حالة عبدالمجيد محمود بل كانت مهمته الاهتمام بمصالح النظام قبل كل شيء، فكان يتجاهل القضايا او يحركها وفقا لهوى النظام. جزء هائل من فساد مبارك واعوانه مر من تحت انف هذا الرجل ولكنه كان يتجاهله.  

واعتقد ان الصورة التي ستحسم بها القضية ستؤثر على مستقبل مرسي في الحكم وشرعيته الشعبية على المدى القريب.



ليست هناك تعليقات: