رأيت صورا قديمة ربما في مطلع القرن العشرين للقاهرة والابل تختال في سيرها الوئيد وكذلك الحمير وعربات الحنطور قرب كوبري قصر النيل. ربما لم يكن استخدام السيارات قد انتشر كما هو الان وكانت الابل والحمير هي وسيلة المواصلات الوحيدة او الاكثر شيوعا انذاك. ولكن الغريب ان عربات الكارو مثلا لم تنقرض من القاهرة بل تجدها في كثير من الاحياء حتى ما نسميه منها بالاحياء الراقية، يجرها حمار هزيل او بغل ضامر ويمكن ان تعطل المرور او تعوقه في بعض الاحيان.
ولان القاهرة واهلها يعيشون خارج الزمن فان نمط الحياة لا يتغير فيها الا الى الاسوأ تقريبا. ومازالت عربات الكارو ترتع فيها ليلا ونهارا ويتعمد ركابها السير في شمال الطريق حتى في الطرق السريعة غير عابئين بالسيارات ولا بالمارة. واذا كانت القاهرة فيها النذر اليسير من احترام قواعد المرور فقد زال ذلك تماما مع الثورة ومع اكتمال حصول المصريين على حريتهم المنشودة وكأن الفوضى هي أهم نتاج للثورة. ولعل اكثر ما يعبر عن اقصى درجات الحرية ان تجد عربة كارو تسير عكس اتجاه الطريق وصاحبها يلهب ظهر الحمار او البغل وهو يحرضه على المضي عكس الاتجاه.
وقبل عيد الفطر تتحول القاهرة الى مجموعة من الحظائر. ويمكنك ان تتخيل بشاعة ما يحدث اذا كان لديك في البيت الذي تقيم فيه محل جزارة او امامك مكان خال يصلح لانشاء حظيرة مؤقتة بقطع من الخشب. ان رائحة الروث المتصاعدة تزكم انوف المارة العابرين فما بالك بالبشر الذين يعيشون في هذه العمارة او المنطقة وتظل رائحة الروث في انوفهم على مدى عشرة ايام او اكثر وتأثير ذلك على صدر الاطفال الصغار.
ربما لو تحدث احدا عن الامر لاتهم بانه يعطل شعائر الله فقد شاع لدينا نوع من الجهل وخلط الامور قلص كثيرا من قدرتنا على التمييز. ولكن هل من التدين السوي ان تتحول القاهرة الى مجموعة من الزرائب او لنقل انها اصبحت كلها زريبة كبيرة. الا توجد طريقة متحضرة يمكن للناس ان يتجنبوا بها ايذاء الاخرين برائحة الروث والقرف طوال الايام السابقة للعيد. لا يخلو حي في القاهرة من هذه الحظائر سواء كانت للخراف او الابقار والجاموس.
لا اعتقد انه توجد مدينة في العالم تسمح بأيواء المواشي لايام او اسابيع في اماكن مخصصة لمعيشة البشر الا القاهرة. وزوال الفروق بين مكان معيشة البشر والمواشي ليس امرا مبشرا على الاطلاق ولا يوحي اطلاقا اننا نحترم ادمية البشر ولا حتى حيوانية الحيوانات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق