الصفحات

الاثنين، أكتوبر 22، 2012

أوراق الخيزران

 
 ياسوناري كاواباتا 

وضعت "أكيكو" الدلو بجانب نباتات الخطمى الوردى ثم انتزعت عدة اوراق من شجرة الخيزران القصيرة المنتصبة تحت شجرة الخوخ واسقطتها فى الماء.
"انها قوارب..هل تحبها؟".
وحدق الصبى فى الدلو ثم نظر الى اكيكو وابتسم.
قالت له امه: "اكيكو صنعت لك قوارب لطيفة لانك ولد طيب للغاية، وسوف تلعب معك اكيكو مادمت ولدا طيبا".
كان الصبى شقيق خطيب اكيكو وخرجت اكيكو الى الحديقة لانها احست ان امه تريد ان تنفرد بأبيها، كان يثير المتاعب وقد اتت به امه معها،  فقد كان اصغر اخوة خطيبها. راح يضرب الأوراق ويحركها بشدة: "انهم يتقاتلون" وكان سعيدا للغاية.
عصرت اكيكو الكيمونو الذى كانت تغسله ثم نشرته على حبل الغسيل ليجف.
وضعت الحرب اوزارها ولكن خطيبها لم يعد بعد.
قال الصبى وهو يخض الماء بعنف اكثر:"قاتلوا..قاتلوا بشدة اكثر".
"انك تنثر كل الماء على نفسك"
"ولكنهم لا يتحركون"
وكان ذلك صحيحا فعندما سحب يده صارت الاوراق ساكنة بلاحراك.
"سوف ناخذهم الى النهر وسوف يجعلهم ذلك يستمرون فى الحركة".
جمع الصبى الاوراق وسكبت اكيكو الماء على نباتات الخطمى الوردى ثم اعات الدلو الى المطبخ.
ووقفت على صخرة ناحية اعلى المجرى واسقطت الاوراق واحدة تلو الاخرى.
وراح الصبى يصفق بابتهاج:"قاربى يفوز..انظرى،انظرى".
وركض باتجاه مجرى النهر حتى لايفقد اثر القارب الذى يسير فى المقدمة.
ورمت هى بالاوراق الاخيرة فىالنهر وانطلقت خلفه.
يجب ان تكون حريصة على استقرار قدمها اليسرى كلها على الأرض، فقد اصيبت بشلل الاطفال وكعبها الايسر لايمس الأرض.  كان ضئيلا وواهنا وقوس القدم عاليا.
لم تكن قادرة على نط الحبل او السير لمسافة، واستسلمت لفكرة عدم الزواج ثم خطبت. وليقينها ان ثبات العزيمة يمكن ان يتغلب على العيوب الجسمية، فقد حاولت بجدية اكثر من ذى قبل ان تسير وكعبها الايسر على الارض.  ورغم ان قدمها تقرحت بسرعة، الا انها مضت فى تصميمها، ثم حلت الهزيمة واضطرت الى الاستسلام.  كانت الندوب التى تركتها القروح مازالت هناك مثل قروح قرصات البرد الشديدة.  
كانت تستخدم كعبها الايسر لاول مرة منذ فترة طويلة لان الصبى الصغير كان شقيق خطيبها.
كان النهر مجرى ضيقا تتدلى فيه الاعشاب التى علق بها قاربان او ثلاثة، وكان الصبى يتقدمها بحوالى عشر خطوات منصرفا الى العناية بالقوارب غير منتبه لاقترابها ولا عابىء للطريقة التى تسير بها.
وجعلها التجويف البادى فى مؤخرة عنقه تفكر فى خطيبها وودت لو ضمت الصبى بين ذراعيها.
خرجت الام وقالت: "وداعا"،  ثم اخذته من يده منصرفة.
وقال هو الآخر بهدوء:"وداعا".
اما ان خطيبها قد مات او ان الخطبة فسخت.
لعله طغيان العاطفة على العقل فى وقت الحرب هو ما جعله فى المقام الاول يرغب فى الزواج من فتاة عرجاء.
لم تدخل المنزل وذهبت بدلا من ذلك لتطالع البيت الذى كان يقام بجانب منزلهم. كان أكبر بيت فى الناحية كلها وكان الجميع يتطلعون اليه. توقفت اعمال البناء فيه اثناء الحرب حتى نمت الاعشاب واستطالت حول الواح الخشب ولكن فجأة كان البناء يمضى على قدم وساق مرة اخرى، وكان هناك شجرتا صنوبر قلقتان على البوابة. بدا البيت لاكيكو جامدا وقاسيا الى حد ما ولكن به عدد هائل من النوافذ وبدت الردهة كما لو كانت مكسوة تماما بالزجاج.
كانت ثمة تكهنات عن الناس الذين سينتقلون اليه ولكن احدا لم يكن يعرف على وجه اليقين.

ليست هناك تعليقات: