الصفحات

الأربعاء، أبريل 18، 2012

الثورة المهددة والمهددة





تحولت الثورة المصرية والتي كانت شيئا رائعا للغاية في البداية وتخلصت من رجل ربض على صدورنا على مدى 30 عاما وكان يمكن ان يمدها ربما الى مالا نهاية، الى ثورة مهددة بالقضاء عليها وطمس معالمها ومحو اثارها وكأنها لم تكن على الرغم مما انطوت عليه من دماء وآلام وجراح اصابت المجتمع في الصميم وقد تستمر اثارها لعقود قادمة.

بل ان الثورة المصرية تنفرد بظاهرة غريبة عن كل الثورات التي سبقتها في التاريخ وهي انها اصبحت هي نفسها مصدر تهديد وقلق للشعب. والثورات التي سبقت الثورة المصرية في التاريخ الانساني كله اما فشلت او نجحت ومقاييس فشلها ونجاحها يعتمد على قدرتها على تحقيق اهدافها والوفاء بالمتطلبات التي قامت من اجلها والتي يكون من بينها كأمر مسلم به رفاهية الشعب الذي قام بها وتحسين اوضاعه. أما ان تتحول الثورة الى تهديد للشعب ذاته ومصدر لمخاوفه وقلقه فهو شيء جديد على فقه الثورات. ولكن هذا هو ما تمثله الثورة المصرية تماما في المرحلة الحالية التي تسبق انتخاب اول رئيس بعد الثورة.

وبين قوى تحاول خنق الثورة بحيث يعود الوضع الى ما كان عليه سابقا واعتبارها حدثا ثانويا في تاريخ مصر وقوى اخرى تحاول الخروج بأكبر قدر من المكاسب ولو على حساب ممالئة القوى الرجعية في المجتمع، نجد ان الثورة المصرية اصبحت مصدرا لقلق الشعب بدلا من ان تكون نافذة يتنفس منها ويري منها تباشير الامل والحياة الطيبة.

ويتزايد الاحساس بالتهديد مع اقتراب بدء حملة الانتخابات الرئاسية والتربص شبه الواضح للقوى السياسية ببعضها البعض وتبادل التهديدات العلنية بين مرشحي الرئاسة. والانباء التي خرجت علينا منذ ساعات باستبعاد عشرة من المرشحين لرئاسة الجمهورية تضيف مزيدا من القلق.

والصراع القادم على السلطة في مصر هو صراع محو بمعنى ان الطرف الذي سيصل الى السلطة سيسعى الى محو الطرف الاخر، ولذلك سيحاول كل طرف منع وصول خصمه اليها حتى ولو بالقوة. والسبب في ذلك بطبيعة الحال هو انعدام النضج السياسي وعدم الفهم وسيطرة حالة من الفوضى والعشوائية على الامور منذ الثورة، وهو الامر الذي حال دون بروز مرشح يمكن ان يكون هناك قدر كبير من التوافق عليه بين العدد الاكبر من فئات المجتمع وقواه السياسية.

واذا مانجح احد مرشحي الفلول فان فترة اربع سنوات ستكون كافية تماما لاعادة كل نظام مبارك الى قواعده سالما مما يعني عودة كل النخبة السياسية السابقة التي تتولى صناعة الرئيس والمؤسسات الى مواقعها واستمرار النظام الى عقود لا يدري الا الله عددها. ويعني ذلك بالطبع محو الثورة ليس من الواقع المصري فحسب بل ايضا من الذاكرة الجمعية للشعب، بحيث تبدو بعد بضع سنوات كما لو كانت تمرد فاشل لعدد من صغار الشبان.

ربما كان الجانب الايجابي في استبعاد المرشحين اليوم هو ورود اسم عمر سليمان بينهم ولكن تصريحات مدير حملته بان الموضوع يتعلق باستكمال بعض توكيلاته من محافظة اسيوط تعيد المخاوف الى موضعها.

ويثير ترشيح عمر سليمان كثالث مرشح بارز للفلول بعد عمرو موسى واحمد شفيق مخاوف من نوع خاص نظرا لتشعب علاقاته باسرائيل وامريكا واشرافه الوثيق سابقا على كل عمليات المخابرات الامريكية والسجون السرية والترحيل السري بعد هجمات 11 سبتمبر على المدن الامريكية.

وسليمان له موقف واضح ومعروف من الاخوان اثناء الايام الاولى للثورة وهو ما يجعل الاخوان يستميتون في رفض ترشيحه لانهم سيكونون من اول ضحاياه وان كان من المتوقع الا يقتصر الامر عليهم.

وفي حين يتوقع لمصر ان تظلع وهي تجر سيقانها محاولة التحرك الى الامام او تراوح مكانها في ظل شخص مثل موسى او شفيق، فانها في ظل سليمان ستتحول الى سجن كبير لا اسوار له. ولان سليمان ينتمي الى قبيلة مهنية ممتدة وواسعة ونافذة تشمل العسكر والمخابرات والاجهزة الامنية فلن يكلفه الاجهاز على الثورة سوى اسابيع قليلة.

وعلينا ان نستوعب شيئا هاما عن طبيعة الشعب المصري. اننا عندما نتحدث عن الذكاء الفطري للشعب المصري يجب ان نتحدث بقدر من التحفظ فالامية الغالبة واوهام السوق وعدم القدرة على التمييز كانت على الدوام من العوامل المعوقة للتقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلاد. والكتلة الضخمة والهائلة التي نطلق عليها لفظ الاغلبية الصامتة كانت على الدوام ودون قصد منها اشبه بالطابور الخامس في أي تحرك للمجتمع بما فيها الانتخابات. وهي الكتلة التي طالما استغلها الطغاة واستندوا اليها في اعاقة حركة المجتمع الى الامام. والدليل على ذلك ان كثيرين يعتقدون ان سليمان هو المرشح الامثل لانقاذ مصر مما هي فيه من الفوضى المصطنعة والمقصودة والمدبرة بفعل فاعل. والمصريون بفطرتهم من اكثر الشعوب بحثا عن الاحساس بالامن بأي ثمن وعلى حساب أي شيء.

واذا ما نجح سليمان سنجد هناك حملة واسعة من الاعتقالات وستحمل الينا الصحف انباء اعترافات حركة 6 ابريل مثلا بانها تلقت ملايين ان لم يكن مليارات الدولارات وانها تسعى لتخريب البلاد كجزء من اجندة جهنمية مدفوعة من الخارج. وسيعترف الشاطر بانه باع قناة السويس والمدن المطلة عليها لقطر وسجل البيع في الشهر العقاري وستنشر الصحف صورة العقود. اما الشيخ صلاح ابو اسماعيل فسيعترف ان جدته وليست أمه فحسب امريكية الجنسية والمولد وان جده لابيه كان اسرائيليا وسيخرج بجوازات السفر والاوراق التي تثبت ذلك. وسيكون هناك حالة من الهجرة الجماعية للمصريين الى الخارج. من لم يجد له مكانا منهم في الخليج فسيتجه الى بوتسوانا او كوبا او بوركينا فاسو. أما من لم تسعفه امكانياته في الهرب فسيجد له مكانا في جوف السجون. وقد تغص السجون بنزلائها وتقدم امريكا القروض والخبرة الفنية لبناء معتقلات جديدة في مصر، ومن آن لاخر سترسل بادانة واهنة لما يحدث في مصر.

بعد ذلك بالطبع سيتم العفو عن مبارك وانجاله ورد اعتبارهم وسيصور مبارك على انه كان ضحية مؤامرات خارجية لانه رفض التفريط في استقلال مصر وسيادتها. وسيخرج علينا الافراد والوثائق والاعترافات التي تثبت كل شيء. وسيحمل احمد عز على الاعناق باعتباره طلعت حرب عصره الذي تنكر له ابناء وطنه.

السيناريوهات كثيرة ومتشعبة ولكنها كلها لا تجعل المواطن العادي يشعر بالراحة والاطمئنان للمستقبل. هل تكون الثورة نقمة على هذا الشعب ام نعمة..هل يحدث تغيير حقيقي ام تظل مصر تدور في الحلقة المفرغة التي تدور فيها منذ ثورة 1952...لا احد يعرف. ولكن الشيء الواضح هو ان مبارك مازال موجودا بيننا وانه هو الذي يرسم خطانا المترددة نحو المستقبل.

ليست هناك تعليقات: