الصفحات

الاثنين، يوليو 02، 2012






استقطروا احلامكم قبل ان تستيقظوا على الصدمة

منذ سنوات قرأت قصة قصيرة لكاتب امريكي لا اذكر اسمه ولا حتى اذكر عنوان القصة، ولكنها علقت بذهني مثل كل الاشياء الجميلة التي قد يقع عليها المرء بالصدفة. وتروي القصة حكاية سائق قطار أمريكي كان يمر في طريقه على منزل صغير وجميل وانيق كانت تخرج من نافذته امرأة شابة تلوح له بمنديلها كلما مر. ثم اصبحت المرأة تقف والى جانبها طفلة صغيرة. وتتابع مرور القطار وتتابعت الايام ونمت الطفلة واصبحت امرأة مكتملة الانوثة تقف الى جانب أمها وتلوحان له في غدوه ورواحه.

وتقاعد الرجل من عمله واراد ان يزور السيدتين. ولكنه عندما اقترب منهما لم ير نفس الصورة التي كان يراها وهو مار بقطاره أي الصورة التي رسمها في مخيلته لهما، ولا هما رحبتا به بل استقلبتاه في فتور وبرود وكأنهما تقولان له ما الذي اتى بك؟.

واحيانا ما تكون الصور التي نختزنها في خيالنا عن الكثير من الاشياء افضل بكثير من الواقع. وهو الدرس الذي تعلمناه من الربيع العربي بصفة عامة ومما يحدث في مصر بصفة خاصة.  من منا لم يحلم بثورة تخلصنا من مبارك في مصر وامثاله في المنطقة العربية كلها؟. ولكن الدم الذي اريق ويراق يجعلنا نفكر. ألم يكن الحلم الجميل الذي احتضناه بخيالنا على مدى عقود افضل بكثير من هذا الواقع الذي نراه؟.

في مصر عاش المصريون حلما جميلا بدأ في يوم اندلاع الثورة واستمر حتى يومنا هذا. صحيح كانت هناك الكثير من المنغصات والدماء التي اريقت مرات عديدة دون ضرورة، ولكن المصريين مازالوا يلملمون بقايا احلامهم وينفخون في الجمر الذي اوشك ان يخبو ويتحول الى رماد.

غير ان الصدمة الكبيرة، صدمة اليقظة الكاملة، لم تأت بعد. الصدمة التي تم التمهيد لها من زمن بعيد حتى لا تكون اليقظة من الحلم كارثة وانما يتقبلها المرء باحساس باهت بين اللامبالاة والقلق، مثل الشخص الذي يفيق من غيبوبة بعد زمن، قد تصفعنا قريبا. ولكنها في حالتنا لم تكن غيبوبة فقط بل كانت كابوسا مريعا. وتم التمهيد بحرفية عالية وبمهارة بحيث يقنع الشعب من غنيمة الثورة بالاياب الى عالم ما قبل الثورة ويحلم بان تكون عودة كل شيء والوهم بالتدفق المصطنع والطيب للحياة، هو اقصى امانيه.

اما الصدمة فسيحين موعدها عندما يقف رئيس لجنة الانتخابات الرئاسية التي اضفى عليها الاعلان الدستوري عصمة الانبياء ليعلن علينا عودة احد الوجوه القديمة من النظام البائد لتصدر الحكم في مصر. وكل التمهيد السابق على مدى اكثر من عام قصد منه الا يشعر الناس بالصدمة كما هي في الواقع بل بانها في اسوأ الاحوال امر واقعي يتعين التعايش معه وفي افضلها سيتنفس كثير من الناس الصعداء لانهم خرجوا من النفق اللعين المسمى بالثورة الى الحياة، او ما يتوهمون انها الحياة، مرة اخرى.

المصريون اشبه بأطفال دخلوا حديقة ملاه في وسط الصحراء فظلوا يلعبون ويلهون ويجربون جميع الالعاب فيها متناسين ان هناك مافيا في الحديقة وان هناك اطفال يختفون من بينهم من ان لاخر. ولكن لان اللهو جميل واللعب مغر فقد ظلوا منشغلين بهما الى ان اطفئت الانوار في الحديقة واخرجوا منها عنوة في منتصف الليل ليواجهوا الصحراء المخيفة وزئير الرياح والاشباح التي تتحرك في الظلمة.

التاريخ في مصر لايسير الى الامام بل يدور في دوائر وحلقات مفرغة، تتشابك مع بعضها في لحظات التماثل والاستواء لتخرج لنا بصورة مكررة من الماضي، ومن هنا لا تكون الدهشة ولا المفاجأة بل القبول والتسليم بالواقع لان مصر في القرن الحادي والعشرين مازالت تعيش خارج اطار التاريخ العام للعصر.


ليست هناك تعليقات: