انسوا الثورة بدون ثورة
بعد اكثر من عام على ما اطلقنا عليه تجاوزا اسم الثورة المصرية ما زال المصريون يراودهم امل باهت ان تتحقق اهدافها وان يحدث تغيير جذري في الحياة وان وان..الخ. ولكننا بعد ان مضت تلك الاشهر الطويلة في الاحلام والتوقعات والانتظار يجب ان نواجه الحقائق بصورة واقعية والا نخفي فشلنا خلف غلالة رقيقة من الاوهام.
يجب ان نبدأ نعيش اليوم وكأنه لم تكن هناك في مصر ثورة، وهذا ليس افتراضا بل هو واقع يجب ان نؤمن به ونحترمه لكي نستطيع احتمال الحياة. فالثورة غالبا تغير الى الافضل الا اذا نشبت ضدها حرب من قوى معادية وهو مالم يحدث في حالة الثورة المصرية. ولكن ابناء مصر وادعياء حماية الثورة انفسهم الذين يخربون الثورة ويخربون كل شيء هم اقوى من أي قوة معادية.
والتغيير حتى الان يميل الى جانب العناصر الرافضة للثورة في المجتمع ويعطيهم اليد العليا، وهم في الغالب من ارذل ارذال المجتمع ونفاياته من مخلفات النظام البائد سواء كانوا في السلطة او خارجها، ولكن جمهورهم يتزايد يوما بعد يوم. كل يوم يكسب هؤلاء الى جانبهم حشودا من المصريين الناقمين عل الثورة حتى ان عددا كبيرا من المصريين عملوا توكيلات لحسني مبارك للترشح مرة اخرى للرئاسة وهو ما يضفي جانبا كوميديا على مسرحية الرئاسة ربما يعوض تراجع توفيق عكاشة من خوض سباقها.
وكل يوم يثبت لنا العسكر الذين اداروا شؤون البلاد والعباد على مدى اكثر من عام ان مبارك لم يكن الى جانبهم سوى طفل غر يتصرف بسذاجة وبراءة. وكنا نعتقد ان سرور هو المشرع الاكثر شرا في العالم بعد التعديلات الدستورية الثانية، ولكن اللواء ممدوح شاهين الفقيه الدستوري للمجلس العسكري قدم لنا بمساعدة طارق البشري وثيقة تعجز الشياطين عن فهمها واستكناه غوامضها وتفسير احاجيها، ناهيك عن صياغتها.
لا احد حتى الان يعرف كيف خرج الاعلان الدستوري الى الوجود. هل كان طارق البشري هو ولجنة العشرة منومين عندما اقروا هذا الاعلان العجيب؟ وهل فات او تم تفويت الفرصة على كل فقهاء القانون قاطبة ان يقرأوا هذا الاعلان الذي نكتشف الان انه ينطوي على احبولة وشرك جديد في كل فقرة من فقراته؟.
المصريون هم الذين وضعوا كل القوانين والتشريعات المعمول بها في كل الدول العربية تقريبا ولديهم اساتذة كبار (غير الدكتور سرور طبعا) في القانون فكيف يمر عليهم هذا الاعلان الغريب مرور الكرام. هل كانت فرحة الاحساس بانتصار الثورة والثقة الزائدة في المجلس العسكري؟. لا احد يعرف.
في ريف مصر حتى الان هناك اناس بسطاء جدا لا يكتبون ولا يقرأون وهم يتعاملون مع جهات كثيرة باستخدام الختم. وهذا الختم هو دائرة معدنية صغيرة ينقش عليها اسم الشخص ويأخذه معه عندما يذهب لاستلام التموين او حصة الكيماوي او البذور من الجمعية الزراعية او البنك واي مكان يحتاج الى توقيعه. الفارق الوحيد بيننا وبين هؤلاء البسطاء هو انهم يعرفون محتوى الورقة التي يضعون ختمهم عليها دون ان يقرأوها ولكننا وقعنا على اعلان دستوري يبدو اننا لم نقرأه ولم نعرف محتواه.
هل كان خطأ لجنة العشرة ام انهم كانوا مثلنا ضحايا؟ واضح ان المجلس العسكري به مجموعة من الجيل الاصغر الاكثر انفتاحا على العالم والاكثر قدرة على النظر الى المستقبل وقراءته قراءات متعددة ووضع احتمال لكل سيناريو. وحتى الجيل الثاني من الحزب الوطني من اعضاء لجنة السياسات – اذا تغاضينا عن جيل مبارك وسرور الذي توقف تفكيره بحكم السن – والذي يضم كوادر من المنظرين الاصغر سنا والاكثر اطلاعا، لم يكونوا حتى في مستوى هذا الذكاء الشيطاني للعسكر. واذا كان هدف من يصل الى الحكم في مصر ان يجعل عجلة الحياة تدور – من وجهة نظره – عن طريق تكبيل الشعب باكبر عدد من القوانين واللوائح والتشريعات، فان المجلس العسكري هو الانجح في هذا المجال بامتياز.
ان المهازل الكبرى لم تبدأ بعد. وعما قريب سنجد هناك ثلاثة اطراف تتصارع على ادارة البلاد. الرئيس القادم (ان لم يكن على هوى العسكر) والبرلمان والمجلس العسكري. ومن المؤكد ان المجلس سيكون هو الطرف الاقوى وفي كل الاحوال سيشهر في وجه من يعارضه الاعلان الدستوري الذي يمثل تفويضا شعبيا.
على أي حال يجب ان ننسى ان هناك ثورة. لقد كانت فورة وانتهت. وهذا يستدعي بطبيعة عدم التوقف عند الكثير من الظواهر والتساؤل في دهشة: هل يجوز هذا بعد الثورة؟. ان مصر بعد الثورة اكثر ضياعا مما كانت قبلها، واكثر فسادا واكثر ظلما وظلاما واقل امنا وامانا. وبدلا من يسأل الناس السؤال الذي كان معتادا قبل الثورة "مصر رايحة على فين؟"، اصبحوا يهزون رؤوسهم يأسا ودهشة دون ان يسألوا وقد بدا لهم واضحا الى اين تسير مصر.
طوايبر الغاز والبنزين والسولار والانفلات الامني ومظاهر الانهيار والفوضى تجعل الناس تقارن بين ايام مبارك وايام الثورة. والنتيجة بلاشك واضحة ومعروفة، وهذا يمهد الطريق امام مرشحي الفلول لرئاسة الجمهورية، فهم الاقدر على الادارة والاكثر فهما لشؤون الحكم، والاطول باعا في تسكين الشعب، وهذا هو لب الكارثة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق