الصفحات

الثلاثاء، مارس 13، 2012









وفشلت خطتي لانقاذ مصر!


يقال ان البيروقراطية ولدت في الصين ولكنها افرخت في مصر وكثر عيالها حتى انك اصبحت تجد في كل خطوة عقبة كئود. وليس ادل على ذلك من افساد محاولتي لترشيح نفسي لانتخابات الرئاسة المقبلة وهو الامر الذي اكد لي كثيرون من اصدقائي ومن المطلعين على بواطن الامور والعاملين في دهاليز السياسة العربية انه كان سيعود على هذا البلد بالخير الوفير والنفع الكبير.


والواقع انني ألمس في نفسي الكفاءة والموهبة للاضطلاع بهذه المهمة التي اعرف انها ليست بالصعوبة التي يصورها لنا البعض على سبيل التنفير منها حتى يستاثروا بها دوننا. فهو منصب سهل وما عليك الا ان تأمر هذا وتعنف ذاك وتوقع بعض الاوراق قبل النوم واستقبال رؤساء ومسئولي الدول الاخرى. وفي مقابل ذلك تحصل على امتيازات ضخمة وراتب خيالي مفتوح لا حدود له. وسهولة هذا المنصب ومزاياه الكثيرة اغرت كثيرين بالتقدم له متجاهلين انه يمكن ان يحمل في ثناياه بعض العواقب الوخيمة، ولننظر الى الرئيس مبارك ووضعه الحرج الان. اعتقد ان الرجل لو كان يعرف انه سينتهي تلك النهاية المزرية ولو بعد استمرار حكمه قرن كامل لرفض الرئاسة من اول يوم.


وما نسمعه عن الأعداد الكبيرة المتقدمة للرئاسة حتى الان والاعداد المتوقعة حتى اغلاق باب الترشيح يوحي باننا بلد وهبها الله خصوبة خارقة في انتاج الرؤساء ولا تملك الا ان تتعجب من اسباب ميل حالنا وسوء اوضاعنا على هذا النحو الغريب. وحتى اليوم الاخير لقبول الاوراق سيكون هناك الالاف ان لم يكن عشرات الالاف ممن يأنسون في انفسهم القدرة على ادارة شؤون البلاد.


قلت لنفسي ولما لا اكون انا واحدا منهم. صحيح انني ليس لدي اموال لانفقها على الدعاية ولا اعتقد ان احدا ممن اعرفهم - وغالبيتهم يقبعون تحت خط الفقر - يعتزمون التبرع بشيء لحملتي، ولكن ربما استطعت ان اقنع من يتوسمون ان لدي القدرة على ادارة شؤون البلد ان يدفعوا ثمن التوكيلات التي يجب ان اقدمها للجنة الانتخابات لكي توافق على ترشيحي.


واذا اخذنا في الاعتبار ان الصدفة تصنع التاريخ اكثر مما تصنعه ارادة الزعماء او حركات الشعوب، فان فرصتي في النجاح تكون مثل أي متقدم للمنصب العتيد. ومن هنا شرعت في اعداد اوراقي ولكن بحذر ومع الحرص ان تكون نفقاتي على المنصب في اضيق نطاق لان حصولي عليه هو مجرد احتمال قائم وليس مؤكدا بأي حال.


وسمعت من بعض الاصدقاء ان الاوراق المطلوبة هي صورة بطاقة الرقم القومي وصورة شهادة اداء الخدمة العسكرية وشهادة محو الامية مالم تكن هناك شهادة دراسية اخرى ووصل النور او وصل الغاز اضافة الى شهادة فيش وتشبيه لاثبات انني لم ارتكب جريمة ولم تصدر في حقي احكام جنائية من قبل. وحمدت الله ان التليفون الارضي ليس مطلوبا لانني استغنيت عنه من زمن، وربما لا افكر فيه مرة اخر لان القصر الجمهوري على ما علمت به الكثير من الخطوط التي لم يأخذها مبارك معه.


ولم اصادف مشقة كبيرة في اعداد الاوراق. صحيح انني لم اجد من شهاداتي الدراسية سوى شهادة الاعدادية ولا ادري اذا كنت قد واصلت دراستي بعدها أم لا، فقد تركت مقاعد الدرس منذ زمن بعيد لا اكاد اذكره. ولكني قلت لا بأس فالمطلوب من رئيس الجمهورية ان يكون لديه القدرة على القراءة والكتابة يعني باللغة الدارجة يكون رجل "بيفك الخط"، والاعدادية على أي حال افضل من محو الامية، خاصة اني سمعت ان كثيرا من مرشحي مجلس الشعب ومرشحي الرئاسة دأبوا على تقديم شهادات محو امية مضروبة بمعني انهم لم يواظبوا على حضور الفصول ولا سهر الليالي وانما ذهبوا لاداء الامتحانات دون دراسة او اعداد. وسمعت ان هذه الامتحانات تحدث فيها كوارث لدرجة تصل الى استئجار شخص لينوب عن الممتحن في اداء الامتحان. وسوف اطالب – حتى يشغل المنصب من هو جدير به وليس كل مدع او افاق كما حدث مع الكثير من اعضاء مجلس الشعب لدينا – ان يتم امتحان كل المتقدمين لمنصب الرئاسة في الكتابة والقراءة بغض النظر عن الشهادات التي حصلوا عليها.


كانت اكبر عقبة صادفتني في مسعاي للرئاسة هي عدم وجود وصل نور او وصل غاز في البيت. وظللت على مدى يومين اقلب الشقة رأسا على عقب دون ان اعثر على أي منهما. واتصلت بصديقي مرة اخرى لاعرف مدى اهمية هذا الوصل في اوراق اعتماد الرئيس الجديد فقال لماذا لا تخطف رجلك الى مقر تقديم الاوراق في شارع العروبة.


واخذت سيارة تاكسي الى مقر تقديم الاوراق وانا اشعر بانني بدأت انزلق الى الانفاق على شيء غير مضمون. وفي الطريق امرت السائق ان يتوقف قليلا امام قصر العروبة. واقتربت من بواباته الفخمة مستطلعا فدنا مني جندي من الحرس متسائلا وهو يشير بيده الا اتقدم اكثر من ذلك. ولكني رفضت اشارته وزجرته وابلغته بلهجة شبه يقينية انني بعد اشهر قليلة سأكون نزيلا في هذا القصر وانه هو وقادته سيكون عليهم ان يحيوني عند خروجي ودخولي. ونظر الى الجندي في دهشة ولم يحر جوابا فتركته ومضيت. وسألني السائق عن سبب نزولي وغضبي على الجندي وسعد كثيرا عندما علم انه يحمل في سيارته رئيسا ولكنه سألني مندهشا : "بس يعني ولا مؤاخذة يا سيادة الريس...انت قعدت تفاصل معايا ساعة قبل ما تركب...يعني سيادتك ها تبقى ناشف قوي لما تمسك الرياسة". قلت له انني لم اعد رئيسا بعد وانني عندما اجلس في هذه القصر ستكون كل الامور مختلفة في مصر من اقصي حدودنا الجنوبية مع السودان الى اقصى اطراف سيناء الشمالية. واطمئن الرجل وبدأ يحدثني عن متاعب ضريبة سيارات التاكسي فقلت له انني بمجرد ان اتولي السلطة سيكون هذا الامر من اولوياتي. واراد الرجل ان ينتظرني ليعود بي ولكن رفضت فعرض ان تكون رحلة العودة مجانا، ولكني رفضت بشدة ان ابدأ عهدي باستغلال منصبي والتربح منه كما كان يفعل الرؤساء السابقون.


وصدمني الموظف عندما قال ان وصل النور اساسي وبدونه لا يمكن قبول الاوراق، واصر على انه لا يقل اهمية عن شهادة محو الامية التي قدمها اغلب زملائي من رؤساء المحروسة المرتقبين. توجهت الى شركة الكهرباء ووجدت ترحيبا مبدئيا ولكن الحقد المصري الاصيل لم يلبث ان ظهر على وجه الموظف الصغير الذي كان يتحدث معي بمجرد ان علم بالغرض من استخراج الوصل وبدأ يضع العراقيل. قال ان الفواتير لا تصدر الا في نهاية الشهر. وتوسلت اليه ان احصل على أي وصل قديم او صورة منه دون جدوى.


قلت لا بأس سأضحي بمبلغ واحصل على اخر وصل لديه رغم انني دفعته من قبل. ووقفت اتحسس جيبي وانا احسب المئة جنيه التي ستذهب سدى، ولكني قلت المنصب يستحق لا بأس. وعزيت نفسي بان مرشحين لمجلس الشعب انفقوا ملايين ولم يحصلوا على شيء. واخرجت المئة جنيه وقدمتها له ولكنه قال انه لا يمكن ان يجعلني ادفع الوصل مرتين لانه في هذه الحالة يمكن ان يحاسب وربما يفصل ايضا. وقلت له انني سأكتب تعهدا فرفض بشدة وشعرت ان الموظف يستمتع بعرقلة رحلتي الرئاسية دون ان يدرك في النهاية ان كل ما يفعله يمكن ان يكون وبالا عليه. الموظف الصغير لا يعرف ان عدم ترشيحي قد يسهل الفرصة امام احد الفلول لتولي الرئاسة في مصر والعودة الى مسيرة صاحبنا النائم في المركز الطبي.


وفجأة وجدتني امسك بتلابيب الموظف بينما صاح هو مستنجدا بزملائه. "الحقوني المجنون دا ها يموتني". وجاء زملاؤه فابعدوني عنه بالقوة وراح يقول لهم من بين حشرجة صوته "تخيلوا المجنون دا عاوز يبقى رئيس...الحقوا بسرعة هاتوا له عربية تاخده السراية الصفرة".


واقتربت مني زميلة له وتفرست في وجهي ثم صاحت "دا مش مجنون..دا من الفلول الى خربوا البلد وعاوزين يخربوها تاني". وما ان اطلقت صيحتها محذرة حتى بدأت الحلقة تضيق حولي والايادي والارجل تنطلق نحوي في غيظ مكتوم. وبين اللكمات والركلات التي انهالت على كالمطر استطعت ان اميز بعض الكلمات الغاضبة "فلول..فلول..فلول..احنا ناقصين يا اولاد.....".










ليست هناك تعليقات: