هل تغير أنف البلكيمي مسار التاريخ؟
لا اذكر اسم المؤرخ البريطاني الذي وصف اعضاء مجلس العموم اثناء الحرب العالمية الاولى بانهم كانوا مثل طلبة المدارس الاغبياء او stupid schoolboys ولكن من المؤكد انه لو شهد البرلمان المصري الحالي فربما اطلق وصفا مختلفا.
والبرلمان المصري الحالي جاء بعد ثورة عاصفة اطاحب بنظام رسخ على قلوب الشعب كجلمود صخر حطه السيل من عل على مدى 30 عاما ونكل بالتيار الرئيسي في البرلمان الحالي ايما تنكيل فاعتقلهم وشردهم واقصاهم عن ممارسة السياسة او حتى المشاركة في الحياة العامة.
وكان من المتوقع ان يستجيب البرلمان لتطلعات الشعب بعد الثورة خاصة انها المرة الاولى التي يذهب المصريون للتصويت بهذا الحماس الشديد من عقود تحدوهم امال كبيرة في حدوث تغيير في حياتهم وتحقيق الاهداف التي قامت من اجلها الثورة.
النائب ممدوح اسماعيل بلال مجلس الشعب |
ولكن للاسف كان اداء البرلمان مخيبا للامال. واذا كان الناس قد استغرقوا عاما ليكفروا بالثورة وبمدعيي حماتها من اعضاء المجلس العسكري فانهم لم يستغرقوا اكثر من شهر ليكفروا بالبرلمان ويشعروا انهم انما خدعوا عندما وقفوا صفوفا طويلة لساعات باصرار لكي يأتوا ببرلمان يشعرون لاول مره انه برلمان يمثلهم.
البرلمان المصري بدأ عمله بالبكاء على الشهداء. ولكي نبرهن على صدق دموعنا وعمق حزننا كان يتعين السير بسرعة ناجزة في تحقيق اهداف الثورة وحتى لا يكون اولئك الذين نبكيهم قد ضحوا بحياتهم هباء ودون جدوى. ولكن المجلس الذي يسيطر عليه اغلبية اسلامية يتحسس طريقه بحذر ووهن ويحسب تحركاته بدقة في ضوء رد الفعل المتوقع من القوى السياسية الاخرى التي يعتقد انها يمكن ان تؤثر على موقعه اكثر مما يأخذ في الاعتبار رد فعل الشعب الذي اتي به الى القاعة.
ومجلس الشعب الحالي هو محط انظار الداخل والخارج ويخضع لتدقيق ورصد كبيرين من قبل من انتخبوه والذين يريدون قرارات حاسمة تتعامل مع قضاياهم الملحة والعاجلة من علاج للبطالة والمشاكل المزمنة مثل الاسكان والصحة وتصحيح مسار التعليم المتداعي في مصر. اما في الخارج فالكل يريد ان يري ما الذي سيفعله اول برلمان يهيمن عليه الاسلاميون في علاقات مصر الخارجية وعلاقاتها الحساسة بقضايا المنطقة المتشابكة ودولها المتنافرة والمتجاذبة من ايران الى اسرائيل الى تركيا والخليج العربي ومشاكله الامنية، وعلاقة مصر بأمريكا وشكلها في العهد الجديد والذي بدأ بالمعالجة المهينة لكارثة التمويل الاجنبي.
البلكيمي |
وبدلا من ان يتصدى البرلمان لقضايا مصيرية فاذا به يدخل الدائرة الاعلامية بأمور أبعد ما تكون عن العمل الجاد والقيام بمهامه على الوجه الصحيح. وليس من الغريب ان تكون القضيتان اللتان اثارتا اهتمام الشعب والإعلام بالبرلمان حتى الان هما قضيتان لا تبشران ابدا بمسيرة طيبة ولا انجاز حقيقي، وهما قضية الاذان في مجلس الشعب وقضية أنف البلكيمي.
والاذان في مجلس الشعب هو استعراض ساذج للقوة وكأن المؤذن يتحدى مضطهديه السابقين ويقول لهم ها انا ذا. وهو يعطي انطباعا غير مريح للاخرين من مؤيدي التيارات الليبرالية والعلمانية سواء داخل المجلس او خارجه. والسؤال هو لماذ لم يكلف سعادة النائب المؤذن نفسه مشقة السير دقائق قليلة الى المسجد المجاور ليؤذن فيه؟. لم يبق والحال هكذا الا ان نشرع في اختيار مرشد اعلى للثورة المصرية لكي يهيمن على اعمال الرئيس والبرلمان وكل المؤسسات.
القضية الاخرى التي استأثرت باهتمام محلي وعالمي واسع هي انف البلكيمي التي اصبحت اشهر انف برلمانية في العالم. والرجل يعزو الاهتمام بأنفه الى انه من التيار السلفي وهذا غير حقيقي فوضع عضو مجلس الشعب لا تكون مرجعيته الى الحزب الذي ينتمي اليه ولا الى توجهه السياسي وانما الى سلوكه، فليس مقبولا من الموظف الصغير، ناهيك عن ان يكون عضوا في مجلس الشعب، ان يكذب ويلفق حكايات خرقاء ليغطي على شيء آخر. ولكن هذا ما نتوقعه في برلمان كان المعيار لاختيار اعضائه هو طول لحيتهم وليس معرفتهم بأصول العمل السياسي والبرلماني.
وقضية الاذان في مجلس الشعب لم تحسم بعد وقد تستغرق وقتا طويلا نتدراس فيه اراء الفقهاء على المذاهب الاربعة وربما يعهد بها الى المجلس الاعلى للشؤون الاسلامية لدراستها والخروج بالقول الفصل فيها وقد يكون ذلك قرب نهاية الدورة الحالية – مالم يتم حل مجلس الشعب لسبب او آخر - بحيث يتم وضع قانون جديد يسير عليه المجلس القادم فيما يتعلق بمسألة الاذان الهامة والحساسة جدا.
اما البلكيمي فما زلنا في بداية قضيته وقد تستهلك هي الاخرى جهودا ومناقشات مضنية في مجلس الشعب ولدى فقهاء الدستور بحيث نخلص فيها الى رأي حول مدى دستورية اجراء نائب لعملية جراحية في الانف وما اذا كان الكذب تحت تأثير البنج يبيح رفع الحصانة عنه وتقديمه للمساءلة وما اذا كان من حق الحزب ان يفصله. وربما ينسى المصريون انابيب الغاز غير الموجودة وكل ما يؤرقهم وينشغلون بمصير النائب ذي الانف الروماني. وقديما قال المؤرخون في تفسير الصدفة التي تغير مسار التاريخ : لو كانت انف كليوباترا اقصر قليلا عما هى عليه لتغير تاريخ العالم القديم تماما. ومن المرجح ان يقول المؤرخون في المستقبل: لو كانت انف البلكيمي اصغر قليلا، لتغير تاريخ مصر ومنطقة الشرق الاوسط.
اجمل تعليق سمعته من سيدة بسيطة لا تقرأ ولا تكتب وليس لها في السياسة. حكت لي حكاية البلكيمي ساخرة ثم عقبت عليها بذكر واقعة الاذان في مجلس الشعب وختمت قائلة "باين عليه مجلس هزوء" ثم اردفت بغيظ "وانا اللى رحت وقفت في الطابور علشان اصوت ورحت تاني في الاعادة ورجلي وجعاني".
والمصريون اعتادوا ان يحتضنوا احلامهم ويتعهدوها بالرعاية والحنان وعندما لا تتحقق فانهم يؤجلونها ولكنها لا تموت ابدا بداخلهم. وبعد الثورة علقوا كل امالهم على البرلمان، ولكن نظرتهم الان للبرلمان تغيرت تماما ففقدوا الامل فيه ولذلك نقلوا احلامهم الى المستقبل وعلقوها على باب الرئيس القادم. وهم الان نسوا البرلمان او تناسوه واتجهوا بانظارهم الى الرجل الخارج من تضاعيف الغيب بعد بضعة اشهر. ولانهم لم تتبلور لديهم بعد أي فكرة ولو تقريبية عمن يكون هذا الرجل فان احلامهم تنمو الان وتتمدد مثل الاشجار العفية. ولكن ماذا لو اجهض الرئيس القادم احلامهم ووأد امالهم؟. اعتقد انه لا يوجد بعد ذلك ما يمكن ان يؤجلوا احلامهم في انتظاره فقد وصل قطار الاحلام الى محتطه الاخيرة. ومن المتوقع عندها ان يحدث الانفجار الكبير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق