الصفحات

الثلاثاء، مارس 22، 2011




ليبيا والغرب والعقيد وعمرو موسى


 
ربما كان الشخص الوحيد في المنطقة العربية الذي يتواجد حيث يجب ان يكون غائبا ويفتقد عندما تكون الحاجة ماسة اليه ويتكلم عندما يكون الكلام فات اوانه ويصمت عندما تتطلب الكارثة منه ان ينفجر غضبا هو السيد عمرو موسى الامين العام للجامعة العربية. فالجامعة العربية اقرت قيام مجلس الامن بفرض حظر الطيران على ليبيا. ولكن موسى بمجرد ان بدأ توجيه الضربات الى العقيد ذكر ان ما قامت به القوات الغربية من قصف لليبيا يختلف عما تم الاتفاق عليه وان الحظر الجوي مقصود منه حماية المدنيين وليس قتل المزيد من المدنيين.

والواقع ان القرار الذي طالب بفرض الحظر على ليبيا صادر في ظل الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة الذي يجيز استخدام القوة. ولاشك ان موسى يدرك - بعد التردد والجدل الطويل في مجلس الامن - ان القوى الغربية كانت ستسير في هذا الاتجاه. وهو الامر الذي تراجع موسى عنه  في المؤتمر الصحفي المشترك مع بان كي مون في القاهرة بعد ايام قليلة عندما قال انه يحترم قرار الامم المتحدة الذي فوض القيام بعمل عسكري لحماية المدنيين.

وعمرو موسي يسير على خيط دقيق للغاية في قضية ليبيا التي تأتي بعد اعلانه نيته الترشح للرئاسة في مصر وهو يتخذ كل خطوة بحذر شديد خشية ان يضر اي قرار او تصريح من الجامعة بفرصه الانتخابية. والواقع ان موسى حاول ان يبدو ثوريا عندما سعى الى قرار تعليق عضوية ليبيا بالمنظمة العربية المتداعية. ولكن لايجب ان ننسى ان هناك حالة من النفور الشديد في العالم العربي وتوجس وريبة من اي تدخل عسكري غربي بعد الغزو الامريكي للعراق.

    وربما كان البديل طبعا من وجهة نظر موسى وكثيرون من العرب في بداية العمل العسكري ان تستمر القوات الغربية متمركزة على السواحل الليبية لتحرم الطيران الحربي الليبي من التحليق، بينما يزحف القذافي بقواته البرية ليسحق ويخرب ويقتل ويدمر. وكانت قوات القذافي تقترب بالفعل من بنغازي عندما بدأت الضربات الجوية الغربية.

وعمرو موسى - رغم محاولته ان يبدو ثوريا - ينتمي الى المدرسة العتيدة للزعماء العرب من امثال مبارك والعقيد الذين يعد مفهوم الوطن بالنسبة لهم محصورا في السلطة اما الشعوب فهي غائبة تماما عن المشهد او في افضل الاحوال يتم التضحية بها. وللاسف مازال الكثير من العرب يفكرون بنفس النهج المضحك ويرون ان العقيد مهما اباد شعبه فهو منهم وعليهم اما التدخل الاجنبي فينظرون اليه على انه كارثة الكوارث وينسجون حوله المئات من نظريات المؤامرة.

ولاشك ان التدخل الاجنبي مرفوض، ولكن التدخل الغربي العسكري الحالي في ليبيا هو امر لم يكن هناك مفر منه، وهو الحل الوحيد في الظروف الحالية. واذا كان العرب قد عجزوا عن حل المعضلة، فهل يجب ان يقف العالم مكتوف الايدي ويترك العقيد يواصل قتل شعبه الى ان يبيده على بكرة أبيه؟. 

قبل الثورة الليبية الحالية شغل العقيد العالم على مدى عقود بنظرياته السياسية المبتكرة كما ملأ الاجواء بطنين الثورة العالمية واتضح في النهاية ان الامر لايعدو ان يكون هذيان رجل معتوه وغير طبيعي. العقيد الثوري وملك ملوك افريقيا وبلاد الهند والسند وحتى بلاد الواق واق الذي لم يطلق رصاصة واحدة طوال 42 عاما من حكمه المديد على اي عدو حقيقي او متخيل، شمر عن ساعديه فجأة وراح يخوض اشرس معركة ضد شعبه الاعزل مستخدما كل ادوات الدمار بدون اي رحمة.

بقى ان نقول ان العالم مندهش من الشعب الليبي نفسه اكثر من دهشته من العقيد. كيف لشعب في العالم ان يسمح لشخص معتوه كهذا بان يحكمه لاكثر من اربعة عقود. كان هناك الكثير مما يقال عن سلوك العقيد الغريب ونزواته المجنونة، ولكن الامر يختلف عندما يتجاوز هذا العته السلوك الشخصي او حتى بعض الاجراءات السياسية الى العبث بحياة الشعب على هذا النحو المجنون. 

وانا واثق تماما ان العقيد قد لا يدخل السجن يوما واحدا ويبدو انه يتصرف في الوقت الحالي استنادا الى هذه النتيجة المتوقعة، فالعقيد لو مثل امام محكمة لاهاي سيظل يهذي بنظرياته السياسية ورؤيته الغريبة للحياة مما قد يحمل القضاة الى طلب الكشف عن قواه العقلية. وستكون الطامة ان العقيد ليس طبيعيا وعليه ان يقضي بقية حياته في مستشفى للامراض العقلية.  

ليست هناك تعليقات: