الصفحات

الخميس، ديسمبر 29، 2011






ضحايا مبارك أسوأ حالا في عهد أتباعه

منذ ايام اعلن كمال الجنزوري رئيس وزراء مبارك والمجلس العسكري، ان حكومته الرشيدة تعتزم تقنين اراضي طريقي مصر-اسكندرية ومصر-الاسماعيلية واستبشر الناس خيرا ولكن في اهرام امس خرج علينا في اجتماعه بالمجموعة الوزارية بقرارات جديدة مفادها ان الفدان سيتم تقنين وضعه ليصل الى مليون ونصف جنيه واختص سعادته بالذكر المنطقة المحصورة بين مدينة العاشر من رمضان والعبور على طريق مصر الاسماعيلية ومساحتها 19 الف فدان ونصف تقريبا والتي قال انها تعتبر حزاما اخضر. واضاف سعادته لا فض فوه ان المبالغ سيدفعها المستثمر الاصلي والذي تم تخصيص الارض له، ولا يجوز نقلها الى المستفيد او المستأجر أو المالك المنتفع النهائي، مشيرا الى ان الاجراءات القانونية توجه الى المستثمر عن عدم السداد دون الرجوع الى المنتفع النهائي.


ومن الواضح طبعا ان هذا الكلام يتعلق بصفة خاصة بارض طريق مصر الاسماعيلية. والموضوع انطوى على مغالطات سخيفة تكشف ان الرجل الذي خصصت حكومته لرجال الاعمال وزمرة مبارك اراض بالهبل لم ولن يفكر للحظة في ان يغير اسلوبه وكأنه لا يدري ان العالم قد تغير. وأنا ارجو ان اوضح الحقائق التالية التي اعتقد انه يعلمها جيدا:

 


1 – اولا ان الارض المقصودة على طريق مصر الاسماعيلية تشمل جمعيتي الامل (ومساحتها حوالي 4800 فدان) وجمعية القادسية ومساحتها (16 الف فدان) وجمعية الطلائع التي تقع بينهما. والقرار الصادر في عام 2009 بضمها الى جهاز العبور يشمل نحو ثلاث كيلومترات ابتداء من طريق مصر الاسماعيلية. وكل شخص خصص له في الامل مساحة 8.5 فدان بينما خصص لكل فرد في جمعية القادسية خمسة افدنة. والجمعيات الثلاث ليس مزروعا فيها أي شيء سوى شجيرات ذابلة احترقت من حرارة الشمس وملوحة المياه.
2 – اذا كانت الاراضي في طريق مصر الاسكندرية صالحة للزراعة وفيها الكثير من المزارع مثل مزارع دينا وغيرها فان هذا لا ينطبق اطلاقا على الاراضي الموجودة على طريق مصر اسماعيلية لان المياه موجودة على بعد 180 مترا تحت الارض وملوحتها عالية للغاية بحيث يتعذر معها انتاج أي محاصيل وهناك اوراق لدى جمعية الامل تثبت ذلك. ومن ثم فان اطلاق لفظ اراض زراعية وتحويل النشاط وما اليه هي مغالطة غير صحيحة.


 
3 – بعد ان يأس اعضاء الجمعية من زراعتها وناشدوا الحكومة ان تدخل لهم مياه من ترعة الاسماعيلية (هناك مياه من ترعة الاسماعيلية تصل بالفعل الى جمعية العادلية الي تقع اسفل القادسية على طريق بلبيس ولكن هذه المياه لم تدخل القرية سوى من ثلاث سنوات فقط مع ان المواسير ظلت موضوعة على الطريق منذ عام 1981 او ربما قبل ذلك التاريخ) او أي مصدر اخر بدأوا في بيع الاراضي للشركات وبدأت الشركات تبيع هذه الاراضي اعتبارا من اوائل التسعينيات. وكانت اعلاناتها تنشر في كل الصحف الحكومية وتحملها حتى الاتوبيسات الحكومية التي تجوب القاهرة. ولم تبدأ هيئة المجتمعات العمرانية في اصدار تحذيراتها الا منذ نحو عامين ونصف محذرة من التعامل على الاراضي دون ان ترسل حتى بجندي امن مركزي ليقف على بوابتي الجمعيتين ليحذر الناس.

4 – اراضي القادسية والامل (على عكس مدينة عرابي التي خصصت للصفوة ولكبار المتنفذين واذناب النظام السابق) تم بيعها لمحدودي الدخل بمساحات تتراوح بين 200 الى 300 الى 500 متر. وجنت الشركات التي باعتها ارباحا طائلة، فشلت الحكومات الخائبة ان تحصل منها حتى ضريبة مبيعات.


5 – ان اطلاق لفظ المنتجعات على اراضي طريق مصر الاسماعيلية مثل اراضي القادسية والامل التي اشتراها فقراء مصر هي مغالطة مقصودة. فهل شهدنا من قبل منتجعا مقاما على 200 او 300 متر. ان المنتجعات الموجودة في هذه المنطقة معروفة والغريب ان الدولة لا يمكن ان تقترب من اصحاب هذه المنتجعات فهناك قصر الى جانب مدينة الامل يمتد ثلاثة كيلومترات وواجهته على الطريق ننحو 700 متر وهناك ايضا ضابط سابق حصل على 20 فدانا في جمعية عساكر المجاورة للامل أي 84 الف متر وهناك في نفس المنطقة قصر مقام على نحو 80 فدانا وفيه شوارع مرصوفة واعمدة انارة وكأنه مدينة. هل يستطيع الجنزوري واعوانه في وزارة الاسكان وهيئة المجتمعات العمرانية وبنك الاسكان والتعمير الاقتراب من هؤلاء. بالطبع لا انهم لا يستأسدون الا على الفقراء كما كان النظام السابق تماما. ولماذا لا يدفع المواطنين المساكين من مشتريي ارض الامل والقادسية مثلا مقابل المتر عشرة اضعاف عدلي ايوب صاحب منتجع استلا مصر الذي دفع سبعة جنيهات فقط مقابل المتر ثم باع الفيلا بمليون جنيه. سنفترض ان هؤلاء الفقراء اغني من ايوب عشر مرات او لنقل حتى عشرين مرة ومن واجب الدولة ان تحملهم ثمن هذا الثراء الفاحش.


ولكن لماذا ذكر الجنزوري اليوم انه لن يتم التعامل سوى مع صاحب الارض الاساسي...الى آخر الديباجة الغريبة الواردة اعلاه. جمعية الامل مثلا تكونت في عام 1978 واذا افترضنا ان الشخص الذي خصصت له الارض كان في الخمسين من عمره وقتها..فأين نجد الكثير منهم الان. لاشك انهم ينامون الان في اراضي الله الواسعة في العالم الآخر. وهناك عدد كبير منهم هاجروا وتركوا مصر بعد ان باعوا اراضيهم. وليس هناك سوى نسبة تقل عن خمسة في المئة من الاشخاص الذين خصصت لهم الارض هم الذين مازالوا يحتفظون بها حتى الان. ونفس النسبة تقريبا او اعلى قليلا في القادسية. ومن الواضح ان العقلية العبقرية لهيئة المجتمعات العمرانية التي يجب ان يعدم المسؤولون فيها لتخريبهم السياسة الاسكانية في مصر على مدى عقود، تفتفت عن هذه الفكرة بعد تفكير عميق. وهم لو ذهبوا الى الامل مثلا وطلبوا اصحاب الاراضي الموضحة اسمائهم باوراقهم فلن يجيبهم احد الا نفر قليل. وفي هذه الحالة يمكنهم مصادرة الاراضي بسهولة غير عابئين بما يصفونه بالمنتفع النهائي.


العباقرة في هيئة المجتمعات العمرانية يحاولون دفع الجنزوري لاتخاذ قرار غبي لم يجرؤ نظام مبارك في عنفوانه على اتخاذه لاننا لو افترضنا ان كل شخص اشترى نحو 300 - 400 متر (مع ان هناك مساحات اقل من ذلك بكثير) سنجد ان الأمر يمس مصالح ما يزيد على ربع مليون مشتر واذا ادخلنا افراد اسرهم في الحساب سنجد ان الامر يتعلق باكثر من مليون شخص من افقر ابناء هذا المجتمع ممن توجهوا الى هذه المناطق مدفوعين بحلم في ان يكون لهم مأوى مثل البشر.

وقد شهدت مع احد اقاربي القرعة الاخيرة لمدينة الشروق حيث كان هناك 513 قطعة تقدم لهم نحو خمسين الف شخص. ورغم انه لا يوجد مجتمع في العالم يسكن بطريقة اليانصيب وهي احد الفضائح التي ورثها النظام الحالي من نظام مبارك لان القرعة قد تجوز في الحج او شقة مصيفية ولكن ليس في احد الحقوق الاساسية للانسان كما تنص عليها المواثيق الدولية. المهم اننا لو حسبنا الطلب الى العرض في القرعة سنجد انه نحو الف الى واحد. واذا اعتبرنا ان عدد مماثلا لم يتقدم للقرعة لانه لا يثق في شفافيتها وعدد مماثل اخر لم يقتنع بجديتها ويستبعد فوزه فيها او لا يريد ان يرهق نفسه في شيء غير مؤكد سنجد ان الطلب الى العرض يصل الى ثلاثة الاف الى واحد وهو امر لم يحدث في تاريخ أي مجتمع بشري. واذا اخذنا في الاعتبار ان سكن القرعة يعد بمقاييس مصر من سكن الطبقة الوسطى العليا حيث لا يستطيع حتى كل ابناء الطبقة الوسطى تحمل دفع هذه المبالغ، سنجد اننا كلما هبطنا يتزايد الطلب ويقل العرض بدءا من الاسكان المتوسط الى الاسكان الشعبي الذي سنجد عليه طلبا هائلا مقابل العرض قد يصل الى عشرة الاف الى واحد ان لم يكن اقل. ويدخل في هذه الفئة طبعا محدودي الدخل الذين يتعين على الدولة كأي دولة في العالم تحترم مواطنيها ان توفر لهم مسكن لائق.



والقرار الاهوج بعدم التعامل الا مع صاحب الارض ليس له سوى هدف واحد من اثنين:


1 – ان يتم نزع الارض التي لا يظهر الشخص الذي خصصت له سواء كان قد توفاه الله او هاجر او انه ببساطة غير مهتم بالامر، حتى لو كانت هذه الارض قد بيعت لشركات وقسمتها الشركات بين الناس.



 
2 – ان يجري المساكين لتقديم طلبات الاسترحام للجنزوري وشركاه فيشعر هؤلاء انهم في موقف قوي ويشرعون في فرض ما يريدونه مقابل تفريطهم في اراض يعتقدون انها اخر ما تبقى من ميراثهم بعد ما بددوا الاف الالاف من الافدنة ببعثرتها على كل من هب ودب من المقربين من النظام السابق.

ولان الدولة لا تستطيع ان تقترب من اصحاب المنتجعات لانهم كلهم تقريبا اقطاب في عالم الفساد مثلهم مثل من يجاملونهم من البيروقراطية العفنة فقد اخترعت حكاية غرامة نسبة البناء وتدرجها حسب المساحة المبنية فكلما زادت درجة الرفاهية في المنتجع وزادت مساحة الحدائق والحمامات والملاعب تعين عليك ان تدفع اقل لانك بذلك تثبت انتمائك للصفوة. ولكن من الاولى بتغريمه واثقال كاهله: هل هو الشخص الذي يقيم في منتجعات اشبه بعالم ألف ليلة وليلة ام الشخص الذي لا يطمح سوى في بناء منزل صغير متواضع يؤوي اولاده بلا حديقة وبلا حمام سباحة وبلا ملاعب جولف وملاعب تنس.


القرار يعطي المرء انطباعا بان الحكومة احرص ما تكون على الا تمس مصالح فئات بعينها رغم ان المنطق – لو كان هناك أي صدق في الاصلاح - يفرض عكس ذلك تماما. ان هناك ارض بيعت لامراء واثرياء من الخليج كانت تباع للمواطنين المصريين باضعاف سعرها فقد كان المسؤولون لدينا يجاملون اصدقائهم من ضياع اهليهم وليس من مال الشعب المطحون.

والقرار طبعا يقف ورائه اصحاب مصالح كبيرة لا يعنيهم بأي حال حل مشكلة الاسكان في مصر او تخفيفها بقدر ما تعنيهم المكاسب الشخصية التي سيجنونها. وقد ذكرت الصحف عند صدور قرار مبارك في عام 2009 بضم المنطقة الى مدينة العبور ان اشخاصا بعينهم من اصحاب المصالح هم الذين دفعوه الى اصدار القرار. وها هي حكومة الجنزوري التي تعد امتدادا سافرا لحكومة نظيف تسعى الى تنفيذ نفس المخطط القميء دون اعتبار لمصالح المتضررين.

ولكن هل تعتقد الحكومة انها يمكن ان تنزع هذه الاراضي من الناس بسهولة. انه وهم سخيف فالذين ادخروا ثمن الارض من قوتهم اليومي او استدانوه لن يفرطوا فيها. وسيكون افضل لو وجدت الدولة حلا عقلانيا كأن تكلفهم دفع مبلغ مئتي جنيه مثلا على المتر نظير ادخال المرافق واعادة تنظيم المنطقة بحيث لا تكون عشوائية فهؤلاء ايضا من ابناء مصر وليسوا قادمين من بنجلاديش او الاسكا.

ان ضحايا مبارك يبدو انهم لم يعانوا بما يكفي في عهده الاسود ومن ثم فقد عهد الى اتباعه باستكمال مسيرته في تعذيبهم.

والطريقة الانتقائية الحقيرة التي ارساها نظام مبارك في تعامله مع المواطنين يجب ان تنتهي فمتى نتعلم ان المواطنين كلهم سواء.



على الرابط ادناه عينة بسيطة جدا لفضائح الاراضي في مصر اهديها للدكتور الجنزوري ان لم يكن على علم بها وله اسهامه وبصمته فيها، عسى ان يتفضل بمعاملة ابناء مصر معاملة موالي الخرافي.


http://elbadil.net/%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D9%81%D8%B2%D8%B9-%D9%84%D9%84%D8%AC%D8%B2%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84/




الخبر المنشور في الاهرام

http://www.ahram.org.eg/Egypt/News/121511.aspx




ليست هناك تعليقات: