الصفحات

الخميس، يناير 26، 2012







مولد وصاحبه نايم في المركز الطبي



كانت اجواء الاحتفال بذكري ثورة 25 يناير الاولى في ميدان التحرير امس تشبه الى حد كبير اجواء الموالد. والشعب المصري بطبيعته يحب الاحتفال بالموالد ولا يخلو حي ولا مدينة ولا قرية من ولي من اولياء الله الصالحين يشد اليه ابناء المنطقة والاتباع والمريدون الرحال في موعد معلوم من كل عام للاحتفال بمولده لفترة قد تمتد من ليلة الى عدة ليال.


واجواء الليلة الكبيرة في أي مولد كبير بالقاهرة او الاقاليم هي التي كانت حاضرة بقوة في ميدان التحرير امس حيث التزاحم الشديد للمشاة والسير في اتجاهات متعارضة والحركة الدائمة للكتل البشرية والصياح والتنادي والصراخ. ورغم وقوف البعض في بوابات المترو لتسهيل الحركة الا ان الزحام الشديد خاصة من الخارجين من المترو كان مخيفا.


وافترش بعض الباعة الجائلين ارصفة الميدان وهم يضعون امامهم اكوام الاعلام والمشابك والملصقات والتي شيرتات، بينما توقفت في الميدان بين رواد المولد عربات الذرة المشوي والبطاطا واللب والقول السوداني والبرتقال والكشري والكسكسي والمشبك ولم يعد هناك ما يفتقر اليه المشهد لاكتمال بهجة المولد سوى عرائس واحصنة الحلوى، وهو نقص اعتقد ان القائمين على شؤون المولد يمكنهم استكماله بسهولة في الاحتفالات القادمة. وربما لا يضر بالطبع ادخال بعض المراجيح بعد اختبار سلامتها.

ومثل اجواء المولد تماما كانت الاصوات كثيرة ومتنافرة لا تميز منها شيئا. فهناك عدة منصات تقدم فنونا من الخطابة والوانا من التحريض وضروبا من الشتائم ومنصات اخرى تقدم بعض الاغاني والعروض الموسيقية المتهافتة، فيما راحت منصة تبث الاغاني الوطنية لشادية، بينما انبعث صوت القرآن من مكان قريب، وكانت هناك شاشة عرض كبيرة ايضا لم اتوقف عندها كثيرا.

 
وراحت الحشود تتحرك من مكان لاخر. كتل بشرية ضخمة تخوض غمار بحر اخر من البشر مثل موجات تنداح في المحيط. واقتحمت المنطقة التي اقف فيها موجة من الالتراس رفعوا احدهم فوق اكتافهم وراحوا يشتمون وزارة الداخلية، فيما سار فريق اخر خلف شخص يحمل مكبر صوت وهو ينادي بسقوط حكم العسكر، واضاءت سماء الميدان الالعاب النارية من ان لاخر بينما ارتفعت بالونات مضيئة كان بعضها به نار متجهة الى ناحية العتبة، ربما بفعل الريح.

وعج الميدان بالطبع باللافتات وفي المنطقة التي كنت فيها شهدت لافتتين لاسرة الشيخ عمر عبد الرحمن تطالب باطلاق سراحه وبينهما لافتة كبيرة يتوسط مبارك فيها العادلي وطنطاوي واحبال المشنقة تلتف حول رقاب الثلاثة، ولافتة اخرى تنادي بسقوط حكم العسكر وثالثة بها بعض اعضاء المجلس العسكري وكل منهم يحمل صفة مذمومة، فطنطاوي مثلا شاهد زور وممدوح شاهين ترزي القوانين وهي الصفة التي كان يحملها فتحي سرور في عهد مبارك.

وراح البعض يوزع منشورات واوراق تحمل وجهات نظر ائتلافات او جماعات واحزاب من المعارضة او حتى اراء شخصية فيما يحدث في مصر. ووضع مركز الدراسات الاشتراكية مائدة في احد الشوارع الجانبية عليها صحيفة يصدرها وبعض الكتب والنشرات المصورة. ووضع حزب التحرير العالمي الداعي الى اقامة الخلافة الاسلامية سيارة في مدخل الميدان بعد تمثال عبدالمنعم رياض وراح يدعو لنفسه بمكبر الصوت وتوزيع النشرات.

 
ولكن الغريب في مولد التحرير او مولد الثورة ان الولي الذي يتم الاحتفال به وهو العارف بالله القطب الشيخ حسني بن مبارك رضي الله عنه وارضاه، لم يوار الثرى بعد. وان كان البعض يرى في ذلك بعض الغرابة الا انه ربما يعد دليلا على سعة علمه وطول باعه وصلاح قلبه وتبحره في العلوم الشرعية وقربه من الله. ومبارك ليس اول ولي يقام مولده وهو مازال على قيد الحياة فحسب، بل ان هذه الاعداد الغفيرة في كل ميادين مصر لم تحتشد ابدا لولي من قبله، ناهيك عن كونه وليا لم يعرف له ضريح.


وبدت الشوارع المؤدية الى الميدان في حالة حركة دائبة لتصب فيه افواجا من البشر وتحمل افواجا اخرى عائدة. وكانت بعض الوفود تأتي من احياء بعينها حيث يرتفع هتافهم وهم يدخلون الميدان وتشعر من حركتهم المتماسكة انهم جاءوا مع بعضهم البعض. ومسيرة حي شبرا التي دخلت الميدان عبر شارع الجلاء بعض العصر كان اولها في ميدان عبدالمنعم رياض واخرها عند محكمة الجلاء.

ورغم غلبة الاجواء الاحتفالية فان توافد الجموع امس على ميدان التحرير الذي ربما تردد عليه اكثر من مليون شخص، يشير الى ان المصريين مازالوا يتذكرون ان هناك ثورة لم تكتمل ولم تحقق أي من اهدافها بعد.

ليست هناك تعليقات: