مجلس الشورى والزائدة الدودية
كان من المفترض امس ان آتي بنتيجة التيرم الاول لابنتي وخرجت مبكرا من المنزل لذلك. ولكني وجدت صفوفا من الحافلات الخضراء التابعة لهيئة النقل العام تزحم المنطقة حول المدارس وجنود من الجيش والشرطة يقفون على ابوابها. ومع ذلك مضيت الى مدرسة ابنتي فقد اكد لي المدرسون في الاسبوع الماضي ان النتيجة ستظهر يوم الاحد. ولكن عندما وصلت لم يكن يبدو ان هناك أي اثر للطلبة او المدرسين او النتائج. وسألت الضابط الواقف عل الباب لكي اتأكد : الا يوجد احد من المدرسة. فقال لي : لا اليوم انتخابات. كنت اعرف انها بالطبع انتخابات مجلس الشورى وقلت ربما اعفوا مدرستها او تركوا احدا بالنتائج وما المانع ان تجرى الانتخابات ويقوم موظف او موظفان بعملهما العادي.
هالني هذا العدد الكبير من الحافلات التي توقفت في انتظار الموظفين او الصناديق والضباط والجنود والموظفين الذين تأكد لي ان عددهم في كل لجنة ربما فاق كثيرا عدد من دخلها وسيدخلها طوال اليوم من الناخبين. لم يكن هناك بالفعل احد ولم ار سوى سيدة وقفت بالقرب من مدرسة وهي تنادي على المارة لتعطيهم ورقة صغيرة عليها اسم وصورة احد المرشحين، ولكن الناس كانوا يمضون في طريقهم دون اكتراث.
مررت في طريق العودة بالمدرسة التي صوتت فيها في انتخابات مجلس الشعب مرتين دون ان اهتم بالدخول لأسأل عن رقمي. وبدا ان هناك حالة عامة من اللامبالاة بمجلس الشورى خلافا لما كانت عليه انتخابات مجلس الشعب حيث الاصرار والوقوف لساعات في صفوف طويلة وتزاحم النساء وتدافع الرحال.
هل يعود الامر الى ادراك الناس للدور التشريعي الخطير لمجلس الشعب وعدم وجود دور مناظر لمجلس الشورى؟. واذا كان الامر كذلك فلماذا الاصرار على مجلس اشبه بالزائدة الدودية لا يقدم ولا يؤخر، وان كان يستهلك جزءا لا يستهان به من اموالنا ووقتنا.
يقال في ذلك ان المجلس العسكري الذى آلى على نفسه الا يمس مؤسسة من مؤسسات النظام القديم مهما بلغت من انعدام القيمة، لا يريد ان يغضب مبارك.
ويقال ايضا ان مجلس الشورى وان كان ليس له دور تشريعي فان له وظيفة تشريفية مثل منصب الرئيس في دولة برلمانية وهو مكون لا بأس به من الهيكل البرلماني القائم على غرفتين يمكن ان يتم تفعيله في أي وقت ليقوم بدور حقيقي فعلا.
ويزعم ان هذه كانت نية السادات عندما فكر فيه. فقد خطرت للسادات عندئذ ان المرحلة الثورية انتهت في مصر وستبدأ مرحلة البناء واقترح انشاء مجلس الشورى على غرار مجلس الشيوخ الامريكي ومنح صلاحيات مماثلة. ولكن فجأة قرر السادات الانصراف عن المشروع فظل مجلس الشيوخ المصري اشبه بطفل توقف عن النمو لسوء التغذية. وعمل المجلس في عهد مبارك خمس دورات كان اشبه فيها بالمكلمة او مقهى المعاشات ثم آل مع تركة المخلوع الى المجلس العسكري الذي لم يشغل نفسه بالتفكير في جدواه.
والمجلس هو وسيلة لا بأس بها وباب خلفي لتسريب الشخصيات البارزة من النظام حيث يتكفل منحهم مقعد او منصب فيه بامتصاص نقمتهم على النظام وبالتالي يأمن شرهم. كذلك فهو ايضا مكان لتكريم الاصدقاء من رجال الاعمال والمبرزين الذين يترفعون عن التزاحم وخوض الانتخابات في حين توفر لهم العضوية في المجلس نوعا من الوجاهة الاجتماعية. وكان ممدوح اسماعيل صاحب عبارة السلام 98 التي أودت بحياة اكثر من ألف مصري عضوا بالمجلس وكذلك هشام طلعت مصطفي المحبوس على ذمة التحريض على قتل المطربة اللبنانية سوزان تميم وكان آخر رئيس له طاهر الذكر صفوت الشريف الذي تغطي كوارثه عقود طويلة ختمها بمشاركته في موقعة الجمل او "واترلو" نظام مبارك. اما اعضاء مجلس الشعب فقد كانت لهم فضائح اخرى غير القتل الجملة والقطاعي واشتهر من بينهم نواب سميحة ونواب القروض ونواب المخدرات وغيرهم.
بقى حساب تلك التكلفة الهائلة التي يتحملها الشعب في انتخاب هذا المجلس والتي لا تضارعها باي حال من الاحوال قيمته كمؤسسة لا احد يمكنه ان يدافع عن وجودها الا باعتبارها احدى حفريات النظام القديم التي يجب ان توارى الثرى وبسرعة. والحجة التي يسوقها البعض بان المجلس سيساهم في اختيار اعضاء الجمعية التأسيسية التي ستكتب الدستور الجديد لا تكفي ابدا لتبرير وجوده.
لا توجد دولة فقيرة في العالم تنفق كل هذا الوقت والمال والجهد في انتخاب مجلس استشاري لا اهمية له ولا جدوى منه في وجود مجلس شعب يناط به الدور التشريعي والرقابي. وناهيك عن الانتخابات هناك مكافئات الأعضاء ورواتب جيش طويل من الموظفين ملحق بالمجلس وكلها تتحملها الدولة.