الثورة العارية
كاد اليأس ان يعصف بي في الاسابيع الاخيرة من نجاح الثورة المصرية وتيقن لدي انها كانت مجرد حلم ليلة صيف لم يلبث ان تبخر ولم يبق منه سوى آلام الضحايا لولا ان شابة جميلة ارادت ان ترسل برسالة للجميع – وانا منهم - بان الثورة المصرية ما زالت تنبض بالحيوية وان افضل ما فيها لم يخرج بعد مثل الزهور التي لم تفتح اكمامها، فقررت ان تضع صورتها عارية تماما على الانترنت لتصل بذلك الى ذروة الثورية. والواقع ان علاقة العري بالثورة قديم قدم الثورة الفرنسية وربما يفسره مصرع مارا عاريا بسكين في حمامه على يد فتاة من فلول الملكية وان كان هناك خلاف حول سبب اقدامها على ذلك العمل: هل هو الولاء السياسي او الولاء العاطفي المتمثل في الانتقام لمقتل صديقها؟.
واثارت الفتاة بظهورها عاصفة في الصحف وعلى الانترنت فالبعض حياها على ثوريتها الزائدة فيما ادان البعض تصرفها. والواقع ان عرى الفتاة ربما يكشف دون قصد منها عما وصل اليه حال الثورة المصرية. فالثورة المصرية حتى الان لم تحقق أي من مطالبها ولا اهدافها والمجلس العسكري الذي ادعى انه حامي الثورة اتضح انه يتخذها مطية ويستغل سلطته في حماية كل اركان النظام القديم والتلاعب بمصير الأمة. والعري في هذا الحالة يكون معادلا موضوعيا لحالة الجمود والإفلاس التي وصلت اليها الثورة ولا يتجاوز كونه حالة من حالات الانفلات الاخلاقي يشبه الى حد كبير حالات الانفلات الامني السائدة في مدن وحتى قرى مصر.
هل كان نظام مبارك يمنع العري مثلا حتى يكون تعري الفتاة على هذا النحو هو قمة الثورية. بالعكس نظام مبارك لم يترك شيئا محترما في مصر الا وعراه وجرده من ثوب الفضيلة والاخلاق. وما نعانيه الان وربما ما سنعانيه لسنوات لا يعملها الا الله هو من تأثير نظام مبارك. واثبت المجلس العسكري حتى الان انه ليس لديه القدرة على الابتكار للخروج بأي جديد حتى في اساليب مبارك واحتياله للبقاء في السلطة. واذا كان مبارك وكل نظامه قد اعلنوا ان الفوضي هي البديل الوحيد لوجودهم في السلطة، فان المجلس العسكري يحاول استخدام نفس التكتيك لتبرير استمراره في السلطة.
ولو اراد المجلس العسكري القضاء على الفوضي واستقرار الاوضاع بما يمهد لتسليم السلطة للمدنيين لفرض الاحكام العرفية لبعض الوقت ولكن لماذا لا يكون هناك مجالا للمناورة والتلاعب وتمرير الامور في اجواء من التخويف. هذه الاجواء لا تؤدي ولن تؤدي ابدا الى سير الامور بسلاسة كما يتخثل المجلس ولعل ابرز دليل على ذلك رفض الماجنا كارتا التي ستدحرج بالسلمي الى بوابات التاريخ.
الناس خائفون وقلقون مما سيحدث في الانتخابات خاصة وسط تهديدات الفلول واشتعال الاجواء بين اشخاص كانت لهم السيطرة بلا منازع واخرين يعتقدون انهم افسدوا الحياة السياسية على مدى عقود ويجب ان يمنعوا تماما من ممارسة السياسة وتضارب الاحكام القانونية لصالح هذا وذاك. ولكن بدلا من ان تسعى الحكومة الى طمأنة الناس تحاول وزارة التعليم اثارة الفزع بين اولياء الامور بان امتحان نصف الترم قد يتم اعتباره امتحان الترم في حالة حدوث فوضى اثناء او بعد الانتخابات وهي رسالة اعتقد انها صادرة بالاحرى من المجلس العسكري.
الاشارة الى احتمال حدوث عنف في الانتخابات وتوقعه حتى لو كان واردا، هو امر خبيث وغير مقبول ومن شأنه ان يجعل الناس تحجم عن التصويت. فهل هي دعوة لاجهاض الانتخابات قبل ان تبدأ؟ ولماذا لم نسأل انفسنا عن عدم حدوث نفس الشيء في تونس؟.
الثورة التونسية نجحت ونظمت انتخابات ناجحة والثورة في ليبيا نجحت في القضاء على النظام اولا ثم قضت على رأس النظام وان يكن بصورة منفرة وبعد ان فقد اهميته وهي بسبيلها لتنظيم انتخابات ناجحة. ولذلك لم تخرج فتاة في أي من الدولتين لتخلع ملابسها ولكن فتاة مصر العارية تكشف عن عري الثورة من كل مطالبها وكل اهدافها وانها تجردت فعلا من كل شيء حتى الحياء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق