الصفحات

الاثنين، نوفمبر 14، 2011




حديقة العاهات


كلمة لا بد منها

اوضاع الصحافة في مصر محزنة للغاية. فهناك بين الصحفيين نجوم يحيون حياة الاباطرة سواء في الصحف الحكومة (ولاسيما في العهد البائد) او في الصحف والقنوات الخاصة. اما الجانب الاكثر من الصحفيين المصريين فيعيشون نهبا لظروف غريبة واوضاع مرهقة بصورة تجعل كثيرين منهم يلهثون لكي يحصلوا على ما يقيم اودهم. وبين اولئك وهؤلاء تتبدي مسئولية الدولة في التجاهل التام لكل شيء ورعاية اعلام عفن يسعى الى غسل ادمغة البشر وتوجيههم حسبما تتجه دفة الحكم.

وكان من المتصور ان ينتهي كل ذلك بعد الثورة ولكن التغير يعد بطيئا – في كل المجالات وليس في الاعلام فحسب - بصورة تثير الشكوك في ان يكون هناك أي نية حقيقية للتغيير.

وفي العهد البائد – الذي يعد العهد الحالي امتدادا بذيئا ومقنعا له – تستمر نفس الاوضاع تقريبا كما كانت. والعسكر من صبية مبارك الذين ورثوه في السلطة لا يجدون غضاضة في قبول هذه الاوضاع بل وحمايتها.

وربما يعتقد البعض ان المفارقات الغريبة في الصحف الحكومية المعروفة بالقومية هي افحش ما يمكن ان نتخيله ولكن هناك كوارث اخطر غير انها قلما تلفت اهتمامنا او تسترعي انتباهنا لانها تقع في زوايا معتمة واركان مظلمة..في مكاتب المؤسسات الاعلامية غير المصرية التي تتخفى تحت صفة العالمية او الدولية او ما اليها. وهي بالفعل كذلك في البلاد التي تحترم حكم القانون وتلزمها بالامتثال لقوانينها. اما في مصر فهي تتحول الى مؤسسات مصرية بحتة من ناحية ادارتها حيث تشيع فيها المحسوبية وعدم احترام الكفاءة والظلم والقهر في ابشع صورهم، ولكنها في نفس الوقت تظل محتفظة بصفتها الدولية عندما يتعلق الامر بتعامل الاجهزة الحكومية معها، فتجد هذه الاجهزة تعاملها معاملة السفارات التي تحظى بالحصانة الدبلوماسية. وغالبا ما تكون علاقة هذه المؤسسات بالدولة ملتبسة فالدولة في حاجة الى التعامل معها بحذر وربما نقول استرضائها لتراعي ذلك في تغطيتها لاخبارها او التحليلات والتحقيقات التي تكتبها والتي تنظر اليها الصحافة المحلية في الغالب على انها قمة الموضوعية رغم انها في الواقع ليست كذلك دائما. وهذه المؤسسات ايضا تكون بحاجة الى الدولة التي يمكنها ان تعرقل عملها  مثلا برفض التصاريح الاعلامية التي تحصل عليها من جهات امنية. وبين احتياج هذا لذاك وذاك لهذا تسقط اشياء صغيرة في الطريق ويتم التغاضي عنها مثل الالتزام بقوانين العمل ومعاملة الموظفين وقيام المؤسسة بالتزاماتها المالية تجاه الدولة واشياء اخرى كثيرة.

ورغم ان هذه المؤسسات لديها قوانين دقيقة ولوائح تلتزم بها في الخارج الا انها من حيث نمط ادارتها في مصر تظل مصرية الطابع مع كل ما يحمله ذلك من موبقات حيث تقوم على مراعاة الخواطر والمجاملات والتغاضي عن الكفاءة والظلم البين. وغالبا ما تغض الشركة الام بصرها عن ذلك في مقابل ما يبدو لها على انه نوع من الادخار والتوفير بالنسبة لها طالما كان ذلك يمضي دون أي مضايقات ولا احتجاج من السلطات المحلية.

ولان الموضوع ينطوي على مصلحة للشركة في استغلال الصحفيين مقابل اقل تكلفة فلا يصعد الى هذه المواقع سوى ذوي النفوس الوضيعة ممكن تمكنوا – من خلال سجل طويل من الاحداث – من البرهنة على اخلاصهم للشركة قبل كل شيء. ويمكن لهؤلاء ان يشركوا بعض اقرانهم في ظلم الاخرين تحت مسميات عجيبة مثل القيادة الجماعية او الاشتراك في اتخاذ القرار. ومن الطبيعي ان تعمد هذه المؤسسات الى اختيار هؤلاء المسؤولين ممن يبدون استعدادا مبكرا لخدمة مصالح المؤسسة على حساب الصحفيين، وقدرة على التلاعب بالقوانين والبحث عن الثغرات فيها والنفاذ اليها بمساعدة مكاتب المحاماة والمحاسبة.

ورغم الظلم الكبير في الصحف الحكومية ايضا الا ان هؤلاء يمكنهم اللجوء الى النقابة وهذه لا تتوافر لكثير من العاملين في هذه المؤسسات ممن لم يحصلوا على عضوية النقابة.
وتعمل مكاتب الكثير من هذه المؤسسات في القاهرة ليس بمعزل عن قوانين الشركة الام التي تطبق في الدول الاخرى فحسب بل ايضا بمعزل عن قوانين العمل المحلية وحتي ابسط اخلاقيات العمل التي اتفق على احترامها في المؤسسات الدولية. وهذا ما يعطي العاملين فيها من ذوى السطوة فرصة نادرة لصياغة معايير مهنية فريدة خاصة بهم فمثلا في الوقت الذي لا تحترم فيه المؤسسة أي موضوعية تجدهم يتشدقون بانهم الهة الموضوعية، ويقدمون مبررات غير عقلانية لسلوكياتهم المريضة مهما بلغت درجة عدم معقوليتها. ولذلك تجد في هذه المؤسسات ضروبا من الظلم وفنونا من المهانة والوانا من الممارسات الغبية.

والوتيدي هو شخصية تجمع بين شخصيتين في الواقع يعملان في نفس المكان. والشخصية الاولى تشبه الى حد كبير رئيس النظام البائد في احساسه المتضخم بالرضا عن الذات والموضوعية المطلقة في الوقت الذي يزحم فيه المكان باقاربه وابناء اصدقائه. وهو يبدي استعدادا غريزيا للمبادرة بتقبيل أي يد يتخيل انها قد تؤثر على وضعه في الوقت الذي يمكن ان ينكل فيه بأي شخص يعترض على ممارساته القميئة.

وتسلك احد قريباته – والتي تشغل موقعها عن طريق المحاباة الفجة  - في المكان مسلك سيدة مصر الاولى السابقة فترفع هذا وتهبط بذاك وتعاقب ثالث وتنذر رابع وتتصرف في المكان بيد مطلقة. اما الشخصية الثانية التي يمثلها الوتيدي ايضا فهو رجل يساري سابق او لنقل انه يساري مرتد ولكنه يذكرك بقصيدة إليوت "الرجال الجوف"، وهو قاريء جيد ومستهلك طيب للكتب ولكن الثقافة بالنسبة له تظل مجرد قشرة خارجية ووسيلة للاستعلاء على الاخرين، دون ان يكون لها ادنى اثر على سلوكياته. ورغم احتكاكه السابق باليسار الا انه يبدو في مسلكه حتى مع زملائه ذو عقلية اقطاعية ويتصرف بصورة تنم عن شبق وجوع شديد للسلطة. 

توني هو شخص شبه معتوه ونرجسي ويعتقد انه فلتة في عالم الصحافة. وهو اضافة الى ذلك شخصية عنصرية بغيضة يزدحم عقله بالحفريات الاستعمارية،  ولا يمكن للوتيدي ان يقطع امرا دون استشارته والرجوع اليه خاصة عندما يترتب عليه أي اعباء مالية على المؤسسة.

فريدة ربما كانت شخصية مترددة وهشة وانفعالية في المسرحية ولكن فريدة الاصلية دنيوية ومادية وتعيش بحواسها. والاحداث في الواقع ربما تفوق ما يحدث في المسرحية فيما يتعلق ببيئة العمل الفظيعة وحادثة المحررة راندا التي وصفت المكان بانه ابشع من جوانتانامو هو موقف حقيقي.

المسرحية يقع جزء منها قبل الثورة وتمتد الى شهر مايو من العام الجاري وان كانت الثورة لا تحرك احداثها بصورة مباشرة. ولكن تعليقات البعض داخل المؤسسة تكشف تأثيرها عليهم وموقفهم منها وما احدثته في حياتهم من تبدل محدود وما اثارته لديهم من مشاعر خوف او كراهية. وباستثناء حسام الذي لا يظهر في المسرحية لا توجد شخصية ارتبطت بالثورة ارتباطا مباشرا سوى فريدة.

والثورة المصرية بدأت بداية عاصفة وقوية واستطاعت ان تتخلص من ديكتاتور من ابشع ما شهده القرن الاخير والحالي. ولكن العسكر الذين نزلوا الى الميدان بحجة حماية الثورة مالبثوا ان صادروها او احتجزوها في احدى ثكناتهم وادعوا انفرادهم بملكيتها دون بقية طوائف الشعب، بل راحوا يعاملونها وكأنها انقلاب قاموا به. ويتم تقديم الثورة للمصريين – عن طريق اعلام سيظل اسير السلطة - على انها ابعاد اسرة مبارك وبعض افراد النخبة الحاكمة وسجنهم أي ان الثورة تم اختزالها في الاسرة الحاكمة وبضعة افراد من المقربين منهم ولكن التغيير الحقيقي لم يحدث في مصر الى الان واعتقد انه لن يحدث طالما ظل العسكر في السلطة.  


اقرأ المسرحية على هذا الرابط : 
(اضغط على مربع الشاشة الكاملة اسفل الصفحة من اجل تكبير الخط ووضوحه)


ليست هناك تعليقات: