الصفحات

الثلاثاء، فبراير 22، 2011


كل ثورة وانتم طيبون

علمت ان التاريخ سيضحك علينا وان الاجيال التالية ستضحك معه وتهز رأسها عجبا منا ومن سذاجتنا فقررت ان اتنصل من بني جلدتي حتى لا اساق معهم في قطيع المضحوك عليهم حاليا والمضحوك منهم قادما.

واذا جاز لي فسوف انوب عن الشعب ولو لمرة واحدة – وطالما ناب عن شعبنا هذا المسكين صحفي متزلف في تقديم فروض الولاء باسمه الى سدة السلطة بل ربما ايضا لعق حذائها بلسانه وادعي على صفحات جريدته انه لسان الشعب – واذا لم يكن يروقككم ان اتحدث باسمكم فسوف اتحدث باسمي انا كواحد من هذا الشعب الذي اعتاد ان يسرق ويجرد من كل شيء حتى من احلامه.

وساتحدث هنا عن المجلس العسكري الذي اصبح يذكرني بالمجلس البلدي الذي قال فيه بيوم التونسي :

أخشى الزواجَ إذا يوم الزفافِ أتى :::: أن يَنْبَرِي لعروسي المجلسُ البلدي

ورُبَّمَا وَهَبَ الرحمنُ لي ولداً :::: في بَطْنِهـا يَدَّعيه المجلس البلدي

فالتشابه بين الاثنين في الموقف الحالي كبير، فالثورة هي ابنة الشعب الشرعية ولكن المجلس العسكري الذي تدخل لحفظ النظام سارع الى تبنيها واستخرج لها شهادة ميلاد من دفاتره ووضعها في حضانته ولم يرض ان يشاركه حتى في رعايتها احد، وقال للشعب كل ثورة وانت طيب.

وما يحدث في مصر يثير الدهشة فالحكومة التي عينها الرئيس المخلوع مازالت تحكم وكأن شرعيتها لم تنته بشرعيته. وكل المسئولون عن الكوارث التي وقعت ابان الثورة مازالوا في اماكنهم باستثناء اعتقال حبيب العادلي وزير الداخلية السابق. والصحف الحكومية التي حولت موقفها بزاوية 180 درجة تحاول الهاء الشعب وخلق مادة ثرية لشغل الناس بحديثها عن ثروة الرئيس المخلوع وعائلته الكريمة.

ملفات الفساد المالي هامة ولكنها ليست هي الاهم في اللحظة الراهنة بل هي دماء الناس الذين قتلوا دون ذنب سوى رغبتهم في التعبير السلمي عن رفضهم للسلطة. ووجود مبارك في شرم الشيخ هي مفارقة تاريخية لم يسمع بها التاريخ الحديث من قبل فالرئيس الذي سفك دماء المئات وتسبب في اصابة الالاف باصدار اوامر القتل لايجب ان يقيم لحظة في البلد التي سفك دماء شبابها الا بعد مثوله امام القضاء. والطبيعي بعد أي ثورة تنجح في خلع طاغية من هذا النوع اما ان يفر هذا الطاغية بجلده كما فعل زين العابدين او ان يقدم الى المحاكمة كما حدث مع تشاوشيسكو وغيره.

ومبارك لايريد ان يخرج من مصر حتى لايحاكم في الخارج حيث فرص اصطياده اسهل والكارهون له لوجه الله ولو لم يصبهم من اذاه شيء كثيرون. ويقال حتى انه حصل على وعود بالا يمثل امام المحكمة في مصر وهي وعود منحها من لا يملك لمن لايستحق وهي وعود منقوضة ومرفوضة ولا يجب بأي حال من الاحوال ان نتوقف عندها اونحترمها.

وليس هناك خيار امام المجلس العسكري سوى ان يقدم مبارك الى المحاكمة في مصر أو ان يخرج من مصر ليطارد بدعاوى دولية مثل مجرمي الحرب السابقين في رواندا. وليس من حق الجيش ان يفرض الحماية عليه باعتبار انه كان ينتمي الى المؤسسة العسكرية يوما ما. لقد انتهت علاقة مبارك بالمؤسسة العسكرية يوم ترك الجيش لينتقل الى منصب سياسي وهو منصب نائب رئيس الجمهورية ثم منصب الرئيس الذي ظن انه سيقبض وهو فيه ليرثه ابنه من بعده. وعلى المجلس العسكري ان يتأمل ولو قليلا فيما حاق بأوجستو بينوشيه ولحق بسمعة شيلي عندما حاولت حمايته من المحاكمة بترتيبات مماثلة.

والقول بان مبارك هو صاحب الضربة الجوية هو هراء لا معنى له ولا يبيح له قتل الناس. ولو كانت الامور تسير بهذا المنطق الاعرج لكان احفاد ونستون تشرشل يحكمون بريطانيا الى اليوم بل ربما طالبوا ايضا بعرش الملكة. مبارك كان جنديا وانتهي دوره كجندي بمجرد خلع اللباس العسكري ويجب ان تطبق عليه في كل مناحي الحياة ما يطبق من القوانين على كل افراد المجتمع.

ان صورة سيارات الشرطة وسيارات الإطفاء وهي تخوض في بحار البشر لهي صورة بشعة تذكرنا الى أي مدى كان يمكن ان يذهب هذا النظام من اجل الاحتفاظ بالسلطة. وأنا اسألكم ما هو الفرق بين الدبابات الاسرائيلية التي قيل انها كانت تمر على جنودنا في حرب 1967 وعربات الامن المركزي التي كانت تقتحم صفوف المحتجين. هل يمكننا ان ننكر ان الصور الاسرائيلية - التي كونت من مذكرات العسكريين وكتب التاريخ والذكريات الشخصية مضافا اليها قليل من الخيال، ما زالت تغذي مشاعر الكراهية والاحتقار لدينا تجاه اسرائيل على مدى اجيال. الفرق طبعا هو اننا لم نشاهد صور الدبابات ولكن صور سيارات النظام موجودة على الانترنت وبوفرة. انها صور لا تنتمي اطلاقا الى القرن الحادي والعشرين ولايمكن ابدا ان تكون لنظام يحترم ادمية مواطنيه او يعترف حتى بوجودها. أليس نظاما من نفس العينة البشعة ذلك الذي يضرب المواطنين بالطائرات في ليبيا المجاورة؟. هذه مشاهد لا تحدث الا في هذه البقعة المنكودة من العالم المسماة بالعالم العربي التي اعتاد حكامها ان يعاملوا شعوبها على انهم عبيد وبلادهم على انها ضياع لايسري عليها الا قانون السلب والنهب.

ان عدم الاهتمام بحياة البشر واعتبارهم طيور مصابة بالانفلونزا يمكن ابادتهم بسهولة مع الافلات من العقوبة هو امر يجب ان يتوقف ويجب ان يمثل مبارك وكل اركان نظامه امام القضاء لمحاسبتهم الحساب العسير عن دماء هؤلاء الشهداء. يجب ان يظهر الجيش انحيازه الكامل للشعب لانه ليس من المقبول ان نضحي بالشعب صانع الثورة او نحاول الالتفاف عليه مقابل مجاملة مجرم فاسد. يجب ان يؤكد لنا الجيش انه لايميز بين المواطنين وهو اساس نجاح كل دولة حديثة.

اما يوم الاربعاء الدامي فيجب ان يحاسب الجميع عليه. لقد من وتفضل السيد رئيس الوزراء وتلميذ مبارك النجيب احمد شفيق بالاعتذار منوها – لافض فوه – انه ليس مطالبا بالاعتذار وانما يتفضل به. ولو كان هذا الرجل تعلم ولو في اضيق الحدود ان حياة الانسان لها قدسيتها لما تفوه بمثل هذه الكلمات المضحكة التي قصد منها تهدئة المشاعر فجاءت بعكس ما اراد تماما.

انا لا اصدق بطبيعة الحال ان وزير الدفاع ورئيس الاركان ورئيس الوزراء وكل اعضاء الحكومة المباركة كانوا يغطون فجر الاربعاء في نوم عميق ولم يكونوا جالسين امام القنوات الفضائية يتابعون الموقف. ويبدو ان اعتذار شفيق قصد منه ان يكون اعتذارا للرئيس عن فشل خطة الاستيلاء على ميدان التحرير.

انا اعرف ان الاوامر العسكرية تقضي بعدم اطلاق النار دون الحصول على امر او موافقة من القائد ولكن عندما تكون حياة البشر معرضة للخطر هل يمكن للمرء ان ينتظر اوامر من احد؟ لماذا لم يبادر الجنود من انفسهم باطلاق النار على البلطجية لتفريقهم. ان انقاذ حياة انسان في مثل هذه الامور يكون له الاولوية على كل شيء واي شيء.

كل ما حدث في هذه الليلة السوداء – ولنلاحظ انه لم يتم اجراء تحقيقات في هذا الامر حتى الان – يعطيني انطباعا بان الجيش كان يمنح رجال مبارك فرصتهم الاخيرة للقضاء على الثورة، مع الاحتفاظ الرزين بمظهر الحياد الظاهري.

لقد كان ميدان التحرير يشهد اضعف تواجد له في تلك الليلة بعد خطاب الاستجداء المهين الذي ألقاه مبارك وعودة كثيرين من ميدان التحرير. ولولا استبسال الثوار في تلك الليلة لكان بلطجية مبارك دخلوا الميدان وفضوا المولد. انا لا اصدق ان الاستهتار بجياة البشر يمكن ان يصل الى هذا الحد البشع. لقد منهج مبارك الاستهانة بالحياة الانسانية من خلال القتل المجاني في اقسام الشرطة والقتل الجماعي في العبارات والطائرات والقطارات ومازالت هذه هي الثقافة المهيمنة.

كل المؤشرات تؤكد انه في الوضع الحالي ليس امام المجلس العسكري سوى خيارين اثنين لا ثالث لهما. اما ان يثبت للشعب فعلا انه ينتمي اليه والى قيم الثورة وحقوق الانسان التي تدعو الى احترام حياة البشر وعدم الاستهانة بها ومن ثم محاكمة مبارك على ما اقترف في حق هذا الشعب او التفضل بدعوته ليعود الى منصبه الذي مازال شاغرا خاصة انه لم يكتب ورقة رسمية بتنحيه او استقالته. اما قتلى "الاضطرابات" فيمكن ان نعتبرهم نالوا جزاءهم نتيجة خروجهم على النظام الشرعي. ولتصحيح ذلك يمكن ان نسوق اسرهم الى ميدان التحرير مكبلين ليهتفوا بحياة الرئيس ويعلنوا تنصلهم من ابنائهم.

ليست هناك تعليقات: